تباحث رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في كيفية تعزيز سبل الأمن في العراق والمنطقة. لكنّ ذلك يندرج في سياق الترتيبات الجديدة التي ستطال المنطقة على أثر الاتّفاق السعودي – الايراني.
وما لا يمكن إغفاله بعد اليوم أنّ وجه منطقة الشرق الأوسط سيختلف بالمطلق عن الوجه الذي شهدناه طوال القرن المنصرم. وعلى ما يبدو أنّنا فعلاً بتنا في الشرق الأوسط الجديد لكن ذلك المرسوم وفقًا للمصالح العربيّة وليس ذلك الذي أثارته وزيرة الخارجيّة الأميركيّة في العام 2006.
على إيقاع التسويات
وما لا يمكن إغفاله دهاء الديبلوماسيّة الإيرانيّة التي أوكلت أمر مفاوضة العرب إلى إيرانيّ عربيّ أهوازيٍّ، يفهم العقل العربي ويعرف تمامًا ما يريده العقل الفارسي. ومما تسرّب من اللقاء العراقي - الإيراني أنّ شمخاني عرض تدريب الجيش العراقي من قبل ضباط من الحرس الثوري الايراني. عمليّا ذلك يعني تغيير في عقيدة الجيش العراقي ومذهَبَتِه ليصبح مؤتمِرًا بقيادة الحرس الثوري.
للوقوف عند هذه المسألة وغيرها من المسائل كان لمنصّة جسور عربيّة حديث مع الدّكتور عائد الهلالي المقرّب من الإطار التنسيقي الذي أفاد " أن إيران تعاني عزلة إقليمية ودولية خانقة نتيجة برنامجها النووي وتدخلها الواضح في الشأن السياسي للعديد من دول المنطقة." ولهذا السبب يؤكّد الدكتور الهلالي أنّ ما تعيشه إيران اليوم هو "نتيجة هذه العزلة ما أوصل إلى اختلال كبير في منظومتها الأمنية والاقتصادية. وبحسب الهلالي " تعمل القيادة الإيرانية الحالية على عدم انزلاق الوضع في البلاد بشكل أسوأ نتيجة الأحداث التي تمرّ بها من تظاهرات وعمليات اغتيالات لكبار علمائها ورجالاتها الساسية والأمنية وما الى ذلك."
ومن هذا المنطلق بالذات يعيد الهلالي سبب "مجيء شمخاني للعراق لهذا الغرض أي أن إيران التي قدمت مساعداتها للحكومة العراقية أيام القاعدة وداعش تأمل في مساعدة بغداد لها من أجل إنهاء جيوب المعارضة الإيرانية في كردستان العراق والتي تتواجد بشكل علني وواضح هناك." وبرأي الهلالي " هذا ما دفع إيران في الفترة الماضية إلى استهدافها بالصواريخ البالستية."
أمّا بالنسبة إلى ما تريده الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران من حكومة السيّد السوداني الطامحة إلى توحيد بيوتات العراق الثلاثة سياسيًّا وخصوصًا بعد إعلان تحالف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة الحالية والتقارب الكبير مابين الإقليم والمركز فيرى الهلالي أنّ ذلك كلّه " من أجل إنهاء الخلافات العالقة كلّها بينهم" ولعلّ هذا برأيه ما " شجع الإيرانيين للاقتراب أكثر من حكومة السوداني لتوقيع معاهدة أمنية بين البلدين والتي تم التوقيع عليها من قبل شمخاني ممثلا للجمهورية الإيرانية والسيد قاسم الاعرجي ممثلا للجمهورية العراقية.
عقيدة الجيش العراقي ثابتة
أمّا عن الحديث المتداول بخصوص رغبة إيران في تدريب الجيش العراقي فيلفت الهلالي أنّ "هذا الأمر غير قابل للنقاش من قبل الجانب العراقي لأن العراق الآن لديه اتفاقات مع الاتحاد الأوربي وحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد من أجل تدريب الجيش العراقي." وعن عقيدة الجيش العراقي يرى الهلالي أنّ "توجهات الجيش العراقي وعقيدته العربية والتي شاركت في المعارك العربية كلّها ثابتة، وهو الذي تم انشاؤه من قبل الضباط العراقيين الذين درسوا وتتلمذوا في الأستانة، وهم الرعيل الأول والرعيل الثاني الذين تتلمذوا على يد الضباط البريطانيين وفي جامعات بريطانيا العسكرية."
كذلك يلحظ الهلالي سببا إضافيًّا في هذه المسألة ناتج عن طبيعة التركيبة المجتمعيّة للجيش العراقي، فبحسب رأيه " قسم كبير من القيادات العسكرية تنتمي للطائفة السنية التي لا ترى في إيران شريكًا موثوقًا به. كذلك التجربة الإيرانية في مؤسسة الحشد الشعبي الذي تبنّت تأسيس نواته الاولى، وأشرفت بشكل كبير جدًّا على تدريب كبار قياداته، وصنعت مؤسسة عسكرية يعتبرها الآخر هي جزء من منظومة الحرس الثوري الإيراني في الانتماء والولاء، لذلك كلّه تبقى الخشية من أن تتمدد التجربة إلى صفوف المؤسسة الأمنية العراقية."
إضافة إلى هذه الأسباب يلحظ الهلالي في حديثه لجسور عن هذا الموضوع سببًا يربطه بعلاقات العراق الدّوليّة فبالنسبة إليه " قدرة الضباط العراقيين ومكانتهم وعلو كعبهم في إنشاء وبناء المؤسسات العسكرية يدفعهم إلى عدم الانجرار لمثل هكذا مقترح لأنّه لربما في نهاية المطاف يخلق فجوة بين العراق وشركائه الدوليين وإخوته العرب وهو الذي يأمل في أن تعود العلاقات معهم إلى ما كانت عليه قبل العام 1991 بعد غزوه للكويت وما ترتب عليها من عقوبات عربية ودولية".
من هنا، يبدو أنّ العراقيّين اليوم يجهدون في المحافظة على هويّتهم السياسيّة انطلاقًا من المحافظة على عقيدة جيشهم الوطنيّة. كذلك العلاقات العراقيّة الايرانيّة هي في إطار الترتيبات الأمنيّة لتأمين الحديقة الأمنيّة الخلفيّة للنظام الإيراني. فبنهاية المطاف يسعى النظام الايراني إلى محاصرة معارضيه أينما وجدوا. وهذا ما ينبئ بضرورة التفكير مجدّدًا في كيفيّة التحرّك الاستراتيجي لأيّ معارضة للنظام في إيران. ماذا وإلا لن يوصل أيّ حراك في الداخل الإيراني إلى أيّ نتيجة من دون أي خارطة طريق استراتيجيّة لهذه التحرّكات. فهل ممكن أن تنجح المعارضة الإيرانيّة بمدّ أيّ جسور مع بعض الفرقاء العراقيّين الذين لا يدورون في فلك النّظام الإيراني؟