كتب صهيب جوهر في جسور:
تعتبر القمّة السداسيّة التي عقدت في أبوظبي مستجدًا سياسيًا كان من المستبعد حصوله منذ سنوات، وهذه القمّة كونها كون أي حدث سياسي اقليمي، فإن طبيعتها وتوقيتها لا بد وأن يطرحا باقة من التساؤلات، وأن تكون مدخلاً لقراءتها، خاصة وأن التغطيات الإخبارية، التي تناقلتها وسائل الإعلام عن المصادر الرسمية أتت مقتضبة وغير وافية لطبيعة هذا اللقاء وما حمله من عناوين ومناقشات جدية مؤخرًا.
وفي قراءة لكل من شارك وغاب لفت الانتباه وتحديدًا الغياب الواضح للمملكة العربية السعودية، والقمّة إذا كانت ذات طبيعة خليجية، بحضور عمان والبحرين مع الإمارات وقطر، فالتساؤل سيشمل الكويت أيضًا، فيما التفسيرات الاقتصادية أتت على لسان وزير المالية السعودي وكلامه عن انتهاء زمن المساعدات غير المشروطة، بالإضافة للإحتدام البرلماني في الكويت والتي باتت عالية السقف تجاه وقف الدعم المالي لمصر.
ما يجعل هذه التحديات والمواقف سببًا رئيسيًا لخلفيّة التغيّب السعودي والكويتي مع افتراض الجانب الاقتصادي للقاء أبوظبي، وهو ما يعتبر غير كافٍ، فالمواقف بخصوص تقديم الدعم الاقتصادي لم تتم إدارتها من خلال اللقاءات على هذا المستوى.
وقبيل القمة بأيام قليلة طالب صندوق النقد الدولي من أسماهم "حلفاء مصر الخليجيين" الوفاء بتعهداتهم الاستثمارية، وتسهيل منح 14 مليار دولار، وهو ما دفع العديد من المراقبين للاعتقاد بأن لقاء أبوظبي كان لبحث تلك المطالبات، فيما كان صندوق النقد قد وافق على منح مصر قرضًا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لكن هذا القرض لا يستطيع أن يسدّ أعباء خدمة الدين العام الذي شارف وقت سدادها نهاية 2022 المنصرم.
إضافة لذلك فقد اشترط الصندوق على الإدارة المصرية القيام بمجموعة إصلاحات هيكليّة حقيقيّة، لتعزيز الشفافية بما يضمن بيع الأصول العامة، لسداد ديون الصندوق وباقي الشركاء في العالم والمنطقة، والتي ستصل مع نهاية العام الحالي إلى 220 مليار دولار.
وعليه فقد أظهرت التصريحات السّعودية والمواقف الكويتيّة، واشتراطات صندوق النقد الدولي، وجود مؤشرات توحي بأن السياسات المالية للدولة المصرية أشبه "بثقب أسود"، لأن المنح والقروض الخليجية، وقروض الصندوق الدولي، باتت دفوعات مصروفة من مستقبل البلاد لتمويل المؤسسة العسكرية وصفقات السلاح والأجهزة الأمنية ونشاطها المحلي والاقليمي والتي ذهبت باتجاه تأسيس شركات انتاج اعلامي، كذلك إنشاء مشاريع ضخمة كالعاصمة الإدارية، وبناء مدن في صحراء سيناء.
والدفع نحو دعم شركات الجيش التي باتت تعمل على منافسة القطاع الخاص، وتتمتع بإعفاءات وامتيازات أكبر من تلك التي يجب أن تمنح للقطاع الخاص المحلي والخارجي، عبر نشاطها الواسع في صناعات غذائيّة كبيرة ومحطات الوقود، والانتاج الزراعي، وأسواق الإسمنت وغيرها، ما يفتح الباب على تململ خليجي ودولي من استمرار تمويل الدولة المصرية دون أفق اقتصادي واضح ومدروس.
والمفارقة الواضحة كانت المشاركة العمانية في هذه القمّة ما يؤشر إلى أمور كثيرة حول طبيعة اللقاء، فمسقط اعتادت أن تحتفظ بمسافة معقولة من العمل العربي المشترك، وتفضل أن تدير علاقاتها في الإطار الثنائي، ولم يحدث سوى تغيير طفيف عقب وفاة السلطان قابوس، لذا فإن المراقبين يعتقدون أن مشاركة السلطان طارق بن سعيد لا يعتبر تغييرًا كاملاً بالتزامن مع الدور العماني الدائر خلف الستار في الملفين النووي والحوار السعودي مع الحوثي.
كذلك فإن غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يأتي في سياق واضح، وهو وجود مؤشّرات سلبية تجاه أدائه والسلطة الفلسطينية خلال المراحل المقبلة والاكتفاء بتعاطي مصر والأردن معه، في ظل ما يحكى عن مراحل ملتهبة مقبلة مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية والمنتخبة مؤخرًا، وهذا ما تجلّى في اللقاء الثلاثي في القاهرة بين عباس والسيسي والملك عبدالله الثاني.
كذلك فإن غياب المغرب طرح مجموعة أسئلة في سياق تطور العلاقة الإماراتية-المغربية منذ مدة، لكن العارفين بالواقع العربي يعتقدون أن التغيّب المغربي يأتي في إطار تجنّب أي توتر مع الجزائر في ظل العلاقات المضطربة بين المغرب والجزائر، وتجنب أن تظهر دعوة المغرب بوصفها اقصاء للجزائر جانبًا، خاصة بعد القمة العربية الأخيرة التي أظهرت بعض الانزعاج الجزائري من مستوى التمثيل الذي لقيته من الزعماء العرب وتحديدًا الخليجيين.
لكن ما تسرّب عن اللقاء يشير إلى قلق عربي وخليجي تحديدًا من أن يقوم نتنياهو بمغامرة عسكريّة ضد ايران في المرحلة المقبلة، مستغلاً عدم القدرة الايرانية على احتواء الاحتجاجات الدائرة منذ أشهر، والتخوف العربي من هذا الفعل يأتي تزامنًا مع تحولات إقليمية جمّة، كذلك التخوف من حرب مباغتة من الجانب الإسرائيلي على إيران، لأن التكلفة في منطقة الخليج ستكون أعلى من أي مكان آخر في العالم العربي والشرق الأوسط.
لذا فإن واشنطن أوفدت مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ليتحدث في الملف الإيراني مع الأطراف كافة وتحديدًا الاسرائيلي، وهو ما يبدو متوازيًا مع تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنه لن ينجر إلى حرب غير ضرورية مع إيران، مع الحديث التقليدي عن الجاهزية الإسرائيلية لمختلف الاحتمالات مع ايران وحزب الله وحركة حماس.
ومع خروج لقاءات روبرت مالي مع المسؤولين الإيرانيين إلى العلن ومع تزامن ذلك الإعلان عن تطورات في اليمن أنتجتها الوساطات القطرية والعمانية مع ايران والسعودية، في ظل المفاجآت السياسية التي أعقبت القمة السعودية ـ الصينية، وقبلها المواقف السعودية في ملف النفط التي وتّرت العلاقة مع واشنطن، وقمة بغداد 2 في عمان ومخرجاتها العراقية واللبنانية، ولقاء السيسي وأردوغان على هامش افتتاح مونديال قطر، والانفتاح التركي المتواصل على دول المنطقة وتحديدًا إسرائيل والامارات وسوريا، وزيارة وزير خارجية الإمارات إلى سوريا ولقاء وزراء الدفاع والمخابرات بين تركيا وسوريا وروسيا.
لذا فالواقع يؤشّر إلى وجود ترتيبات إقليميّة واسعة ستترجم مع تسويات مرتقبة في اليمن ولبنان ومستقبلاً في سوريا، ولقاء أبوظبي ليس منفصلاً عن السياقات العامة المتفاعلة مؤخرًا في تلك الملفات، ونتائج الاجتماع ستعلن عن نفسها خلال فترة قصيرة، وجميع ما سيحدث من لقاءات ثنائية أو ثلاثية سيعزز ما أشار اليه اللقاء، والمواقف التي ستتخذ من دول اللقاء ستتركز في المراحل المقبلة في سياقات إيرانية وإسرائيلية واقتصادية في ظل الانهيارات المالية في معظم دول المنطقة.