كتب بركات علي حمّودي
لا شك أنّ عسكرة المجتمع وتسلّح الأفراد من أكبر عوامل استفحال العنف المجتمعيّ والمذهبي و ازدياد معدلات الجريمة.
العراق هو أحد البلدان التي اُبتليت بداء "عسكرة المجتمع" كما بلدان اخرى ما أدّى إلى خرابها وظهور أمراء الحروب والطّوائف كما في لبنان وأفغانستان وليبيا واليمن.
أدّى هذا الى فشل هذه البلدان على الرّغم من وجود عوامل نجاح اقتصاديّة كالموارد الطّبيعية مثل النفط والخدمات مثل السياحة والزراعة. احترَقت جميع هذه المقومات ونُهبَت بسبب انتشار السّلاح المتفلّت وفساد حامليه.
كُلّنا يعرف ماذا فعلت طالبان في أفغانستان، وميليشيات الحوثي في اليَمَن، والحرب الأهليّة التي استمرّت 15 عاماً في لبنان، والحربُ المُستعرّة نارها في ليبيا.
أساس المُشكلة في العراق مُتوارثٌ منذ ستّينيّات القرن الماضي، تحت مُسمّى تجربة "الحرس القومي" الذي ظهر بعد انقلاب 1963، وما رافقه من اعتداءات ميليشيات البعث والقوميين على الشيوعيين و اليساريين. بدورهم كان الشيوعيون قبل ذلكَ "مليشيا معنويّة" في زمن عبد الكريم قاسم. لا يُشاهَد لهم ظهوراً مسلحاً حقيقياً إلا بحدوث انقلاب فاشل فيخرجون للّساحات هاتفين "ماكو مؤامرة تصير و الحبال موجودة".
من عام 1963 وحتى عام 1968 لم يشهد العراق بعد تجربة الحرس القومي تلك المشاهد، حتّى وصلَ صدام حسين إلى الحكم واندلاع الحرب العراقية – الايرانيّة. على إثر هذه الحرب شكّل صدام ما سُمِّيَ بـ" الجيش الشعبي"، بقيادة حزب البعث، وكانت هي النّواة الاولى لعسكرة المجتمع العراقي بشكل واسع. كذلك كانَ صدّام حسين يوزع الأسلحة الفرديّة لزوّاره.
سقط صدام وترك خلفه عرضة للنّهب ملايين القطع العسكريّة المُختلفة. صارَ المُسدّس والقنبلة اليدوية "لُعبةً بأيدي الأطفال". وانتشَرَت الأسلحة في الأسواق علناً وبـ"أرخص الأسعار". وانتشَرت الجريمة المنظمة وعمليّات الثأر والحرب الطّائفيّة.
يُثير الاستغراب ما فعلهُ رئيس الوزراء الأسبق نوري الذي سلّح وموّل إحدى الميليشيات بشكل علنيّ وحضرَ أحد مُساعديه عرضاً عسكريّاً لها. حانت اللحظة المفصليّة صيفَ 2014 يومَ سقطَت الموصل ودخلَ تنظيم "داعش"، وتفلّت السّلاح أكثر من ذي قبل. وبعد القضاء على التنظيم الإرهابيّ، ظهرَ السّلاح المُتفلّت مُجدّداً في تظاهرات تشرين 2019، حيث أطلقت ميليشيات النّيران على المُتظاهرين العُزّل.
بعد اغتيال قائد قوّة القدس السّابق الجنرال قاسم سليماني مطلع 2020 قُرب مطار بغداد، صارَت حجة وجود السّلاح "طرد الجيش الأميركيّ من العراق". هنا كانت أحداث دامية من قصف المنطقة الخضراء والسّفارة الأميركيّة غير مرّة. كما قُصِفَ مطار بغداد، واستُهدفَت بعض المحطّات الإعلاميّة.
الأغلبيّة الصّامتة في العراق مستاءة ممّا آلت إليه الأمور، بيدْ أنّ معارضة هذا النهج سيُعرضها لما تعرضت له بعض المحطات الاعلامية وبعض الأحزاب والسّياسيين.
لا يرضى عاقلٌ بتحوّل العراق إلى ساحة صراعٍ بين إيران والولايات المُتحدة. ولا أن يحمل البعض "بندقيّة إيجار" لا للدّفاع عن أرض الوطن. هنا يتبادر للأذهان مسألة شرعيّة السّلاح وعنوان "المقاومة": هل هما يوحّدان العراقيين؟ أم أنّ كلّ ذلك شعار استهلاكيٌّ من أجل أجندات خارجية؟ هل وجود السلاح المُتفلّت بكلّ أشكاله هو لإجبار أيّ حكومة على الانصياع لقوى الأمر الواقع؟ ولماذا لا يخضع موضوع السّلاح لتصويتٍ برلمانيّ أو شعبيّ لحسم مسألته كما في الدّول المُتحضّرة؟
الخلاصة أنّه في النّظام البرلمانيّ، مثل العراق، ينبغي الاحتكام لإرادة المواطن وصناديق الاقتراع. ويكون الحكم هو المواطن، وليسَ الأطراف التي تتحكّم بمصير السّلاح وانفلاته في الدّاخل والخارج.