بعد الانسحاب السريع للقوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان، عادت حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب 2021. ومنذ سيطرتها على زمام السلطة في البلاد، وعدت طالبان بعدم المساس قيد أنملة بحقوق المرأة. ولكن سرعان ما نقضت تعهداتها وأمعنت بإبعاد النساء من الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
وباتت الأفغانيات تخشى من أن يتبخر مستقبلهن أمام أعينهن، هن اللواتي ذقن الكأس المر لسنوات عدة خلال الفترة السابقة لحكم طالبان لأفغانستان ما بين عامي 1996 و2001، واليوم الزمن يعيد نفسه اذ تبسط الحركة سيطرتها على البلاد مطبقة كل القوانين المجحفة في حق المرأة الأفغانية.
بداية، لقيت عضوة البرلمان الأفغاني السابق، مرسل نبي زاده، حتفها في منزلها على يد مسلحين مجهولين، وذلك في أول عملية اغتيال سياسي منذ استيلاء الحركة على السلطة.
وفي التفاصيل، قالت الشرطة الأفغانية إن نائبة برلمانية سابقة وحارسها الشخصي قتلا بالرصاص في منزلها بالعاصمة كابل. كما أصيب شقيقها وحارس أمن ثان في الهجوم الذي وقع يوم الأحد.
هوية القاتل مجهولة
ولا تزال هوية القاتل مجهولة حتى الساعة، لكن كل المعطيات تشي بأن كامل المسؤولية تقع على الحركة. والسؤال لماذا استهداف هذه البرلمانية الأفغانية بالتحديد؟
كانت مرسال نبي زاده، البالغة من العمر 32 عاما، واحدة من عدد قليل من النائبات اللواتي بقين في كابل بعد استيلاء طالبان على السلطة، وأوضح بعض أنصار نبي زاده أن السياسية الشابة كانت تلقت تهديدات بالقتل بسبب حملاتها لدعم حقوق المرأة. وقبل أربعة أشهر، ظهرت مرسال على شاشة التلفزيون المحلي منتقدة قيود طالبان على حريات المرأة، مثل حظر التعليم الثانوي والعالي والعمل في القطاع العام، وعدم الذهاب إلى الحدائق العامة والحمامات الشعبية.
ثانيا ومن ضمن الخطوات لقمع حريات النساء، فرضت الحركة على متاجر الملابس النسائية أن تغطي رؤوس العارضات بأكياس من القماش أو من البلاستكيك. طالبان سعت في البداية الى قطع رأس العارضات تماماً لكن اشتكى البعض من أنهم لن يتمكنوا من عرض الملابس بشكل صحيح، وبالتالي اقتصر قرار الحركة على تغطية رؤوس العارضات.
الممارسات المجحفة
لائحة الممارسات المجحفة تجاه المرأة تطول وليس آخرها، منع النساء الأفغانيات من العمل في المنظمات غير الحكومية، بسبب "شكاوى جدية" تتعلق بعدم احترام ارتداء الحجاب الذي يجب أن يغطّي الجسد والوجه. وجديد هذه القضية، استئناف ثلاث منظمات غير حكومية نشاطها جزئياً بمشاركة موظفات في أفغانستان، بعد تلقّي ضمانات من سلطات طالبان بأنّ النساء يمكنهن مواصلة العمل في قطاع الصحة.
لم تتوقف الأمور عند هذا الحد فسجل طالبان حافل، اذ أعلنت وزارة التعليم العالي في حكومة الحركة حظر التعليم الجامعي للنساء في أفغانستان بغية تجنب الاختلاط بين الذكور والاناث في الجامعات. خطوة قد تعيق تدفق المساعدات للبلاد كونها أثارت حفيظة المجتمع الدولي لأن حق التعليم مكرس في القوانين الدولية كافة.
وعلى صعيد متصل، أعلنت هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة أن 86% من منظمات تقدم المساعدات الإنسانية تقودها النساء أو تركز عليها في أفغانستان أصبحت لا تعمل أو قلصت أعمالها.
خامسا وأخيرا، أمرت طالبان النساء بتغطية شعرهن ووجوههن في الأماكن العامة، ومنعتهن من الذهاب إلى المنتزهات أو الصالات الرياضية، معتبرة أن الرياضة النسائية تنتهك حشمة المرأة ودورها في المجتمع. خطوة حرمت الأمهات من حق مشاركة أطفالهن أوقات الفرح أثناء استمتاعهم باللعب في الأماكن العامة.
تقليص حقوق المرأة
وفي حديث لـ"جسور"، يؤكد الصحافي والباحث السياسي الأفغاني فضل القاهر قاضي أنه "منذ استيلاء الحركة على السلطة، تم تقليص حقوق المرأة اذ مُنعت النساء من العمل في معظم الوظائف خارج المنزل، كما منعت من السفر بمفردها لمسافات طويلة ما لم يرافقها مُحرم. وللأسف باتت أفغانستان الدولة الوحيدة في العالم التي تُحرم فيها الفتيات من التعليم الثانوي."
واستطرد موضحا "أخفقت طالبان في الوفاء بتعهداتها بموجب اتفاق الدوحة، اذ ترددت في تشكيل حكومة تضم أطياف البلاد كافة وعملت على إبعاد النساء من الحياة العامة. وعلى الصعيد الاقتصادي، تهاوى الوضع في البلاد وبات اقتصاد البلاد "في حال سقوط حر" وفق وصف الأمم المتحدة التي حذرت من كارثة إنسانية في أفغانستان".
وتعليقا على اغتيال البرلمانية الأفغانية مُرسل نبي زاده، يشير قاضي الى أن "ذلك يثير علامات استفهام عدة حيال الوضع الأمني في البلاد خصوصا أن حركة طالبان تشدد مرارا وتكرار على أن الظروف الأمنية في البلاد لا تشوبها شائبة. الا أن أصابع الاتهام في هذه القضية تتجه اليوم الى الحركة التي تتولى زمام السلطة في البلاد".
معارضة شرسة للنظام
ويعتقد قاضي أنها قُتلت لأنها "كانت معارضة شرسة للنظام السائد في أفغانستان، ناهيك عن تلقيها، سابقا، تهديدات عدة بالقتل بسبب حملاتها لدعم حقوق المرأة. وكانت مُرسل نبي زاده رفضت الفرار من أفغانستان عندما استولت حركة طالبان على السلطة، ما يخلق حالا من الخوف لدى كل امرأة تعارض طالبان ولا تزال مقيمة في البلاد."
وختم قائلا "شهدت البلاد أول اغتيال سياسي عنوانه " مُرسل نبي زاده" لكن قد تكر سبحة الاغتيالات خصوصا أن البلاد باتت على صفيح ساخن ومكونات طبخة الوضع الامني المتزعزع كلها موجودة."