في إجراء غير مسبوق بتاريخ لبنان وبلد الافلات من العقاب منذ عقود وفي ظلّ التدخلات السياسية التي تحول دون تعطيل عمل المؤسسات الدستورية والقضائية، ورغم عشرات الدعاوى التي طالبت بعزل المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار في ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، وبعد تعليق التحقيقات منذ أكثر من عام، استأنف الإثنين تحقيقاته في قضية انفجار المرفأ.
وحدّد البطار الثلاثاء مواعيد لاستجواب 13 شخصًا مدعى عليهم، على أن تحصل في الفترة الممتدة بين 6 شباط/فبراير و22 من الشهر ذاته، في إطار دعاوى حقّ عام "بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي"، من دون تفاصيل محددة حول المآخذ على كل من المدعى عليهم.
على الأثر، هبّت عاصفة قضائيّة في لبنان تُنذر بحدّة الوضع، فما تداعيات هذا القرار على الوضع العام؟ وفي اختلاف الرأي قضائيًا، من يحسُم؟
هل خطوة البيطار مرتبطة بالزيارة؟
يعتبر مصدر قانوني في حديث لـ"جسور عربية" ان "التدويل قد بدأ من قبل، ففي الأيام الأولى بعد انفجار المرفأ، فتحت النيابة العامة في باريس تحقيقًا بخلفيّة القانون الفرنسي الذي ينص بأنه اذا كان بين الضحايا فرنسيّين، فتتحرّك النيابة العامة الفرنسية تلقائيًا، وبالتالي بعد أيام قليلة من الانفجار بدأ التحقيق وهو موجود وقائم"، واضعًا زيارة الوفد القضائي الفرنسي للقاضي بيطار بخانة التعاون القضائي الذي كان قد بدأ أصلا".
وعمّا إذا كانت الخطوة الذي أقدم عليها البيطار يوم أمس مرتبطة بالزيارة من حيث التوقيت، يقول المصدر القانوني: "لا نعرف ولكن من حيث المضمون، هذا القرار يخلق حالة قانونية جديدة مما فتح باب تحريك الملفّ دون أن نعرف خواتيمها".
من يحسُم؟
ويُصوّب المصدر القانوني عبر "جسور عربية" المشكلة في المواجهة القضائية متسائلا: "من يحسم بين الرأيين بالقانون؟" ويقول: "نحن أمام وضع قانوني يتجاذب بين رأيين، فمن يحسُم بينهما؟ ومن هو المرجع القضائي الذي يقول ان كان القاضي بيطار أو القاضي عويدات على حقّ؟" ويشير المصدر القانوني ان هذا "سيُدخلنا في حالة إرباك قضائيّة أضف ان هذا الملف تتجاذبه الكثير من الأمور ودعاوى الرّدّ المُتعدّدة كالمسرحيّة التي لم تكُن مفيدة للملفّ لأخذ أي نتيجة، ولا نزال بعيدين جدا من المراحل الواجب الوصول اليها من القرار الظني الى المجلس العدلي والمحاكمة فالقرار النهائي، ونحن لا نزال بالتحقيق الأولي الذي هو في حالة ارباك كبير".
توتر خارج العدليّة؟
ويعتبر المصدر القانوني ان علامات استفهام كبيرة تطرح حول أحقيّة خطوة القاضي بيطار، مشيرًا الى أن بعض القضاة يقولون أنه على حقّ والبعض يخالفونه الرأي، ويتخوّف من أن ينسحب ذلك الى توترّ خارج العدليّة.
وردًا على سؤال حول تداعيات هذه القرارات على الوضع العام في لبنان، يقول المصدر القانوني في حديثه لـ"جسور عربية" ان الوضع العام أصلا سيء وانفجار المرفأ جزء من اشكالات عديدة بدأت بالوضع الاقتصادي والمالي بعد 17 تشرين/أكتوبر الى انفجار المرفأ فالفراغ الرئاسي وأي شيء يحصل يفاقم الوضع ولا ننسى أن تجميد ملف انفجار المرفأ يشكّل أيضًا مشكلة من زاوية أهالي الضحايا أو من زاوية أهالي الموقوفين، فضلا عن مشكلة إضافية وهي التعويضات المالية لشركات التأمين ذلك أنه يلزمهم قرار قضائي أو تقرير رسمي يقول إن ما حصل ليس حالة حرب أو عمل ارهابي للدفع وبالتالي تجميد الملف غير مفيد للبلد من أي ناحية كانت".
الاجراء غير المسبوق
وكان البيطار قد ادعى على أربعة قضاة بينهم النائب العام التمييزي، في إجراء غير مسبوق رفضته النيابة العامة التمييزية الثلاثاء، ما ينذر بأزمة قضائية وسط ضغوط سياسية عرقلت التحقيق منذ انطلاقه. وجاء تحديد مواعيد الاستجواب غداة ادعائه على ثمانية أشخاص، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات، إضافة الى ثلاثة قضاة آخرين، ومن بين الأشخاص الثمانية الذين ادعى عليهم الى جانب القضاة، المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم الذي تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصًا حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا المقرب من الرئيس السابق ميشال عون.
وكان بيطار ادّعى في صيف 2021 على رئيس الحكومة السابق حسّان دياب وطلب رفع الحصانة عن نواب آنذاك، بينهم وزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل. كما طلب الإذن لاستجواب كلّ من ابراهيم وصليبا. وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية، ما حال دون استجوابهم، وامتنع مسؤولون عن منح بيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم، وامتنعت قوى الأمن عن تنفيذ مذكرات توقيف.
رفض كل القرارات
وردّ عويدات الثلاثاء على قرارات بيطار بتوجيه كتاب على محتواه، الى "المحقّق العدلي المكفوفة يده"، وفق تعبيره، جاء فيه "نؤكد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردّكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم".
وكان التحقيق في الانفجار عُلّق في كانون الأول/ديسمبر 2021 جراء دعاوى رفعها تباعًا مُدّعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، ضدّ بيطار. واصطدم المحقّق بتدخلات سياسية حالت دون المضي بمهمته، مع اعتراض قوى سياسية عدّة أبرزها حزب الله، على عمله واتهامه بـ"تسييس" الملف، وصولاً إلى المطالبة بتنحّيه.
لكن بيطار أجرى مطالعة قانونية أعلن على أساسها قراره استئناف التحقيقات برغم الدعاوى المرفوعة ضده، ما أثار جدلاً قانونيًا وسياسيًا واسعًا. وفور استئنافه التحقيق الاثنين، طلب بيطار إخلاء سبيل خمسة موقوفين منذ الانفجار ومنعهم من السفر، بينهم عامل سوري ومسؤولان سابقان في المرفأ.
وأفاد مسؤول قضائي أن النيابة العامة التمييزية، بتوجيهها الكتاب اليوم الى بيطار، تكون رفضت القرارات كافة التي اتخذها، بينها استئنافه التحقيق. وجاء قرار بيطار استئناف تحقيقاته بعد نحو أسبوع على لقائه وفدًا قضائيًا فرنسيًا زار لبنان بهدف الاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي الذي يجري تحقيقًا في باريس بشأن مقتل وإصابة فرنسيين في الانفجار.