Jusur

مغالطات رياض سلامة و"الدولـة المارقة"

"الدولة المارقة" أو الدولة الخارجة عن القانون هو مصطلح يطلق من قبل بعض المنظرين الدوليين على الدول التي يعتبرونها تهديدًا للسلام العالمي، مثل أن تكون محكومة من قبل حكومات متسلطة أو استبدادية تفرض قيودًا شديدة على حقوق الإنسان وتدعم الإرهاب وتسعى لنشر أسلحة الدمار الشامل. بعض المعايير تلك باتت تنطبق على لبنان إذا اعتبرنا أنه محكوم من طبقة معاقبة دوليا وأخرى مصنفة إرهابية. يظهر التدقيق المقرن بالمعطيات والوقائع التاريخية أن لبنان دُفع دفعا حتى يتحول إلى مساحة جغرافية من دون دولة، تتنازعه دويلات داخلية تأتمر من الخارج الذي يسعى لتنفيذ أجنداته المتعددة والبعيدة عن احترام مبدأ سيادة الدول واستقلالها وحدودها.
 
منذ أمد بعيد، سعت دول الممانعة إلى تحويل لبنان الى خاصرة ضعيفة، تستغله لتحقيق مآربها. فأوجدت حزب الله وتعمدت مده بالسلاح، وتسليط التنظيمات المسلحة الخارجة عن الدولة على المؤسسات المالية والاقتصادية والأمنية، وصولا حتى أن أصبح للحوثي اليمني إذاعات ومحطات تلفزة وصحف ومطبوعات ومراكز تدريب عسكرية في ربوع لبنان. هذه الحال موروثة منذ أن تقرر خلق الأرضية الخصبة لكل ما ينتقص من دور السلطة المركزية ونعدد أمثلة:
 
الصراع بين كل من البعث السوري والبعث العراقي على أرض لبنان. فُجرت سفارات واغتيل قادة وصُفيت تنظيمات، وأُنشئت مربعات أمنية عصية على الدولة.
عبث أبو نضال عبر "البندقية للإيجار" وتنظيمه بالمسرح اللبناني.
إيجاد الجيش الأحمر الياباني وكوزو أوكاموتو مخبأً في لبنان.
وجد الجيش السري الأرمني وأوجلان بيئة آمنة لهما بحماية من دول مجاورة.وإن وُجدت بعض المبررات الواقعية حيال ما تفرضه موازين القوى الإقليمية، غير أنه لا توجد أي مبررات لفرقاء الداخل في إضعاف الدولة المركزية، (حتى ولو في حالة السكوت عن السلاح مقابل السكوت عن الفساد، رغم أنّ وجود السلاح هو أولا وأخيرا ما قوض السلطة المركزية وعمد إلى تلاشي قوتها وسيطرتها).أظهرت الطبقة الحاكمة اللبنانية مدى انخراطها العميق في إضعاف الدولة والسلطة المركزية، وتعمدها توسيع دائرة الفساد لتنخر كل الدوائر الأمنية والعسكرية والقضائية وحتى وسائل إعلام.
 
أخيرا وليس آخرا، أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف غيابية بحق رياض سلامة، وعمم بطاقتها الحمراء بواسطة الإنتربول الدولي، واستلمتها الدوائر المختصة في لبنان. حصل ذلك بعد أن تمنّع قاضي التحقيق اللبناني من تبليغ سلامة موعد جلسة الاستجواب المقررة له في باريس، مع العلم أن قاضي التحقيق في لبنان يكتفي أحيانا بتبليغ المطلوب حضوره بواسطة اتصال هاتفي فحسب، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة، إذ تعمد بعض القضاة حماية "الحاكم" باختلاق أعذار أولا بعدم العثور عليه، وثانيا بالادعاء عليه أمام القضاء الداخلي "العاجز والبطيء وغير الفعال" لقطع الطريق على محاكمته أمام القضاء الأوروبي. ولكن، وحيال عدم تبليغ سلامة "لصقا" كما ينص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، تمكنت قناة "الحدث" من العثور عليه داخل مقر مصرف لبنان المركزي، وأجرت مقابلة طويلة معه فاضحة حكومة التواطؤ بقضها وبقضيضها.مغالطات كثيرة وردت في كلام سلامة، في تفاصيل ما أورده الحاكم من تباينات، فنسطّر التالي:
 
1- صرح سلامة مدافعا مسترسلا متبجحا "بثبات سعر الليرة على حوالي 94 ألفاً مقابل الدولار الواحد" متجاهلا التدهور الرهيب لسعر صرف الليرة من 1500 لمستواها الحالي.
 
2- زعم سلامة أنه يدافع عن أحكام اتفاقية فرنسا مع لبنان المتعلقة بالإجراءات القضائية، في حين أنه خلال 30 عاما في حاكمية مصرف لبنان، خرق عدة معاهدات ومواثيق دولية ولا من ضمنها قرارات مؤتمرات بازل المصرفية، وتلك المتعلقة بتبييض وغسل أموال التهريب وتجارة السلاح والرقيق الأبيض. فواجهته الولايات المتحدة بدوره في حماية بنك جمال، والبنك اللبناني الكندي، وفضائح بنك المدينة، فأسرع إلى واشنطن لتسوية تورطه المكشوف يومها.
 
3- خلال المقابلة، تشدّق سلامة "بصداقاته الفرنسية والأميركية المستمرة" محاولا القول إنه ما زال يحظى بـ"حماية أجنبية"، مقللا من أهمية ما تفردت به "الحدث" يوما بستليط الضوء على بيان وزارة الخزانة الأميركية الذي ذكره بالاسم كمتورط في تقويض العقوبات على حزب الله عبر علاقته بحسن مقلّد المعاقب أميركيا.
 
4- صرّح سلامة بأنه "لم يرخص لجمعية القرض الحسن"، محاولا التنصل من المسؤولية عما تمارسه هذه الجمعية من أعمال مشبوهة لتقويض العقوبات على حزب الله، ورمى المسؤولية على الجهة (وزارة الداخلية) التي منحت "العلم والخبر" للجمعية. فمن المعلوم طبعا أن مصرف لبنان لم يرخص لهذه الجمعية، لكنّ "قانون النقد والتسليف" وما ينص على صلاحيات عائدة لحاكم مصرف لبنان المركزي، يلزم سلامة ملاحقة "القرض الحسن" والادعاء عليه لممارسته أعمالا مصرفية (بدون رخصة) مشابهة لأعمال المصارف وفقا لشروط قانون النقد والتسليف.
 
5- امتناع "الحاكم" عن ملاحقة "القرض الحسن" يعّد بحد ذاته تمنعا عن تطبيق القانون، وعن حماية النظام المصرفي برمته، وتمنعا عن "تنقية" العمل المصرفي من الشوائب، وتشجيع اقتصاد حزب الله الموازي وحمايته من العقوبات والمساهمة في استمرار تقويض سلطة الدولة المركزية.6- بسؤال "الحدث" أجاب سلامة: "لن أستقيل حتى يصدر حكم قضائي"، مسترسلا "لماذا القضاء لا يحاكم السياسيين". يؤكد "الحاكم" بإجابته أنه سيمضي حتى نهاية ولايته متحديا العالم أجمع حتى ولو أوقفت اوروبا أي معاملة مصرفية تحمل توقيعه مما سيكبد لبنان واللبنانيين المزيد من الخسائر .7- كما يثير جوابه يثير التساؤل: لماذا بموجب المادتين ١٩ و ٢٠ من قانون النقد والتسليف لا تقدم الحكومة على إقالته ولو قبل شهرين من انتهاء ولايته؟ فماذا يخفي سلامة (صاحب الصندوق الأسود) من مماسك قام بتجميعها خلال ٣٠ عاما من ولاياته كحاكم .
 
على وقع كل ذلك، تنتظر الحكومة أن يقدم رياض سلامة على الإستقالة من تلقاء نفسه، ممتنعة عن إقالته وفقا لقانون النقد والتسليف بسبب ارتكابه الخطأ "الجسيم" في التسبب بالخسائر الفادحة للمصرف المركزي. كما أيضا وفقا للمادة ٢٠ من قانون النقد والتسليف بسبب استفادته الشخصية من أموال المصرف ومن المصارف التجارية سواء عبر شركة فوري أو شقيقه رجا أو مساعدته الشخصية .
 
يعتبر تردد الحكومة حيال إقالة الحاكم ، جزءا من ارتكابات الطبقة السياسية بكاملها التي استفادت من أفعال سلامة وكانت شريكة في ارتكاباته. فمحاكمته تعتبر محاكمة لكامل الطبقة السياسية المنخورة بالفساد. فما دعوة سلامة القضاء لمحاكمة السياسيين إلا اعترافا منه بشراكة الطبقة السياسية الفاسدة له .
 
لم يتبدّ القلق على سلامة خلال المقابلة إذ يدرك بحماية الطبقة السياسية المتورطة معه، ويعلم أنه ليس المتهم الاول وليس الاخير، مستفيدا من عدة تجارب لم يكن آخر أمثلتها طلب اليابان تسليم كارلوس غصن المُحاكم أيضا لدى القضاء الفرنسي إضافة للقضاء الياباني.
 
فرنسا تحاكم رئيس جمهوريتها السابق ساركوزي وتحكم عليه بالسجن مع التنفيذ الفعلي، في حين يخفي لبنان المطلوبين ويحميهم من وجه العدالة الأجنبية. فيصح هنا نظرا للواقع الأليم توصيف لبنان بـ"الدولة المارقة". وعندما تشارك الحكومة الممثلة للطبقة السياسية سلامة وتغطي أفعاله، تؤكد مرة أخرى أنّ لبنان ـ بعدم تطبيقه أحكام القانون والمعاهدات الدولية ـ "دولة مارقة".
الكلمات الدالة
مغالطات رياض سلامة و"الدولـة المارقة"
(last modified 25/05/2023 10:55:00 ص )
by