Jusur

دول آسيا الوسطى تبتعد تدريجيًا من روسيا

في إشارة ضمنية صدرت عن دول كانت يوماً ضمن الجمهوريات السوفياتية، تعكس رفضها القاطع لغزو روسيا لأوكرانيا، توافقت الولايات المتحدة الاميركية وخمس دول رئيسيّة في آسيا الوسطى بتاريخ 10اذار/مارس 2023 على تعاون متعدد الأبعاد اقتصاديًا وبيئيًا، بما يشمل مصادر الطاقة، مشددة على مواجهة التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب، وعلى "صون السلم والأمن وحلّ النزاعات بالطرق الدبلوماسية" طبقًا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
 
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية أصدر وزراء الخارجية، بيانًا مشتركًا في ضوء الزيارة التي قام بها كبير الدبلوماسيين الأميركيين إلى المنطقة نهاية الشهر الماضي، واجتماعاته في كل من آستانة وطشقند في إطار "مجموعة 5 1"، فهذا التقارب لدول اسيا الوسطى مع الولايات المتحدة يشير لابتعادها من القبضة الروسية، وخاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية والتي لم تؤيد هذه الدول روسيا في احتلالها للأراضي الاوكرانية.
 
كيفية تعامل روسيا مع آسيا الوسطى
وحول "السياسة البطيئة والمبهمة لروسيا" في آسيا الوسطى في تصريح لمدير وكالة الاستراتيجيات العرقية القومية ألكسندر كوبرينسكي بتاريخ 30 تشرين الاول /اوكتوبر  2022 في صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا  الروسية، قالت إنه ليس صعبًا في إستخدام سياسة تنموية جديدة مع هذه الدول تقوم بالدرجة الاولى على الثقة والاستثمار المتبادل، إلا إذا كان المؤلف يتفق بطرحه في هذا المقال على أن روسيا باتت بحاجة إلى اعتماد إستراتيجية جديدة لبناء العلاقات مع هذه الدول، مع الأخذ في الاعتبار بأن دول اسيا الوسطى باتت تنتهج سياسة متعددة النوافذ مع الدول المجاروة.
 
وتعليقًا على المقالة الحزينة والحذرة والصادقة حول "الاتجاهات المقلقة" للسياسة الروسية المتخبطة في هذا المكان، ويمكن أن تكون هذه المواد مصحوبة ببعض الحجج، تنشر الصحيفة نفسها مقالًا بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر  2022 كرد على المقالة السابقة حول تعامل روسيا مع دول آسيا الوسطى، وكلها ذات صلة في سياق الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي أجريت للتو في كازاخستان تظهر اتساع الهوة بين موسكو واستانا.
 
فالحجج والتعليقات من الدعائين الروس للأسف، لن تضيف إيجابية أيضًا. لكن الوقوف امام الحقيقة ضرورية لمواجهتها، على الرغم من السياسة الروسية غالبًا ما تكون مكتومة بخطابات السياسيين بعيدًا من الثوابت والاهداف الواضحة لرسم مستقبل السياسة مع هذه الدول، وخاصة الدعاة اصحاب الخطابات الشعبوية المبنية على الماضي، والذين يتحدثون عن علاقات روسيا مع دول آسيا الوسطى، يحاولون إثبات عدم قدرة هذه الدول على الوجود بدون روسيا، وأحيانًا يستخدمون مصطلحات مؤذية للعلاقات بين البلدين بانها دول مصطنعة من صناعة روسية.
 
ويحاول هؤلاء الدعائيون التقليل من طبيعة الازمة بين روسيا وبين هذه الدول، ويؤكدون باستمرار أن الصعوبات في العلاقات بين الاتحاد الروسي مع دول المنطقة، هو عمل خارجي ناتج بسبب الاعتماد لبعض السياسين النافذين في هذه الدول على برامج وتوجهات الغرب.
 
ومع ذلك، كل هذا لا يساهم في فهم وافٍ للوضع الحالي. الوضع ليس سهلًا، والاتجاهات السائدة سلبية نوعا ما، وهي:
-أولاً، لا تميل دول المنطقة إلى دعم الإجراءات الروسية في أوكرانيا
-ثانيًا، هم منزعجون من التصريحات غير اللبقة لبعض السياسيين في موسكو حول "دونية" دول آسيا الوسطى
-ثالثًا ، فوجئوا ببطء النشاط العسكري الروسي.
-رابعًا، إنهم ليسوا مستعدين ولن ينضموا إلى العقوبات المفروضة على روسيا.
-خامسًا، دول آسيا الوسطى تطمح لبناء علاقات مميزة مع أوروبا وأمريكا. 
-سادسًا، هم يفهمون أنه من غير المرجح أن تتمكن روسيا الضعيفة من تزويدهم بالمساعدة التي قدمتها قبل الشهر الثاني من العام الماضي. ومن هنا جاءت الشكوك بتجاه المنظمات التي ترعاها روسيا - الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.
 
دول آسيا الوسطى والمصالح الخاصة
اذًا وببساطة، تتصرف دول آسيا الوسطى وفقًا لمصالحها الوطنية. وهذه المصالح لا تتوافق دائمًا مع المصالح الروسية، فالحجم الروسي يضعف في المنطقة.
لقد نشأ جيل جديد وتشكل في المنطقة، الخرائط الخاصة به غير معروفة، حيث تم رسم دول آسيا الوسطى باللون الوردي السوفياتي بالكامل. في كتب التاريخ المدرسية لم يكتبوا منذ فترة طويلة ما كتبوه في الكتب السوفياتية. ولم تعد القنوات التلفزيونية الفيدرالية الروسية تتمتع بثقتها السابقة في المنطقة.
 
لكن بعد مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (روسيا بحكم الواقع) في أحداث الشهر الأول من العام الحالي  في كازاخستان، يبدو أن الكرملين أصبح واثقًا من أن الرئيس قاسم زومارت توكاييف، "الذي أنقذه" ، وامتنانًا "لـلخلاص"، سيصبح الحليف الأكثر موثوقية لموسكو. 
 
لكن هذا لم يحدث. لقد تسببت آمال روسيا في مثل هذا الامتنان بنوع من الاستياء بسبب الشعور بعقدة النقص.  وتحولت عبارة "بفضل كازاخستان" إلى كلمات توكاييف حول استحالة الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك في الدونباس.
 
دعونا نضيف إلى ذلك خيبة الأمل من السياسة الروسية لطاجيكستان وقيرغيزستان، والتي اعتمدت في مواقف مختلفة على دعم موسكو. وأخيرًا، "صمت" منظمة معاهدة الأمن الجماعي الذي يعتبر في المنطقة نوعًا من الخيال. ومن أية دول تضمن هذه المنظمة الأمن الإقليمي؟
 
مثل هذا السؤال المهين يطرح أيضًا: هل يُنظر إلى روسيا اليوم، بما لديها بأقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والعملية الخاصة المطولة في أوكرانيا، على أنها قوة عالمية عظمى؟ الخطب في أعلى المستويات الروسية كانها تعني، لم يعد الحفاظ على مثل هذه الصورة كافيًا.
 
المصالح الوطنية تفرض البحث عن أصدقاء جدد
حيث يتم تحديد المصالح الوطنية لدول آسيا الوسطى، والأفكار حول المستقبل بشكل متزايد من خلال التعاون مع الدول الأخرى، والتي تظهر اهتمامًا متزايدًا بالمنطقة. تصبح دول متعددة العلاقات مع المحيط لتصبح أكثر تاثيرًا. لن يتشاجر أحد مع الغرب في آسيا الوسطى. وسوف يتفقون على ما تتم ملاحظته اليوم.
 
كتب كوبرنسكي أن الأمريكيين يسعون جاهدين لتقسيم دول المنطقة "إلى خانات وخلجان". وهذا هو المكان الذي أختلف فيه مع كاتب المقالة " لان الغرب، والأمريكيون يحتاجون على وجه الخصوص، إلى آسيا الوسطى بشكل حديث، متوجه نحو التحديث، نحو التكيف مع القيم الأخرى". إنهم لا يحتاجون إلى أفغانستان أخرى، تقليدية ومتطرفة، بما في ذلك أنصار الإسلام السياسي الذي لا يجب ضمه الى الغرب كحلفاء جدد في هذه المنطقة الاسلامية.
 
هل تقوم تركيا أيضًا بإخراج روسيا من المنطقة؟ نعم وكلا. من ناحية أخرى، هناك تقارب عرقي ثقافي شامل، لغة تركية جديدة مشتركة، أكثر دقة ، "شبه مشتركة"، تعاون عسكري تقني. من ناحية أخرى، فإن الناس في آسيا الوسطى يريدون المال، وتركيا لديها أقل من روسيا.
 
من الواضح أن اللغة الروسية تغادر آسيا الوسطى. لغة الشباب المحلي ليست ليو تولستوي (الذي بالكاد يُقرأ حتى في روسيا)، لكنها أداة لإدخال التقنيات الحديثة. تنتمي اللغة الروسية في المنطقة إلى عصر التنشئة، إلى ما كان آنذاك حديثًا.
 
لقد احتلّت الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر تُرْكِستان، وكيّفتها لتلائمها برغم الجهود الهائلة والخسائر الفادحة، بغضّ النظر عن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة السوفيتية، والتي كانت غالبًا قاسية وغير عادلة، فقد تمكنت من تحويل تركستان إلى آسيا الوسطى الحديثة بتلك الأوقات، وبغضّ النظر عن شعور القوميين الحاليين حيال ذلك.
 
في القرن الحادي والعشرين، ومع ما تم إنشاؤه على مدى قرن ونصف وكان نوعًا من الرموز السياسية لأنظمة دول آسيا الوسطى، علاقتهم مع تلك الإمبراطورية الحقيقية التي تنافست مع "الأنجلو ساكسون" المكروهين الآن في الشرق، حيث بدأ نفوذهم بتراجع تدريجيًا بحسب طروحات الساسة الروس .
 
كتب كوبرينسكي: "لا داعٍ للأوهام، العلاقات تضعف". من غير المجدي الجدال. لكنها ليست كارثة بعد. ستبقى روسيا ناقلًا مهمًا، أداة للحفاظ على السيادة، أداة توفر فرصًا للمساومة مع الولايات المتحدة، نفس الأتراك والصين.
 
الخاتمة 
لقد تلاشى الحماس لتاريخ مشترك في مجتمع آسيا الوسطى، وخاصة لدى جيل الشباب اذ لا يوجد حماس للوضع الحالي.
 
توجد توجهات ضد روسيا في جميع عواصم آسيا الوسطى تقريبًا. يتم التعبير عنها بطرق مختلفة، ولكن بالحقيقة أن لا أحد في المنطقة يعترف باستقلال جمهورية الدونباس والأكثر من ذلك دخولهم إلى الاتحاد الروسي، هو دليل واضح على ذلك. هذه الدول الاسيوية ليست سورية أو كوريا الشمالية.
 
دليل آخر على ذلك هو التصور المتشكك في آسيا الوسطى لخطاب موسكو المناهض للغرب، وعدم مشاركة بعض السياسيين البارزين في الأحداث التي تُعقد تحت رعاية روسيا، وما إلى ذلك.
 
 لقد ضعف ارتباط آسيا الوسطى بروسيا ككل، بل بات يضر بتوجه هذه الدول الطامحة لبناء علاقتها الخارجية مع العالم الغربي للسياسة الخارجية الروسية بعد ان كان يعتمد نجاح العلاقات بين روسيا وآسيا الوسطى بشكل أساسي على روسيا نفسها، وعلى حكمة مسارها، وعلى قدرتها في الحفاظ على مصلحة دول آسيا الوسطى مع جارتها الشمالية.
 
"المواجهة الجيوسياسية تزيد من صلابة روسيا". وهنا مرة أخرى أختلف مع المؤلف" إن مثل هذه المواجهة تبطئ تطورها إلى حد ما - وهذا "التصلب" يؤدي إلى تدهور اقتصادي وابتعاد من روسيا كما حصل في الفترة الاخيرة، وإن لم يكن يؤدي الى كارثة في العلاقات الثنائية ".
 
إذا رغبت في ذلك، كان من الممكن توقع العديد من العواقب السلبية على روسيا. ولكن لهذا، عند اتخاذ أية قرارات مسؤولة، يجب أن تكون لديك معلومات دقيقة تمامًا، وإدراك من سيتفاعل مع قرارك. في الأساس، فكر قبل أن تتصرف؟
الكلمات الدالة
دول آسيا الوسطى تبتعد تدريجيًا من روسيا
(last modified 20/03/2023 12:18:00 م )
by