يعتبر الملف اليمني "الاختبار الأول" لجدية طهران والتزامها باتفاق "بكين".
فالرهان الحقيقي، يتمثّل بما يمكن أن يحدثه هذا الاتفاق من تغييرات في مسار الأزمة اليمنية. بالنسبة للسعودية، تهدف استراتيجيتها إلى ضمان أمنها، عبر علاقات مع الشركاء، بما فيهم الصين والولايات المتحدة، ومن خلال تحسين العلاقات مع الخصوم مثل إيران وتركيا؛ لضمان تعزيز الاستقرار في المنطقة على المدى الطويل.
فمنذ بداية الأزمة اليمنية تؤكد السعودية "أن الحل الوحيد هو الحل السياسي الجامع بين كل أطراف الدولة وتشكيلات المجتمع اليمني". وللتذكير، فقد جاء تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن بقيادة السعودية في أعقاب الانقلاب الذي نفذه الحوثيون في 2014 وبعد أن جاهروا بالدعم الإيراني يومها، فشعرت المنطقة والسعودية تحديدا بأنّ سياسة التوسع الإيرانية وصلت إلى الباحة الخلفية وجاورت حدودها.
وقف ايران دعم الحوثيين
اليوم، ترغب السعودية من "اتفاق بكين" بأن توقف إيران دعمها وتسليحها للحوثيين وأن تلعب دورها في دفعهم إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي شامل ينهي الحرب. فالمصلحة السعودية تتمثل في وقف الهجمات الحوثية وإتباب الأمن وضمانه، فيما تنصرف المملكة إلى بناء بلدها ضمن سياسة خارجية وداخلية عنوانها "المواطن السعودي".
في المقلب الآخر، قد يسعى الإيرانيون للحفاظ على وجودهم وعلى الحوثيين (تحديدا كقوة متحالفة معهم في اليمن)، كما هو حاصل مع باقي الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران، ليتمكنوا من مواصلة ممارسة الضغوط في البحر الأحمر وعلى السعودية متى اضطروا.
وإذا باشروا بهذا الدعم ولم ينكفئوا وفق مخرجات "اتفاق بكين" فالتقارب مهدد. أما إذا التزموا فتكون طهران قد نجحت بالاختبار الأول.
أطول فترة هدوء
وعلى الصعيد الأميركي، فالملف الذي لعبت فيه الصين دوراً، لا يمكن لواشنطن أن تؤديه حيث لا تملك علاقات مماثلة مع إيران كتلك التي تملكها بكين.
صحيح أنّ الأميركيين رحبوا "علنا" بـ "أي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط". لكنهم يستدركون بحسب تصريحات وزارة الخارجية لصحيفة الشرق الأوسط ويقولون: "على مدار العام الماضي، خلقت الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والشركاء الإقليميون، أطول فترة هدوء، وأفضل فرصة للسلام، منذ بدء حرب اليمن"، ولكن "للأسف"، يقول المتحدث، "خلال تلك الفترة، واصلت إيران أنشطتها المزعزعة للاستقرار في اليمن، بما في ذلك الشحنات غير المشروعة للأسلحة إلى الحوثيين".
يتفق الأميركيون مع المطلب السعودي القائل إنه "إذا أوقفت إيران مثل هذا النشاط المزعزع للاستقرار، ودعمت بالكامل عملية السلام في اليمن، فسيكون ذلك مفيداً لجهود السلام اليمنية".
لكن لا يمكن التغاضي عن الموقف الأميركي على مدار سنوات والذي وُصف بـ"المتخاذل" إزاء ما يجري باليمن، حيث حوّلوا أزمته لمجرد "أزمة إنسانية"، وتجاهلوا الانقلاب الحوثي وعرقلة العملية السياسية ما قاد إلى الحرب وإلى الأزمات الإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني.
حتى في الداخل الأميركي ينتقد باحثون الإدارات الأميركية ويعتبرون أنّ حلفاء الولايات المتحدة يدفعون الثمن من أجل السياسات الأميركية المحلية، ويتجاهل البيت الأبيض في كثير من الأحيان المخاوف الأمنية للسعودية. وكان ملفتا تصريح للباحث الأميركي مايكل روبين في معهد "أميريكان إنتربرايز" إذ يقول: "في عهد جورج دبليو بوش، عرضت الولايات المتحدة على السعودية مشاركة التكنولوجيا النووية كجزء من الشراكة العالمية للطاقة النووية. وعرضت هيلاري كلينتون مظلة نووية. فلماذا نتراجع عن الضمانات الدفاعية؟ لقد حان الوقت لأن تدرك الولايات المتحدة أنها لا تستطيع أن تبدأ التاريخ مرة كل أربع سنوات".
بالخلاصة، على واشنطن أن تدرك بأنّ الاتفاقات الهادئة مع الرياض، أفضل من مهاجمة المصالح السعودية بالميليشيات والإرهاب والطائرات المسيّرة. لا مشكلة في تقارب السعودي - الإيراني ما دام يقوم على فهم طهران أنّ عليها تغيير سلوكها. وعليه، يبقى الاختبار الأول لفعالية "اتفاق بكين" ما ستقدم عليه إيران في الملف اليمني.