Jusur

مقاربات الرّئاسة اللبنانيّة

لا يبدو أنّ المقاربات الرئاسيّة للأزمة اللبنانيّة ستنحصر في لبنان فقط، بل تجاوزت حدود ال 10452 كم2، خصوصًا بعد الحراك الإقليمي الذي نتج عن الاتّفاق السعودي – الايراني.
 
ولكن لا يظنّنّ أحد أنّ العالم بأسره مهتمّ بحلّ القضيّة اللبنانيّة. إن لم يسعَ اللبنانيّون بأنفسهم إلى حلّ مشكلاتهم لن يفيدهم أيّ تدخّل. وما يجب ملاحظته أنّ الاهتمام الدّولي في لبنان بدأت وتيرته ترتفع حيث تم الإعلان عن زيارة مساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف بين الثالث والخامس والعشرين من الجاري.
 
وتزامن هذا الخبر مع إعلان من قبل الخارجيّة الأميركيّة أنّها ستضغط على المسؤولين اللبنانيّين لانتخاب رئيس جمهوريّة وتشكيل حكومة والشروع في تنفيذ الاصلاحات الاقتصاديّة المطلوبة لوضع لبنان على سكّة الاستقرار النّقدي والاقتصادي والسياسي.
 
كذلك بدأ الحديث عن زيارة محتملة لدولة الرئيس نبيه برّي إلى المملكة العربيّة السعوديّة لأداء فرائض العمرة. في حين أنّ دولة الرئيس نجيب ميقاتي في الفاتيكان استمع إلى تأكيد قداسة البابا على دور "لبنان الرسالة من خلال التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة التي تميّزه وتجعله فريدًا في المنطقة." وشدّد قداسته خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال على " ضرورة التكاتف بين المسؤولين اللبنانيين للخروج من الأزمات التي يواجهها لبنان وانتخاب رئيس جديد للبلاد."
 
كما بدا لافتًا مغادرة السفير السعودي من لبنان حيث ألغى زياراته مع عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين، فكثرت التحليلات من قبل منظّري محور إيران في لبنان التي تناولت جانبًا واحدًا من إلغاءاته، تضمّن لقاء مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع؛ ليتبيّن أنّه غادر ليشارك في اجتماع الإليزيه للبحث في الملفّ اللبناني مع المستشار نزار العلولا عن الجانب السعودي ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل يوم الجمعة 17 الجاري، مع الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي المتابع للملف اللبناني بيار دوكان.
 
ويأتي هذا الاجتماع متابعة للقاء باريس للدول الخمس الذي عقد في السادس من شباط/فبراير. وعلى ما يبدو أنّ هذا الاجتماع سيحاول فيه القادة المجتمعون المواءمة بين 6 شباط/فبراير تاريخ الاجتماع الأوّل وبين 10 آذار/مارس أي تاريخ إعلان بكين عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. وعلى ما يبدو أيضًا أنّ الأولويّة هي للهمّ الاقتصادي، فيما يصرّ الجانب السعودي على عدم التّدخّل بموضوع الانتخابات الرئاسيّة.
 
لكنّ العائق الوحيد لانطلاق هذه العجلة هو من الجانب اللبناني المتمثّل بالسلطة التي يتحكّم فيها دويتّو الحكم: منظمة حزب الله التي تؤمّن الغطاء بسلاحها للفاسدين، ومنظومة الفسادِ الأُخْطُبُوطِيَّةِ التي تحمي هذا السلاح وتمكّنه من الدّولة العميقة.
 
هذا الجانب الذي لم ينفّذ التعهّدات التي قطعها لصندوق النقد الدّولي في 9 نيسان/أبريل من العام الماضي، لا سيّما فيما يتعلّق بإقرار خطّة تعافي، وإصلاحات في القطاع العام، وتعيين الهيئات النّاظمة، وغيرها من المور الاصلاحيّة التي تسمح باستعادة الانتظام الاقتصادي.
 
إلّا أنّه لا يمكن استبعاد احتمال البحث في كيفيّة الضغط على مَن يعطّل السلطة في لبنان بعدما أصبحت مفاتيح اللعبة السياسيّة اللبنانيّة على مذبح التسويات الدّوليّة. وقد يكون موضوع البحث الأساس في إيجاد الراعي الإقليمي المستعدّ لأن يلعب دور المحايِد بين الجبّارين الإقليميّين، أعني المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الاسلاميّة في إيران.
 
أمّا لبنانيًّا فالاتّصالات لم تنقطع بين مختلف الأطراف السياسيّين المحلّيّين والإقليميّين للبحث في أسماء يستبعد أيّ لاعب إقليمي نفسه عن تبنّي أحدها. فالجانب الإيراني أعلنها على لسان أمين عام منظمة حزب الله أكثر من مرّة أنّ ثقته كبيرة بنصرالله لذلك هو لا يتدخّل بالمباشر في الملفّات اللبنانيّة، لا سيّما فيما يتعلّق بملف رئاسة الجمهوريّة.
 
والجانب السعودي بدا واضحًا منذ بداية الأزمة الرئاسيّة حيث أعلن مباشرة أنّه لا يتدخل بالأسماء، وقام بطرح مواصفات لهويّة الرئيس العتيد، واضحة وضوح الشمس.
 
أمام هذه الوقائع الجيوسياسيّة، وتقاطع المقاربات الرئاسيّة للأزمة اللبنانيّة، يبدو أنّ ولادة لبنان الجديد ستكون بدفع مشترَكٍ فاتيكانيٍّ وإيرانيٍّ وسعوديٍّ وفرنسيٍّ، وبمباركة صينيّة أميركيّةٍ. لكنّ الخوف هنا في أن تكون إيران تمارس التقيّة الديبلوماسيّة لتحقّق مكاسب نوويّة في معركتها الدّوليّة. وهذا يعني أنّه بعد وصولها إلى هدفها المرجوّ قد تعود إلى نقطة الصفر لتتابع مشروعها الإيديولوجي التوسّعي عبر أذرعها التابعة مباشرة للحرس الثوريّ.
 
المطلوب اليوم من اللبنانيّين البنّائين الذين يطمحون الوصول إلى لبنان، أن يسعوا إلى استثمار علاقاتهم الفاتيكانيّة، لا سيّما بكركي والذين يضربون بسيفها، حيث المطلوب من هؤلاء في هذه المرحلة ألا يغادروا الفاتيكان، لا أن يتركوه عرضة للخداع من قبل ناهبي أموال الفقراء في لبنان.
 
كذلك على هؤلاء أيضًا التشبيك مع مَن يتكلّم لغتهم نفسها، إقليميًّا ودوليًّا، للتوصّل إلى خرق سيادي في جدار الأزمة التعطيليّة المستمرّة منذ العام 2008 فعليًّا. على أن يُستكَمَلَ هذا الخرق بعد إقفال ملفّ الرئاسة بوصول رئيس إنقاذيّ وإصلاحيّ، هويّته واضحة بعدم الإلتزام بخارطة طريق إيرانيّة، وتجربته المؤسّساتيّة ناصعة، ومواقفه السياديّة - السياسيّة من أي اعتداء لأيّ سلاح داخلي (حزب الله، أو فلسطينيّ، أوغير ذلك) أو خارجيّ (إسرائيليّ- أصوليّ أو غير ذلك) مواقف ثابتة لا تبدّلها أيّ تسويات أو مفاوضات، للانتقال إلى إعادة تكوين سلطة قادرة عمليًّا على مواجهة الأزمات وحلّها، وليس الاكتفاء فقط بإدارتها وتدوير زواياها.
الكلمات الدالة
مقاربات الرّئاسة اللبنانيّة
(last modified 17/03/2023 01:05:00 م )
by