بدعوة من المؤتمر الدائم للفيدرالية برئاسة الدكتور الفرد رياشي شهد مركز لقاء في الربوة (شمالي بيروت) يوم السبت الماضي انعقاد مؤتمر موسع لدعاة الفيدرالية، وحضر المؤتمر عدد كبير من الشخصيات الفكرية والسياسية والدينية من لبنان ومن بعض الدول العربية، وكان الهدف الاساسي طرح مشروع المؤتمر حول الفيدرالية ومناقشة الاسباب التي ادت الى طرح هذا المشروع والاستماع الى وجهات النظر المختلفة بشأن الفيدرالية واتفاق الطائف واللامركزية الادارية والمالية ودراسة الاليات المطلوبة من اجل تطبيق الفيدرالية في لبنان.
وحضر المؤتمر اضافة الى اعضاء الهيئة التأسيسية للمؤتمر الدائم للفيدرالية ، الوزير السابق زياد بارود ، وممثل عن النائب فؤاد مخزومي ، وشخصيات كردية وعراقية ورجال دين ومفكرون وناشطون في لبنان والخارج في مؤسسات حقوق الانسان.
وبعد كلمة ترحيبية من الدكتور الفرد رياشي والحديث عن اسباب انعقاد المؤتمر وعرض فيلم قصير عن تاريخ لبنان وابرز الازمات التي مرّ فيها خلال المئة عام الماضية ، قدمت المنسقة العامة للمؤتمر الدائم للفدرالية رشا عيتاني الورقة السياسية، معتبرة " ان اتفاق الطائف وبالتالي دستورنا المنبثق منه، لم ينجحا في تأمين الاستقرار والعدالة بين المكونات اللبنانية، حيث تجلى ذلك باقرار هذا الاتفاق في فترة وجيزة، ومن دون اجماع داخلي لبناني، وكما لم ينشر في الجريدة الرسمية كما هو حال جميع القوانين اللبنانية ولم يوقعه رئيس الجمهورية، والاهم من ذلك، حافظ على الاشكالية الاساسية والمتمثلة في وجود نظام مركزي ادى الى نشوب احداث منها 1958 وما تبعها من اهتزازات سياسية بين أواخر الستينيات واوائل السبعينيات وصولا الى نشوب الحرب اللبنانية.
هذا بالإضافة إلى أن الانظمة وضعت لتعكس بنية مجتمعاتها وليس العكس. وبما ان المجتمع اللبناني تعددي ومركب، فلا بد من ان ينعكس ذلك على شكل النظام الدستوري للدولة، لاسيما أن المئوية المنصرمة اثبتت مدى فشل النظام المركزي المعتمد في لبنان منذ عام 1920. لذلك، نعلن تجديد دعوتنا الى تبني نظام يحاكي تعدديتنا المجتمعية الطوائفية، نظام يؤمن الديمقراطية المجتمعية بعيدا عن مفهوم الديمقراطية العددية والتي تؤدي حكما الى طغيان الطائفية العددية، اذ اننا نطرح الفيدرالية القائمة على احترام الخصوصيات الديموغرافية-الطوائفية ضمن الاطر الجغرافية الحالية".
وتابعت: "اضافة الى ذلك، نعتبر ألا آفاق لنجاح الفيدرالية من دون تبني الحياد الدولي. إن عدم اعتماد النظام الفيدرالي - المبني على الحياد الذي من شأنه تمديد المآسي على المستويات كافة، لاسيما المؤسساتية منها والمعيشية والامنية، الامر الذي سيفتح المجال أمام الدعوات التقسيمية على غرار النماذج القبرصية وجنوب السودان والهند وغيرها".
وبعد كلمة عيتاني تتالت المداخلات من المشاركين وقدّم الوزير زياد بارود ملاحظاته حول اهمية اللامركزية الادارية والمالية الموسعة داعيا الى عدم تخوين من يطرح الفيدرالية ، في حين أبدى ممثل النائب فؤاد مخزومي ملاحظاته على طرح الفيدرالية داعيا لاستكمال تطبيق الطائف ، في حين تناولت بقية المداخلات مشروع الفيدرالية بين مؤيد ومعارض ، ففي حين دعا بعض المشاركين الى ضرورة العمل على نقل المشروع الى الخارج كي يحظى بالدعم ، اعتبر آخرون أن طرح الفيدرالية سيثير مخاوف العديد من المكونات اللبنانية ، واشار آخرون الى فشل التجربة اللبنانية المركزية وتجربة لبنان الكبير وان الافضل العودة الى لبنان الصغير ، في حين دافع أركان المؤتمر عن دعوتهم ومشروعهم معتبرين ان الفيدرالية هي شبكة الخلاص للازمات التي يعاني منها لبنان ، ورد آخرون متخوفين من ان تكون الفيدرالية مدخلا لتقسيم لبنان وانهياره الكامل ونهاية التجربة اللبنانية التي حافظت على التعددية والتنوع والحرية.
لكن من يشارك في هكذا مؤتمرات ويستمع الى المداخلات ووجهات النظر المدافعة عن الفيدرالية او عن فشل تجربة لبنان الكبير ونهاية اتفاق الطائف والمخاوف القائمة بين الطوائف والمكوّنات اللبنانية يدرك حجم الازمة التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم ، هذه الازمة لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية والمالية والفراغ الرئاسي ، بل تصل الى أصل وجود الكيان وتهدد جغرافيته وديمغرافيته وطبيعته ، اضافة الى المخاوف المتبادلة بين كافة المكونات ودعوة الكثيرين للاستعانة بالخارج لحل أزماته المختلفة في ظل فشل القوى السياسية والحزبية في الوصول الى حلول لمختلف الازمات. مؤتمر الفيدرالية والمناقشات التي شهدها يؤكد الحاجة للحوار المباشر بين اللبنانيين ، سواء من اجل الاستماع الى وجهات النظر المختلفة او تقييم التجربة اللبنانية ودراسة اتفاق الطائف او للبحث عن حلول لمختلف الازمات، واذا تجاهلنا كل ذلك فنحن حتما ذاهبون الى حروب وانقسامات جديدة، وقد اعتبر بعض المشاركين أننا نعيش اليوم في حرب أهلية صامتة، وقد تشتعل هذه الحرب في أي لحظة في حال لم نجد الحلول لأزماتنا المختلفة.