بعد مقاربة الجزء الأوّل التي اجراها البرفسور وليد فارس في حديثه لجسور عن استراتيجيّة حزب الله في التصرّف بعد الاتّفاق السعودي الايراني، نستكمل في هذا الجزء الخطّة التي سيعتمدها الحزب لإطباق سيطرته على لبنان كلّه، وذلك من بوّابة رئاسة الجمهوريّة كما يرى فارس.
رئاسة الجمهوريّة
انطلاقًا من رؤية فارس لملفّ رئاسة الجمهوريّة، يبقى بالنسبة إليه " الثابت الوحيد في هذا الموضوع أو الخطّ الأحمر هو طائفة رئيس الجمهوريّة بسبب وجود وفاق دولي إقليمي محلّي." إلّا أنّ فارس يكشف لجسور إمكانيّة " تحدّي بعضهم أكثر فأكثر في هذا الموضوع حيث قد يعمَد إلى ترشيح من غير الموارنة أو حتّى المسيحيّين."
لكن على ما يبدو من حديث فارس أنّه عمليًّا، سيُحاول إيران وحزب الله تحييد النفوذ السعودي. وهذا أهمّ شيء بالنسبة إليهما في هذه المرحلة. وذلك عبر التوافق الإقليمي (الإسلامي) بين إيران والسعوديّة؛ مع العلم أنّ إيران تعتبر أنّها صاحبة النفوذ الأكبر كقوّة محتلّة للبنان.
وبالتالي يبدو أنّهم يريدون أخذ رأي السعوديّة بناء على التّفاهم في عدم الاشتباك أو التطبيع بين الدّولتين.بحسب فارس"، ستُحاكي إيران الرياض عبر تقديمها لائحة من الشخصيّات التي تقبل بها للرئاسة؛ مقابل أنّها، أي إيران ستطلب لائحة مماثلة من المملكة للبحث في المشترَك بين اللائحتين."
ويكشف أنّ " هذه اللعبة التي ستستعملها طهران، لأنّها تعتبر أنّها في النهاية من كلّ هذه اللوائح سيكون هنالك شخص مشترَك أقرب إلى طهران من السعوديّة. فهذه الشخصيّة ستعطي السعوديّة، لكنّها عمليًّا ستكون ممسوكة من قبل إيران."
تشاؤم براغماتيّ
لا يبدو فارس شخصيًّا متفائلاً. كما أنّه لا يعتقد أنّ هناك إمكانيّة لمواجهة ذلك. فهو يرى أنّه "كان لدى السياديين، قبل هذه التطوّرات الخطيرة الماضية كلّها، وبعد انتخابات البرلمان في أيّار/ مايو الماضي، تقنيًّا نوع من الأكثريّة، وكان بإمكانهم أن يجتمعوا حولها لينتخبوا رئيساً سياديًّا بامتياز."
يفنّد فارس أخطاء هذه المرحلة كالآتي:
أوّلاً: المناورات الايرانيّة والقطريّة التي أدّت إلى تمنّع السياديّين وقتها من التوجّه إلى الغرب.
ثانياً: ثمّة من أقنع السياديّين بالتوافق مع حزب الله، أو أن يكون لهم أكثريّة أعداد. مع العلم أنّه في أيّار الماضي إلى حدّ وجود كتلة ناخبة أي النصف زائد واحد، هدّدهم حزب الله بأعمال ميدانيّة."
ويتأسّف فارس لأنّ "القيادات اللبنانيّة لا سيّما المسيحيّة والسنيّة منها لم تخرج من معادلة الخوف من ضغط إيراني عبر حزب الله."
بالنسبة إليه، أي فارس، "من دون وجود قوّة غربيّة تساعد على التوازن لا يمكن تجاوز هذا الحاجز". ويشير إلى أنّه سبق وحذّر من عدم وجود قوّة غربيّة أميركيّة لمساعدة 14 آذار على التوازن يعتبَر هفوة من 14 آذار نفسها وليس من الغرب.
في هذا السياق يستشهد فارس بالتجربة الكرديّة عندما كانت المعادلات الدوليّة كلّها ضدّهم، فهم اجتمعوا على مشروع معيّن ونجحوا بفرضه وتحقيقه. وهذا برأيه ليس موجودًا في لبنان حيث يلحظ فارس أنّ " القوى السياديّة لا تتقدم باتّجاه الغرب خوفًا من حزب الله. وإذا لم تتقدّم وتخاطر قليلاً فحزب الله حتمًا سيربح معركته ضدّهم."
انتصار ساقط سلفًا
وفيما يتعلّق بعدم تمكّن ترجمة انتصار 15 أيّار البرلماني إلى انتصار سياسي حقيقي، يرى فارس أنّ " هذا ما أكسب المحور الإيراني عامل الوقت ما مكّنه من إضعاف هذه التحالفات أكثر فأكثر. وهو الآن في قمّة عمله على إضعافها أكثر." ويكرّر مقولته التي تنطلق من دعم المجتمع الدّولي، برأيه تحقيق الانتصار الحقيقي يأتي عبر ثلاثة مسارات كالآتي:
الأولّ: أن تأتي جرعة دعمٍ دوليّة استراتيجيّة لقوى 14 آذار.
الثّاني: أن تقوم الثورة بمفاتحة شاملة للغرب على الصّعيدين السّياسي والدّبلوماسيّ.
الثّالث: أن تنزِل تظاهرة ضخمة على الأرض أو بمؤتمر للتدويل والحياديّة.
فأيّ احتمال من هذه الاحتمالات الثلاثة يمكن أن يعدّل ميزان القوى في لبنان. " وبالنسبة إلى المبادرة السعودية القطريّة بعلم أميركا وفرنسا لانتاج رئيس يتكلّم مع الكلّ كما قال برّي، فهذا برأي فارس " شعار تمويهي لإيران وحزب الله لإرضاء الممكلة وقطر والدّول العربيّة وأميركا وفرنسا يعني ذلك عمليًّا أنّ إيران وحزب الله سيقولا بأنّ الدّول كلّها مشاركة معنا في هذا القرار. أيّ أنّ المحور الإيراني سينتج هذا الرّئيس ويلوّنه بما تريده الأطراف الأخرى لإرضائها."
في محصّلة الملفّ الرئاسيّ، لا يبدو فارس متفائلاً كثيرًا. ذلك نتيجة الانتكاسات التي مني بها الفريق السيادي بسبب عدم اقتناع بعض منهم في المراحل الأولى بأنّ مشروع حزب الله ليس مشروعًا لبنانيًّا. فحاولوا لبننته عبر رفض تنفيذهم الكامل للقرار 1559. لعلّ هذا ما سمح لهذه المنظمة بالاطباق أكثر فأكثر على مقدّرات الدّولة اللبنانيّة كلّها.
فهل اتّعظ هؤلاء من تجاربهم الفاشلة، وباتوا اليوم أكثر شراسةً في موضوع المواجهة مع محور الممانعة انطلاقًا من تمسّكهم بإيصال الرئيس السيادي والانقاذي والاصلاحي الحقيقي؟