فجّر قرار المحكمة الاتحادية العراقية الأخير، بشأن مستحقات إقليم كردستان، ضمن الموازنة العامة للبلاد، فصلاً جديدًا من الخلافات بين مسؤولي الإقليم، والحكومة المركزية، فيما هاجم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني قرار المحكمة ووصفه بـ"العدوان".
وتسبّب حكم المحكمة بإلغاء القرارات الحكومية في عامي 2021 و2022، بإرسال الاموال الى إقليم كردستان، بفتح باب القلق على مصير موازنة 2023 التي قد تواجه بعض الصعوبات في إقرارها بعد أن عادت الخلافات بين بغداد واربيل الى نقطة الصفر، فضلًا عن مصير الإتفاق السياسي بين القوى الكردية وقوى الإطار التنسيقي خصوصًا وتحالف إدارة الدولة عمومًا الذي تشكّلت الحكومة الحالية بناء عليه.
يهدّد الشراكة
وعلّلت المحكمة قرارها بأن الإجراء يأتي خلافًا للقانون، وذلك بناء على دعوى أقامها النائب عن "الإطار التنسيقي"، مصطفى جبار سند، وقالت إنها "قررت الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 و2022" بشأن تحويل الأموال لإقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم بات وملزما للسلطات كافة".
وسرعان ما أثار هذا القرار، غضبًا واسعًا، في الأوساط الكردية، كما أنه أعاد ملف الشراكة في الحكم، وطبيعة التوازنات السياسية إلى الواجهة، وفي هذا السياق، انتقد رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، قرار الاتحادية، بعبارات شديدة اللهجة.
وقال: "للأسف مرة أخرى أظهرت المحكمة الاتحادية موقفًا عدوانيًا ضد إقليم كردستان ومنع إرسال المبالغ المالية إلى الإقليم التي كان من المقرر أن يتم إرسالها من قبل الحكومة الاتحادية"، مردفا بالقول "ليس المقصود هنا المبلغ المالي بل المشكلة تكمن في خرق المبادئ والحقوق".
وأضاف، "الجميع يعلم أن مشاركتنا في ائتلاف (إدارة الدولة) كان على أساس برنامج واضح ومفصّل، ووافقت عليه جميع القوى السياسية" منوهًا إلى أن "تأمين جزء من المستحقات المالية لإقليم كردستان الذي يُعد حقًا مشروعًا لأهالي كردستان كان ضمن هذا البرنامج وتم الاتفاق عليه".
وطالب بارزاني الحكومة العراقيّة والجهات السياسية المكوّنة لائتلاف (إدارة الدولة) بإظهار موقفهم إزاء هذا الخرق والمحاربة التي يتم تنفيذها من قبل المحكمة الإتحادية تجاه مصالح إقليم كردستان والعراق.
من جانبه، قال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان، إنّ قرار المحكمة الاتحادية غير عادل وظالم على الإطلاق، وهو لا يستهدف فقط العاملين بأجر، بل يستهدف العملية السياسية برمّتها والاستقرار والاتفاق الذي تقوم عليه الحكومة الفيدرالية العراقية الجديدة.
وكانت حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني قد أعلنت إرسال دفعة بقيمة 400 مليار دينار في ديسمبر/كانون الاول الماضي.
"أزمة جديدة"
ويرى سياسيون ومحللون ومراقبون للشأن العراقي أن قرار المحكمة الاتحادية، سيؤدي إلى نشوء أزمة جديدة تؤثر على عمل الحكومة.
وفي هذا السياق، رأى المحلل السياسي علي البيدر في تغريدة له أن "قرار المحكمة سيخلق أزمة جديدة تؤثّر على عمل الحكومة والجميع في غنى عنها بعد مرحلة استقرار نسبي شهدتها البلاد، والمتضرر الأبرز منه هم المواطنون في الإقليم الذين يجب إبعاد لقمتهم عن أي أزمة سياسية".
قرار المحكمة_الاتحادية الخاص بالغاء كل قرارات مجلس الوزراء بتحويل الأموال إلى إقليم كوردستان سوف يخلق ازمة جديدة تؤثر على عمل الحكومة والجميع في غنى عنها بعد مرحلة استقرار نسبي شهدتها البلاد .المتضرر الابرز منه هم المواطنون في الإقليم الذين يجب ابعاد لقمتهم عن أي ازمة سياسية.
— علي البيدر (@AliAlbaidar) January 25, 2023
وأوضح في إتصال مع "جسور"، أنّ هذا القرار صدر بعد مرحلة من الاستقرار السياسي كانت شهدتها البلاد بُعيد تشكيل الحكومة، والذي يبدو وفق المعطيات أنه سيقضي على فكرة التوافق الجمعي الذي أدى إلى تشكيل حكومة السوداني، ومن ثم يُقوّض خطوات الحكومة الإصلاحية التوافقية.
وبيّن البيدر، أنّ البلاد شهدت في المرحلة الأخيرة محاولات جادة لتصفير الأزمات بين بغداد وأربيل، واليوم جاء هذا القرار في توقيت غير مناسب، مشددًا على ضرورة اللجوء إلى خيارات للتقارب أكثر منها للتباعد، خصوصًا وأن المشهد السياسي في العراق لم يعد يتحمّل المزيد من الأزمات كما استنفذ جميع الحلول المفترضة، ومن هذا المنطلق ستتعرض حكومة السوداني وفق ما أوضح البيدر لـ "جسور" إلى هزّات مرتقبة.
والحلّ؟
وبناء على ذلك، قدّم الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي، نبيل جبار التميمي، مقترحًا لحل هذه الإشكالية من دون مخالفة قرار المحكمة الاتحادية، ويتمثّل هذا الحل وفق ما صرّح به لـ "جسور" بأن تقوم الحكومة بـ "إقراض" حكومة إقليم كردستان.
وأوضح التميمي، إن "قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن دستورية تحويل الأموال الى إقليم كردستان سبق وأن أصدرت القرار نفسه"، معتبرًا أنه "كان على أطراف الإتفاق السياسي أن يضمنوا موادًا في الاتفاق لا تخالف الدستور".
وقال: "لحل القضية، على الحكومة المركزية أن تقوم بـ "اقراض" حكومة اقليم كردستان، وبهذا ستحقق الاتفاق السياسي، ولا تتجاوز على القانون وقرارات المحكمة الاتحادية".
"تجاذبات سياسية"
إلى ذلك قال القاضي رزكار أمين، " ليس من حق المحكمة الاتحادية التدخل في مثل هذا القرار وهو عبارة عن اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، متسائلاً عن السند القانوني أو الدستوري الذي اعتمدت عليه المحكمة لإصدار قرار إيقاف إرسال مستحقات الإقليم كردستان المالية؟ من الواضح ليس هناك أي سند دستوري".
وأضاف أمين قائلا:" هذه الخلافات تعالج سياسيًا او قانونيًا لكن منع الموارد عن الشعب أمر مرفوض وهذه حالة حصار ضد الأكراد العراقيين، لا يجوز لبغداد أن تضع شعبنا في وضع مساومة أو صراعات أو مزايدات سياسية ولا يمكن استخدام الشعب وسيلة أو ورقة للضغط السياسي"، مشددًا على أنّ "الأكراد عراقيين، وثروات العراق للعراقيين ولهم حق مثلما لأي عراقي آخر حقوقه في ثروات بلده ولا يمكن قطع الرواتب عن الموظفين والمتقاعدين وهذا أمر غير دستوري وغير وإنساني على الإطلاق".
ملفات شائكة
ويجري ذلك في وقت من المفترض أن يصل، الأسبوع المقبل، وفد جديد من حكومة الإقليم إلى بغداد لإكمال المباحثات بشأن الملفات العالقة بين الطرفين. وكان رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني قد زار بغداد الأسبوع الفائت، برفقة وفد رفيع المستوى من حكومته، وبحث مع المسؤولين العراقيين الخلافات والقضايا العالقة بين أربيل وبغداد.
وسبقت ذلك مباحثات أجراها البارزاني في بغداد، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع السوداني والقادة العراقيين الآخرين والأطراف السياسية بشأن الملفات العالقة بين الإقليم وبغداد وضبط الحدود.
ويأمل الأكراد بحلّ المشاكل العالقة مع بغداد، لا سيما بعدما وضعوا شروطًا عدة على تحالف "الإطار التنسيقي"، مقابل القبول بالتصويت على حكومة محمد شياع السوداني، وقد وعد "الإطار" بحل تلك المشاكل.
وتُعدّ الملفات العالقة بين بغداد وأربيل من أبرز المشاكل التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، ومن أهم تلك الملفات التي تحتاج إلى حوار وتفاهمات مشتركة، رواتب موظفي إقليم كردستان العراق، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم.