وصل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى روسيا، بتاريخ 13 آذار/مارس الحالي في أول زيارة له خارج الشرق الأوسط منذ زلزال الشهر الماضي واستقبل الرئيس الاسد في مطار الشرماتيفا ميخائيل بوغدانوف الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط في مطار شيريميتييفو الدولي بموسكو .
روسيا والحل السياسي في سوريا
أجرى الرئيس السوري خلال الزيارة لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتناول أمور عديدة ولكن الأهم منها مسألة التطبيع مع تركيا. أتت الزيارة، قبل يوم من اجتماع رباعي يضم نواب وزراء خارجية "روسيا وتركيا وسوريا وإيران" في موسكو، وقبل محادثات مقررة بين وزراء خارجية الدول الأربع لاحقًا.
وبحسب صحيفة فزغلياد الروسية الناطقة بلسان الكرملين والصادرة بتاريخ 15 آذار/مارس الجاري، أشارت في خبرها إلى أن الرئيس الاسد فور إنتهاء اللقاء مع الرئيس بوتين أيد العملية الخاصة التي تقوم بها روسيا ضد أوكرانيا متهمًا الغرب بدعم النظام النازي في أوكرانيا.
الدعم لم يكن مطلب الأسد الأساسي، بل طالب الرئيس الروسي أن يبقى وجود بلاده العسكري دائمًا في سوريا، وليس موقتًا، وكأن الاسد يحاول تأمين حماية دائمة الى رئاسته يحتمي بها في ظل التغييرات الجيوسياسية التي حصلت في المنطقة.
تعد روسيا أحد أبرز حلفاء الحكومة السورية إلى جانب إيران، وقدمت لها منذ بداية النزاع في العام 2011 دعمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا، ودافعت عنها في المحافل الدولية، وساهم التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ أيلول/سبتمبر 2015 في قلب ميزان القوى في النزاع لصالح الجيش السوري. لكن روسيا فشلت في إنضاج مخرج سياسي يحمي الاسد ونظامه ومصالحها الإقتصادية.
تدعم موسكو حاليًا تقاربًا بين دمشق وأنقرة، وفي التقارب بين أنقرة ودمشق، تم العثور على مكان لطهران وموسكو، ومن المتوقع إجراء مفاوضات بين روسيا وإيران وسوريا وتركيا في موسكو يومي 15 و 16 اذار/مارس الحالي، يخصصان لعملية تطبيع العلاقات الرسمية بين أنقرة ودمشق، التي انطلقت نهاية العام الماضي. وتتضمن الأجندة موضوعات مثل مشكلة الوحدات الكردية العاملة في شمال شرقي سوريا، ومصير العملية السياسية. ويقول الخبراء إن الانتخابات العامة التركية المقرر إجراؤها في الشهر الخامس تتطلب من الرئيس رجب طيب أردوغان إحراز تقدم ضئيل على الأقل في هذا الاتجاه. ومع ذلك، هذا ليس سوى عامل واحد من عوامل الحوار.
النظرة التركية للتطبيع مع الاسد
كانت القنوات التلفزيونية الناطقة بالتركية هي أول من أبلغ عن تنظيم الاجتماع في موسكو. فالمحادثات التي ستجرى على مستوى نواب وزراء خارجية الدول الأربع ستكون ذات طبيعة فنية، وهذا سيضع الأساس لإجراء محادثة بالفعل على مستوى رؤساء الإدارات الدبلوماسية.
فمن الجانب الروسي، يحضر الاجتماع المتوقع هذا الأسبوع الممثل الخاص للرئيس للشرق الأوسط، نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية ميخائيل بوغدانوف. وفي محادثة مع الوكالات الروسية في 14 آذار/مارس 2023، حيث أكد الدبلوماسي الروسي أن الاستعدادات للمحادثات الرباعية جارية، لكنه أشار إلى أنه من المرجح أن يتم الإعلان عن النتائج بأثر رجعي.
ويهدف إجتماع موسكو إلى البناء على الزخم الذي ظهر عندما عقدت مشاورات أضيق بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا في العاصمة في 28 كانون الثاني/ديسمبر 2022.
وبعد ذلك، وبناءً على نتائجه، تم الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة. كانت هناك تقارير تفيد بأن محادثات بين وزيري الخارجية التي كان من المقرر إجراؤها في الشهر الأول من هذا العام، ولكن تم تغيير موعدها لاحقًا. وقد أفادت الوسائل الاعلامية المقربة من القيادة السورية في نهاية المطاف أن الرئيس بشار الأسد لا يريد إعطاء دفعة أخرى للتقارب الثنائي حتى إجراء الانتخابات العامة في تركيا لأنi في رأيه، يمكن أن يلعب تطوير العلاقات دورًا مهما مع أردوغان.
وبشكل منفصل، لقد ترددت أنباء عن ظهور خلافات بين أنقرة ودمشق خلال الحوار سببها الضغط الايراني على مواضيع مثل الانسحاب التركي من سوريا. وفي الاجتماع المرتقب لنواب الوزراء الذي تحدده القنوات التلفزيونية التركية، سيتم الاهتمام بهذه التناقضات.
ومن بين المواضيع إحياء العملية السياسية في سوريا ونشاط الميليشيات الكردية.
يرى الباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، غريغوري لوكيانوف إلى ظهور ظروف مواتية من أجل التغلب على بعض الخلافات، أو على الأقل عدم رغبة الأطراف في التفاوض.
وقال المحلل "الوضع السياسي والاقتصادي العالمي يساهم كثيرا في ذلك"، ومن ناحية أخرى، تساعد الاتجاهات الإقليمية الجديدة أيضًا في ذلك. حيث يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الوضع الداخلي في بلدان معينة مهم أيضًا. الانتخابات مقبلة في تركيا. على الرغم من النجاحات المؤكدة التي نجح حزب أردوغان في تحقيقها في مواجهة المعارضة، إلا أن هناك العديد من القضايا التي تواصل قوى المعارضة الضغط عليها.
ولابد من لفت الانتباه إلى حقيقة أن مرشح المعارضة الوحيد كمال كيليجدار أوغلو سبق أن طرح فكرة ضرورة إعادة العلاقات مع دمشق الرسمية في أقرب وقت ممكن كضمان لعودة اللاجئين من دولة مجاورة في تركيا إلى ديارهم عاجلاً أو لاحقًا. ووفقًا للوكيانوف، فإن أردوغان يقاتل المعارضة في جميع المجالات الرئيسية تقريبًا التي يرسخ فيها إنتقادها للسلطات، ويمكنه على الأرجح إستخدام حجج المعارضين لإعادة بناء سياستها الخارجية.
لقد أظهر الرئيس التركي مرارًا القدرة على تحويل قواعد اللعبة بهذه الطريقة. "في ظل هذه الظروف، هناك فهم معين في تركيا حول الحاجة إلى مثل هذه المفاوضات".
إذًا يجب تحقيق بعض النتائج على الأقل قبل الانتخابات وعرضها على الجمهور. وسيكون من الصعب جدًا القيام بذلك بدون مشاركة إيران، نظرًا لأن عدم مشاركتها في الإجتماع سيوفر فرصًا كبيرة لتلك الفئات من النخب، وخاصة في سوريا، غير المهتمة بتوسيع الحوار مع تركيا على سبيل المثال.
أهمية الزيارة بالنسبة لروسيا
تأتي الزيارة في سياق التحضير الى لقاء محتمل بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والأسد لإدارة المرحلة المقبلة في سوريا من الجانب التركي. وتتخللها أكثر من نقطة:
الاولى، التسوية في الداخل السوري وما يتعلق بالوحدات الكردية التي يصرّ إردوغان على الدخول نحو 30 كلم الى العمق السوري لإبعاد التهديد الكردي من الأمن الوطني التركي. أما الثانية، فتتعلق بالعلاقة التركية - السورية وما ستشهد من لقاءات بين الأجهزة الامنية ووزير الدفاع برعاية روسية".
لأن "لقاء الاسد اردوغان في حال تمّ، يتمحور حتمًا حول إدارة العلاقات السياسية، خاصة وان الرئيس التركي يحاول شراء أوراق رابحة في المسألة الكردية، وسحب ملف المزايدة من يد المعارضة التركية بخصوص النازحين وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا على أبواب الانتخابات الرئاسية في أيار المقبل". ويستطرد الى القول، "إلا ان الاتراك لن يذهبوا الى سوريا للمفاوضة على المعارضة أو على وجودهم أو على كيفية تعويم دور الأسد، لأنهم يعتبرون ان الأسباب التي أدّت الى انقطاع العلاقة بين الطرفين لا تزال قائمة وتحتاج الى تسويات جديدة".
موقف الأسد من التطبيع مع تركيا
"من جهته، يرفض الأسد أي تطبيع مع تركيا قبل وسحب قواتها من بلاده، ولا يريد اعطاء أردوغان ورقة رابحة حاليا، ظنّا منه أنه لاعب إقليمي ويمكنه ان يلعب دورًا في المنطقة ويقرر سياسات، في حين أن دولته محتلة ومقسمة إلى خمس مناطق ويخضع لقانون قيصر.
من هنا، يحاول الأسد إستخدام هاتين النقطتين، من خلال رفض تطبيع العلاقات مع اردوغان لأنه يعتبر إن بإمكانه استغلال هذه الورقة لاحقًا بعد الانتخابات، وبأن ورقة التطبيع تخدم اردوغان لا الأسد، خاصة في حال حصول تغيرات مقبلة على مستوى الرئاسة او سيطرة المعارضة، لذلك يحاول استغلال نفوذ أكبر ويطلب من اردوغان مساومات أكثر".
إن "من يعطّل تطبيع العلاقات التركية - السورية هم الإيرانيون، وبالتالي الجميع يتساءل، كيف تتحكم إيران بالأسد وتعطل كل المبادرات التي من الممكن أن تعوّم سوريا وتعيدها للعب دور في محيطها من خلال التطبيع مع الأكراد وحل المشكلة الكردية سلميًا بتولي هذه المؤسسات دورها، والتنسيق مع الأتراك لإبعاد العنصر التركي من الحدود ومنع المتطرفين من استخدام هذه الورقة"، لافتًا إلى أن "موسكو تسعى لإنجاز تسوية برعاية روسية تهدف إلى جمع الرئيسين الاسد واردوغان، حتى لو لم يكن الرئيس السوري يرغب في ذلك، لأن روسيا اليوم بحاجة جدًا لتركيا لأنها منفذها وممرها ورسائلها نحو الغرب، وبالتالي عندما تصبح مشكلة روسيا أكبر من سوريا، على الاسد أن يخضع لشروط موسكو وقوانينها، كردّ للجميل لأنها حمته من السقوط وليس إيران. وبالتالي على الاسد التطبيع مع تركيا ولكن ليس على الطريقة الإيرانية".
اللقاء الحالي من أجل تنفيذ الشروط
لقد التقى الروس الاسد من أجل التحضير لقمة رباعية لأنهم يعتبرون أن جمع تركيا والأسد وإيران برعاية روسية تساعد الروس على تحرير القيود الإيرانية، باعتبار أن مصالحها مع إيران يحفظها الاسد في ظل هذا التوافق الجديد. لكن ما مدى نجاح روسيا في عملية الضغط واستجابة الأسد لهذا القرار؟ الأمر يتوقف على الاسد تحديدا وعلى الدور الذي يفرضه عليه الحرس الثوري من خلال التمسك بالورقة السورية، ووضعها في خدمة السياسة الإيرانية في المواجهة الدولية، ووضع سوريا ولبنان واليمن في خدمة التوازنات السياسية الداخلية الإيرانية خاصة بعد الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية صينية، وهنا علينا ان نراقب هذا الإتفاق مدة شهرين لنرى مدى تنفيذه وهل هو موجود بيد الدولة الإيرانية أم بيد الدويلة الإيرانية(الحرس الثوري) ومن سيتغلب على تطبيع هذه الملفات وتطبيقها في المستقبل، خاصة وإننا نرى مدى إتساع الخلاف، أم سيحصل انقضاض على هذه الأتفاقات و تمترس وراء الصراع والمواقف الحادة، وهذا يُعرّض إيران ومؤسساتها لمشاكل هي اليوم بغنى عنها".
إن التطبيع السوري -التركي يخدم روسيا بالدرجة الأولى ويحل مشاكل الاسد، ويذهب به إلى تسوية تحافظ على مصالح روسيا وتركيا، لأن موسكو ترى أن العرب وتحديدا الخليج العربي متوجه نحو سوريا رغمًا عن الروس، وبالتالي هناك توافق مع الأتراك بعد تصفير المشاكل. كما أن روسيا بحاجة إلى الاتراك والعرب، خاصة أن السعودية ذاهبة بإتجاه إحتضان النظام السوري من خلال هذه الشروط التي ستضعها لإنهاء مشكلة سوريا وفقا لاتفاق جنيف واخراج الوجود الايراني المسلح فيها ما سيؤدي لاحقًا إلى تغيير في تركيبة هذا النظام. الاسد يعرف ذلك وإيران وروسيا كذلك، ولكن عليهم ان يعوا أنه لا يمكن المحافظة على مصالحهم في سوريا عبر بقاء هذا النظام، حتى ولو مرحليًا، لأن التغيير قادم بكل الطرق، والموقف العربي اليوم مختلف. كما أن روسيا هي من أبعدت الخليج العربي والمواقف العربية عن سوريا من خلال الإتفاق في استانة من دون إنتاج حل سياسي يعيد إعمار سوريا دون العرب".
المصالح الجيوسياسية فوق كل الاعتبارات
المصالح العربية التركية اليوم مميزة وهناك إتفاق وقعه الإيرانيون مع العرب. اذاً عاد العرب إلى الواجهة للعب دور والحفاظ على المصالح العربية، ولهذا السبب نرى روسيا مصممة، وهذا سر زيارة الاسد ، لتوسيع هذه الطاولة كي تجمع أربعة أطراف روسيا وسوريا وتركيا وايران، الهدف منها حماية مصالح ايران وسوريا كخطوة اولى من خلال تطبيع الاسد مع تركيا وربما الخطوة التالية في التطبيع مع العرب لاحقا، خاصة وإن المملكة العربية السعودية اليوم تقود السياسة الخارجية للجامعة العربية".
لذا يجب الإنتباه إلى حقيقة أن روسيا وإيران تتبعان سياسة التقارب في السنوات الأخيرة ، وهذا يساعد أيضًا على مواصلة وتوسيع الحوار حول عدد من القضايا ، بما في ذلك سوريا. وهذا عامل آخر يحفز عملية التفاوض .
حيث باتت تكليف عواقب الزلزال المدمر باهظة للغاية وتثير تساؤلات حول قدرة كل من تركيا وسوريا على إنفاق الموارد على العمليات العسكرية"بالطبع هو موضوع إنساني يطغى على الخلافات السياسية، . وهذا ليس فقط مشروعًا غير شعبي في سياق الحملة الانتخابية للقيادة التركية ، ولكنه أيضًا مشروع مكلف للغاية."
الخاتمة
أما بالنسبة للاتفاق الإيراني السعودي الأخير ، فهو فقط أحد العوامل التي يمكن أن تساعد بشكل أكبر في ضمان ألا يظل الحوار حول سوريا هو مصير أربع دول ، فإن دول الخليج التي تراقب سوريا عن كثب وتعتبرها من أهم القضايا العربية ، وسعت على مدى السنوات الماضية باستمرار اتصالاتها مع القيادة السورية، وزادت حجم المساعدات، مدركةً أنه في المستقبل ستصبح إعادة إعمار سوريا مسؤولية الدول العربية.
تدريجيًا ، هناك وعي متزايد بأن إيران ليست في عجلة من أمرها لمغادرة سوريا. ولن يكون من الممكن في المستقبل المنظور ضمان أن تصبح منطقة نفوذ الدول العربية حصراً. وقال المصدر إن هذا التفاهم موجود في السياسات التي تنتهجها الإمارات والسعودية. وبحسبه ، فإن الصفقة الإيرانية السعودية ، التي أبرمت مؤخرًا بوساطة صينية ، تحرك العملية على طريق حوار شامل وعلني حول سوريا أيضًا. فأن "هذا التأثير ، وعلى الرغم من كونه غير مباشر ، فهو مهم الى جانب عوامل أخرى".