في خضم ما يعصف بالمنطقة من حوادث سياسية وتوترات أمنية، أتت العملية العسكرية الإسرائيلية المزلزلة على مخيم جنين شمالي الضفة الغربية لتطرح علامات استفهام عديدة حول توقيتها وأهدافها كما نتائجها. واتخذت المعركة طابعاً مختلفاً مع استهدافها مباشرة "حركة الجهاد الإسلامي".
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن العملية استهدفت ثلاثة مطلوبين ينتمون إلى الحركة فيما أشارت قناة محلية الإسرائيلية الى أن المطلوبين الثلاثة خططوا لهجوم كبير ضد أهداف إسرائيلية.
وحركة الجهاد الإسلامي جماعة فلسطينية مسلّحة كما حماس وإن بمستوى أقل، ومثلها مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وسبق أن طالتها نيران القوات الأسرائيلية في أغسطس/آب من العام المنصرم في قطاع غزة الذي تحكمه حماس.
لم تدم العملية العسكرية التي أطلقتها اسرائيل على مخيم جنين وسكانه صباح الخميس سوى أربع ساعات، لكنها كانت كفيلة بإلحاق دمار واسع النطاق فيه طال بناه التحتية ومبانيه، حاصدةً تسعة شهداء على الاقل وعشرات الجرحى من سكانه في هجوم هو الأعنف منذ عام 2002 حين أدى الاجتياح الإسرائيلي للمخيم آنذاك إلى قتل 52 فلسطينياً.
وسُجل الجمعة قصف إسرائيلي على غزة رداً على إطلاق صواريخ منها غداة اليوم الدامي في الضفة الغربية.
وسط هذا التصعيد الخطير، يبدأ وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن يوم الأحد المقبل جولة في المنطقة، لتخفيف التوتر بين الاسرائيليين والفلسطينيين ولإنهاء الاشتباكات بينهما، وتشمل الجولة الضفة الغربية وإسرائيل ومصر.
رسائل بالجملة والمفرق
سلسلة من العناوين السياسية والميدانية تقف خلف توقيت القصف الإسرائيلي "الجنوني" لجنين كما أوضح الصحافي وجدي العريضي في اتصال مع "جسور" شارحاً أنه "جاء استباقاً لجولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن وبُعَيد المناورات الأميركية الإسرائيلية المشتركة في إسرائيل والتي تحدث للمرة الأولى منذ فترة طويلة".
وأشار إلى أن إسرائيل "استغلت الوقت الضائع قبل وصول بلينكن وكذلك الفراغ السياسي والتفاوضي في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة لتشن هجومها العسكري في إطار "توجيه رسائل سياسية بالجملة والمفرق".
العريضي تحدث عن رسائل اسرائيلية إلى الخارج "أولاً إلى ايران في ظل ما يجري اليوم في المنطقة ثم إلى حزب الله ثانياً" إضافة إلى أخرى وُجّهت نحو الداخل "يسعى نتانياهو جاهداً إلى تثبيت موقعه بعد النكسات التي مُنيَ بها".
حركة الجهاد الإسلامي بدورها، كانت لها حصتها الوازنة من الرسائل خلال العملية الإسرائيلية الأخيرة وفقاً للعريضي "استهدفت العملية الجهاد الإسلامي كونه بات قوة لا يستهان بها على صعيد الفصائل الفلسطينية المعارضة خصوصاً في غزة وجنين".
ولفت إلى وجود "تنسيق بين حزب الله وأمين عام حركة الجهاد زياد نخالة" ما دفع بإسرائيل إلى الرد على هذا التنسيق.
تداعيات الهجوم
التصعيد الإسرائيلي ينذر بعواقب وخيمة على عدة اتجاهات، يتابع العريضي قائلاً إنه "يؤدي أولاً إلى تفاقم المشكلات القائمة في المنطقة مع وجود أجواء تفيد بأن السلطة الفلسطينية أوقفت التنسيق السياسي والأمني المشترك مع إسرائيل باعتبار أن الرئيس محمود عباس لا يمكنه التواصل معها في مثل هذه الظروف" مرجحاً أن ينتج عن ذلك ثانياً "تنسيق وتواصل أوسع بين الفصائل الفلسطينية".
لكن العريضي استبعد في المقابل إمكانية توسيع رقعة الأعمال العسكرية الميدانية "لا معارك ميدانية أو حتى حرب استنزاف، في ظل الظروف الراهنة على الساحة الفلسطينية وفي إسرائيل وصولاً إلى الحرب الأوكرانية الروسية وتوقف المفاوضات الأميركية الإيرانية مروراً باستمرار الحرب شمال سوريا وما يشهده لبنان والمنطقة بشكل عام".
واعتبر أن الأنظار تتجه نحو ما يجري في روسيا وأوكرانيا "بما أنها حرب عالمية وأقله على المستوى الاقتصادي".