Jusur

هَمايونيّة إيران وهِيوليّة المقاومة في لبنان

المرسوم الهمايوني هو ما عرف بالمصطلح الديبلوماسي للوثيقة التي كان يصدرها السلطان العثماني بخطّ يده وتتّسم بالطابع الرّسمي. أمّا أصل الكلمة فيعود إلى اللغة الفارسيّة والكلمة هي "همايون" وتعني الأمبراطور أو السلطان وهذه الاستراتيجيّة نفسها التي تعتمدها الجمهوريّة الاسلاميّة مع أذرعها.
 
فبعد عمليّة تصفير الحوثي، واستيعاب الإطار التنسيقي في العراق، وتدجين الجهاد الاسلامي وحماس في فلسطين، لم يبقَ إلا منظمة حزب الله في لبنان.
هذه المنظمة هي الهِيولى الواحدة في التنظيمات جميعها، والتي تستقي من الرافد الإيديولوجي الأذري نفسه.
وهذه التنظيمات تتباين فقط من حيث صورتها في البلد الموجودة فيه. فالهيولى إذًا هي الجوهر في الجسم. وهي القابل في هذا الجسم لما يعرض من الاتّصال والانفصال. فعلى سبيل المثال لا الحصر للتوضيح، يُقالُ الخشب هيولى الكرسي. لكنّ الفلاسفة استخدموا هذا اللفظ ليشيروا إلى أنّ كلّ ما هو باطل هو هيوليٌّ. فأثبتوا أنّ الهيولى مادّة أزليّة، مجرّدة عن الصوّر، ثابتة في الخارج مرتبطة بقدَمِ العالم.
 
كلّ شيء مرتبط بالأبعاد الاستراتيجيّة التي ترسمها الدّول الكبرى. أمّا نحن في لبنان فمخطئ مَن يعتقد أنّنا محور الكون. أضف إلى ذلك، يجب التحرّر من عقدة المؤامرة فما من أحد يريد أن يتآمر علينا إن لم نتآمر نحن بعضنا على بعض.
 
ووسط أتانين النار التي تغلي يجب أن ننأى بأنفسنا عنها لكن المؤسف أنّ هذه الدّول وبما فيها إيران وإسرائيل تجمعهما مصلحة في عدم إنجاح الاتّفاق السعودي- الايراني الذي جُلَّ أهدافه إدخال المنطقة في ستاتيكو الاستقرار.
 
وذلك لأنّ هذين الكيانَين إن لم يكونا ضابطي إيقاع هذا الاستقرار لن يقبلا به أضف إلى ذلك، أنّ إسرائيل الدّولة التي تسعى للسيطرة عبر ديبلوماسيّتها التطبيعيّة، إن نجحت تكون قد دخلت في هذا المومنتم وإن لم تنجح فهي ستسعى إلى تفجير المنطقة تفجيرًا كاملاً لتفريغ هذا الاتّفاق من محتواه الديبلوماسي الاستقراري الذي نجح به إلى حدّ ما.
وإسرائيل كدولة ستسعى إلى استخدام هذه الأجسام الهيوليّة التي نجحت الجمهوريّة الاسلاميّة بزرعها في المجتمعات العربيّة لأنّ جوهر وجودها هو واحد أحد وهي بهيوليّتها قابلة في هذه الأجسام على الاتّصال والانفصال.
وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ هذه الأجسام ستتضامن بعضها مع بعض، ربّما على الجبهتين اللبنانيّة والفلسطينيّة ولعلّ هذا ما بان واضحًا نتيجة العراضة العُسَيْكَرِيَّة التي قامت بها منظمة حزب الله في بلدة عرمتى؛ إضافة إلى الصواريخ التي تبنّتها حماس والجهاد الاسلامي التي أطلقت من لبنان ومن غزّة على السواء.
إن دلّ ذلك على شيء فهو على أنّ الجمهوريّة الاسلاميّة نجحت بحصر مفاعيل هذا الاتّفاق على الحدود اليمنيّة – السعوديّة. ولعلّ هذا ما يهمّ المملكة لأنّنا لم نرَ أيّ ردّ فعل عالي النبرة نتيجة ما جرى في الجنوب اللبناني إضافةً إلى نأيها المباشر عن التدخّل بالحلول للأزمة اللبنانيّة والاكتفاء فقط بالعمل على حثّ اللبنانيّين للتوصّل إلى انتخاب رئيس جمهوريّتم بأنفسهم.
واستنادًا إلى المبدأ الفلسفي، وبما أنّ ما هو باطل هو هيوليٌّ، مجرّدة عن الصوّر، ثابتة في الخارج مرتبطة بقدَمِ العالم فهذه التنظيمات كلّها وإن صدرت بمرسوم همايونيّ فهي تنظيمات هيوليّة، فيها المادّة الإيديولوجيّة التي تبقيها حتّى الساعة حيّة، لكنّها مجرّدة عن الصور الواقعيّة التي لم تعد تشبه حياة النّاس بشكل عام. بل الأكثر هي ارتبطت بقدَم عالم هذه الأفكار التي سقطت مع مرور الزّمن.
ولعلّ هذا ما يفضي إلى أنّ أفول نجم هذه التنظيمات بات وشيكًا والخطر الوحيد الذي قد يعيد بثّ الحياة في شرايينها هو اندلاع هذه الحرب. وذلك لأنّ هذه الحرب تعيد إلى جسدها قدرة الاتّصال التي تمّ إبطالها بالديبلوماسيّة وعندها سيصدر مرسوم همايونيّ جديد يعيد تنظيمها من بوّابة الحرب الأزليّة التي إن بدأها الإسرائيلي سيكون قد أمّن ديمومتها من جديد مقابل إعادة تحكّمه بمفاتيح المنطقة التي لا تحيا إلا مضطربةً. وسيعيد إلى المقاومة هيوليّتها وهكذا يكون استعاد زمام مبادرة الحياة في كِيَانه الذي لا يحيا إلا على نظريّة الحرب المستمرّة.
 
وما التهديدات التي تصدر من العدو الاسرائيلي إلا مؤشّرا إضافيّا على نيّته التي باتت اكثر من واضحة في ضرب المومنتم الذي فرضه الاتّفاق السعودي- الايراني عبر شنّ ضربات مباشرة، لا سيّما بعد التسريبات التي خرجت إلى العلن عن وجود منشأة إيرانيّة نوويّة خارجة عن السيطرة الدّوليّة كلّيًّا. وهذه الضربة إن حصلت كفيلة بإعادة خلط أوراق المنطقة من جديد وبتصفير مفاعيل الاتفاق الأخير أو على الأقلّ حصر مفاعيله على الحدود السعوديّة – اليمنيّة.
أمّا إن سارع وليّ العهد السعودي إلى عمليّة تطبيع، بغضّ النّظر عن أدران القضيّة العربيّة التي تثقل حراكه الديبلوماسي؛ فعندها فقط يكون قد أقفل باب الحروب في منطقة الشرق الأوسط على الأقل للخمسين سنة المقبلة. عمليًّا نحن اليوم في عمليّة سباق بين ديبلوماسيّتين: سعوديّة من جهة وإسرائيليّة من جهة ثانية. الأولى تعمل على البارد، أمّا الثانية فلا تعمل إلا على الساخن.
 
ووسط هذه الأتانين يبقى أن نسأل أين يكمن لبنان؟ الجواب بسيط على قدر صعوبة الموقف فإن نجحت المعارضة اللبنانيّة بإيصال الرئيس الإنقاذي الذي تطالب به دول العالم عندها فقط يصبح لبنان خارج هذه المعادلات الجيوسياسيّة الطاحنة أمّا إن نجحت الممانعة بتثبيت ستاتيكو التعطيل الذي لم تنجح بسواه منذ العام 2008، فعندها قد تستغل أيّ تغيير قد تفرضه مصالح طرفي الصراع أي إيران وإسرائيل لتستعيد مرسومًا همايونيًّا جديدًا.
 
على ما يبدو حتّى الساعة أنّ الصورة تكاد تتّضح رويدًا رويدًا لكن الانتظار لا ينفع بهذه الحالة بل وحدها المبادرة هي التي ستنقذ الوضع والمبادرون وحدهم قادرون على قلب المعادلات الدوّليّة مهما تقاطعت ضدّهم قبل إصدار همايونيّ جديد ينفث الحياة للمقاومة الهيوليّة من جديد.
الكلمات الدالة
هَمايونيّة إيران وهِيوليّة المقاومة في لبنان
(last modified 24/05/2023 10:40:00 ص )
by