وفي متابعة للجزء الأوّل مع الدّكتور عائد الهلالي المقرّب من الإطار التنسيقي في العراق، نتطرّق في الجزء الثاني من الحديث معه إلى الأزمة الاقتصاديّة التي لا يمكن فصلها عن النهج الذي اتّبعته حكومة السيّد محمد شياع السوداني في تموضعاتها الإقليميّة؛ لا سيّما وأنّ النّظام الإيراني لن يسمح بأن تكون خاصرته العراقيّة رخوة أمنيًّا. وعن قدرة المعارضة العراقيّة على إحداث أيّ خرق سياسي، إضافةً الى مدى تأثير الاتّفاق السعودي الإيراني على الأوضاع العراقيّة بشكل عام.
أسباب الأزمة الاقتصاديّة مشترَكَة؟
ففي الموضوع الاقتصادي، على ما يبدو حكومة السوداني تعيش بعيدًا من الواقع العراقي حيث تقوم بصرف أكبر ميزانية على حفر خنادق بالقرب من الحدود السعودية، عبر تنظيم الحشد الشيعي، بحجة زراعة النخيل، فيما البلاد لا تمتلك موارد مائية وتعاني من الجفاف وصحّة المياه حتى في المدن الرئيسية. والإشكاليّة الكبرى التي تطرح في هذا السياق تكمن في وجود الحرس الثوري هناك. فهل هذا التفاف ناعم وغير مباشر على الاتّفاق السعودي الإيراني؟ هذا السؤال يبقى برسم المراقبين الأمنيين.
إلى ذلك أدّى هذا الانقسام الحادّ في العراق على الخيارات السياسيّة إلى انهيار في العملة. وعلى ما يبدو أنّ السوداني يراهن على مساعدة إيرانية - اقتصادية لا سيّما بعدما تمّ تطمين إيران على أثر الاتفاق السعودي – الايراني.
وفي هذا السياق، يعيد الهلالي أسباب هذا الانهيار في حديثه لـ"جسور" إلى "الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الاميركية بحقّ مجموعة من المصارف العراقية الكبيرة لها الحصة الأكبر في مزاد بيع العملة والتي أطلقها ويشرف عليها البنك المركزي العراقي، فأغلبها كانت تهرّب بفواتير مزيفة إلى خارج العراق."
وكشف الهلالي عن تهريب مئات المليارات من الدولارات العراقية إلى خارج البلاد كذلك غسيل الأموال التي كانت تتمّ ، فبالتالي عند البنك ومن خلال المنصة التي وضعها وتشرف عليها منظمة أوفاك الأميركية المعنية بمراقبة عمليات تهريب وغسيل الأموال والتي تتّخذ من الطابق السابع في البنك المركزي مقرًّا لإقامتها بتقليل المعروض في السوق الرسمية العراقية."
وبرأي الهلالي:"هذا ما دفع السوق الموازي إلى التلاعب بسعر الصرف والذي لم يستقرّ إلى هذه اللحظة برغم جهود الحكومة في استبدال محافظ البنك المركزي ومعاونيه."
إضافةً إلى ذلك يؤكّد الهلالي أنّ " إطلاق كميات كبيرة من العملة الصعبة في السوق العراقية واتخاذ مجموعة من الحزم التي تحاول الحكومة من شأنها ضبط سعر الصرف وتحديد سعر الدولار 1300 دينار مقابل 100 دولار، وهي تعمل على تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير، وقد وعدت بأنّ الأمور ستعود إلى سابق عهدها، لكنها تحتاج إلى بعض الوقت في الأيام الأخيرة." وهذا ما أدّى بحسب الهلالي إلى "استقرار في سعر الصرف ولكن فوق المستوى الحكومي." ويؤكّد الهلالي "أن الاختلافات بين المكونات السياسية هي أزلية منذ عام 2003 أي من بعد الاحتلال إلى اليوم" ويرى أنّها "لم تؤثّر في سعر الصرف ولا دخل لها بالأمر."
معارضة غير موحّدة
يبدو أنّ واقع المعارضة العراقيّة التي يبرز فيها التيار الصدري مأزوم اليوم في الساحة السياسيّة العراقيّة. يقلّص احتمال أي خرق سياسي في المدى المنظور. فيما انتظار الانتخابات المقبلة لإعادة تشكيل سلطة سياسيّة جديدة ينهك الشارع العراقي اقتصاديًّا أكثر. وهذا ما يصعّب فرص هذه المعارضة غير الموحدة بخلق انتفاضة شعبية جديدة تخلط الأوراق بوساطتها.
وفي هذا السياق يلحظ الدّكتور الهلالي في حديثه لـ "جسور" أن المعارضة العراقية الآن تعيش حالة من التخبط والعشوائية في ظلّ غياب وحدة الموقف والقرار، على الرغم من تواجد التيار الصدري الداعم والمساند لها."
ويميّز الدكتور الهلالي المقرّب من الإطار التنسيقي بين نظرة الصدريّين إلى الأمور التي تختلف بحسب رأيه عن نظرة الأحزاب الناشئة التي خرجت أغلبها من رحم تشرين. فبرأيه هذه الأحزاب " تحتاج إلى النضج السياسي ووجود الأدوات القادرة على قيادة هذه الأحزاب عكس التيار الصدري الذي يمتاز عنهم بأنّه قد خبر العملية السياسية من خلال مشاركته في جميع الحكومات السابقة."
ويلحظ الدّكتور الهلالي في حديثه لجسور تبدّل موقف التيّار الصدري الذي " يرى اليوم أنّ السيد السوداني يبلي بلاء حسنًا، وأنّ هنالك خطوات تحتاج إلى المزيد من الضبط للشارع العراقي سياسيًّا كي لا تتعكّر الأجواء." كما يشير إلى وجود قناعة عند التيار الصدري بأنّ " أي إجراء للنزول إلى الشارع لربما يحرّك الأغلبية الصامتة والتي ترى في السوداني وخطواته في عملية تحرير العراق من هيمنة القوى التي كانت تسيطر عليه، وخصوصًا في ملفات الطاقة والمياه بارقة أملٍ لعودته كلاعب أساسي في صناعة مستقبل الشرق الأوسط. "
ويعيد أسباب ذلك إلى أنّ "العراق يمتلك مقدرات كبيرة إضافةً إلى موقعه الجيوسياسي، وهو الذي يمثل حلقة الوصل ما بين طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب من خلال ميناء الفاو والقناة الجافّة التي أطلق عليها السوداني تسمية قناة التنمية والتي سوف تساهم بشكل كبير جدًّا في إحداث نقلة اقتصادية لدول المنطقة جميعها."
تداعيات الاتّفاق السعودي – الايراني على العراق
تبرز في هذا السياق، احتمالات عدة لعلّ أبرزها إمكانيّة تخلّي الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران نتيجة الاتفاق الايراني - السعودي عن حلفائها العراقيين. وربّما قد تكون قدّمتهم أضاحي على مذبح هذه التسوية في محاولة منها لاستعادة استقرارها الدّاخلي وتمهيدًا لأن تلعب دورًا إقليميًّا ما في مستقبل المنطقة.
في هذا السياق، يلحظ الدّكتور الهلالي التبدّل الاستراتيجي الذي انتهجته الجمهوريّة الاسلاميّة في العراق" حيث كانت تأمل بأن تكون على غرار تجربة حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن؛ وكذلك تجربتها في أفغانستان وتعيين "كاظمي قمي" أخيرًا، وهو من قيادات الحرس الثوري الإيراني وأوّل سفير لإيران في العراق بعد الاحتلال الاميركي، كانت ترى في جماعات من الحشد الشعبي ركيزة لها في العراق؛ ولكن سياسة أغلب هذه الفصائل قد تقاطعت مع الرغبة الإيرانية، والتي لم تُرِدْ لها العمل في الجانب السياسي، لكنّها خالفت التوجه الإيراني، مما حدا بإيران إلى تحديد علاقتها بهذه الفصائل والبحث عن بدائل حتى داخل الأحزاب الناشئة."
ويختم الدّكتور عائد الهلالي حديثه لجسور مؤكّدًا على البراغماتية الإيرانيّة التي ترى أن مصالحها مقدّمة على الآخرين. فبرأيه لاتريد إيران الآن "قطع الود بينها وبين هذه الفصائل لأن مصلحتها تتطلب ذلك. فالوقت لم يحن لإنهاء شهر العسل، لذلك تبقي على شيء من التقارب بينها وبين هذه الفصائل، ولكن التقارب الايراني السعودي لربما سوف يضع ملامح السيناريو المقبل للوجود الإيراني داخل العراق."