صارَت أرمينيا ساحة تهريب ومحطّةً للالتفاف على العقوبات الدوليّة من قبل جارتيْها روسيا وإيران.
منذ انهيار الاتحاد السّوفياتي في 1991 لاتزال أرمينيا تعاني من أزماتها الاقتصادية والسّياسيّة، وتحالفاتها المفروضة عليها بسبب موقعها الذي يفرض عليها حصارًا جغرافيًا مع جارتيْها اللدودتيْن:
- أذربيجان، العدوّ المستجد بسبب النّزاع على منطقة "ناغورني – كاراباخ"، والتي صارَت قضيّة يصعب حلُّها بسبب مصالح روسيا في منطقة القوقاز.
- تركيا، العدوّ القليدي لأرمينيا بسبب العداء التاريخي نتيجة الأحداث التي وقعَت مطلع القرن العشرين .
لذلك اصبحت الأزمة المعيشية والاقتصادية والأمنية تخرج إلى العلن منذ اندلاع الصراع في جبال في "كاراباخ"، حيث وصلت الى مشاكل تاريخيّة بين الشعبين اللذين عاشا في كنف الدولة السوفياتيّة سويًا.
ومع تطور الأحداث في المنطقة في محاولة للسيطرة على الجغرافيا السّياسيّة الجديدة اختلطت الأوراق. دخلت إيران على خطّ المواجهة ضدّ أذربيجان لصالح أرمينيا، كما حال روسيا التي رعت هذا الصّراع ولم تجهد نفسها لحلّ هذا الصراع بين "الجيران".
تغلغلت إيران في داخل المجتمع الأرمنيّ باستخدام البلادِ كساحة مُهمّة للتّهرّب من العقوبات الغربيّة الوصول الى المال والمواد المحظورة عنها من خلال أرمينيا.
شكّلت رحلات سياحيّة دائمةٍ الى العاصمة "يريفان" ومدُنٍ أخرى. استخدمت الفنادق والأموال "الكاش" لتأمين الحاجات العامّة للمواطنين مثل الأدوات الكهربائية والملابس والمآكل، وغيرها من المواد عبر شركات أرمينيّة.
مع تشديد الخناق الغربيّ، بات التّهرب من العقوبات صعبًا، إذ صارت المصارف تخشى من التعامل مع الدّولة الايرانية، لكنّ الإيرانيين حاولوا الالتفاف مجددا على هذه العقوبات بطرق أخرى، من خلال فتح شركات الصّيرفة في أرمينيا لتبديل العملات وشراء البضائع بطريقة قانونية، أيّ تبييض الأموال الإيرانية في الأسواق الارمنية
لكنّ الضّغوطات الماليّة الارمنيّة من خلال الشّركات الغربيّة على الّسوق الأرمني منعت فتح الحسابات في البنوك، خصوصاً أنّ المصارف لا تفتح اعتمادات للخارج. كما أنّ النّظام المصرفيّ الأرمني لا يزال في طوره البدائيّ .
الاستخدامات المصرفية للإيرانيين
يُذكر أن الاستخدام المتزايد للعملة المحلية الإيرانية في أرمينيا المجاورة قديمة وتزداد بشكل واضح. ارتبطت أرمينيا بعلاقات تجارية عميقة مع طهران، بالوقت التي تحاول يريفان تعميق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهذا قد يمكّن إيران من تجنب العقوبات المالية التي تفرضها الدول الغربية.
لكن المسؤولين الأرمن يدحضون كل التقارير التي تتحدث عن علاقات مصرفية غير مشروعة مع إيران.
في حين أن عقوبات الأمم المتحدة لا تزال محدودة، وفي الواقع يوجد بنكان إيرانيان فقط على القائمة السوداء، إلا أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات أشدّ على إيران، ما أدّى إلى تقييد أنشطتها لأكثر من 10 بنوك وشركات تجارية إيرانيّة. لكنّ ارمينيا تقوم بعمليات تجارية بالتوقيع على معاملات لصالح إيران باليورو والدولار.
من جانبها حظرت الولايات المتحدة في عام 2008 على البنوك الأميركية العمل كوسطاء في نقل الأموال مع إيران. بين عامي 2010 و2012، أُعلن عن إجراءات انتقامية ضد الشركات الأجنبية التي تستثمر في قطاع النفط الإيراني، كما استهدف قطاع السيارات.
في الوقت الذي أصدر مجلس الخبراء التابع للأمم المتحدة عام 2021، والذي يشرف على تنفيذ العقوبات، مؤخرًا تقريرًا يشير إلى أنّ إيران تحاول إيجاد طرق للالتفاف على العقوبات ومنها أرمينيا.
أ
كد دبلوماسيّون من الأمم المتحدة أنّ الدولة المحددة في التقرير بأنها من يساعد إيران هي أرمينيا. اما الدبلوماسيون الغربيون فيقولون بأنّه وعلى الرغم من رفض أرمينيا، فإنّ إيران لا تتوقف عن محاولة زيادة وجودها في هُناك لتسهيل السيطرة المالية على بنوكها.
تتطلب تجارة إيران مع أرمينيا، بما في ذلك "خط أنابيب النفط" الذي ذكرت وسائل الإعلام الأرمينية تاريخ اكتماله في عام 2014 ، شكلاً من أشكال المعاملات المصرفية. وفقًا للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، يبلغ حجم التجارة الإيرانية السنوية مع أرمينيا مليار دولار.
لا يعتبر التعامل مع البنوك الإيرانية انتهاكًا للعقوبات الغربية، لطالما أن تلك الصفقات لا تتعلق ببرامج إيران النووية أو الصاروخية، أو تلك الشركات والأفراد الخاضعين لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
لقد صرحت إيران أن البرنامج النووي سلمي بحت ورفضت وقف تطويره. وتصرّ طهران على أن العقوبات غير قانونية. ومع ذلك، أوضحت واشنطن لحكومات العالم أن التجارة مع الشركات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأمريكية يمكن أن "تضع" تلك البلدان على القائمة السوداء للولايات المتحدة.
إ
يران والساحة الأرمنية للهروب من العقوبات
يشير تقرير استخباراتي غربي تمّ تسريبه لرويترز في أيار / مايو 2012 إلى أنّ إيران تبحث عن سبل "ملائمة" لتطوير علاقات مصرفية بديلة بعيدًا عن أعين الجواسيس وهيئات المراقبة الدولية. وتشير إلى أنّ أرمينيا هي واحدة من هذه الأهداف للتوجهات الإيرانية .
ويقول التقرير: "على مر السنين، عمل البنك المركزي الإيراني من خلال إنشاء وتطوير بنى تحتية مموهة، وبالتالي اكتساب الفرصة لمواصلة التجارة مع تلك البلدان الملائمة لأنشطة إيران، ولا سيما مع تركيا والإمارات العربية المتحدة".
كما يشير إلى أرمينيا ب "الضغط المتزايد على البنوك في بعض هذه البلدان أجبر الاقتصاديين في البنك المركزي الإيراني على البحث عن بدائل مالية في تلك البلدان التي لا تتصرف تحت إملاء الغرب".
بالإضافة إلى تركيا والإمارات العربية المتحدة، يقول دبلوماسيون إنّ إيران تحاول تطوير قنوات مالية حول العقوبات من خلال التركيز على دول مثل البرازيل وماليزيا والصين والهند، واستخدمت إيران البنوك العراقية لتحويل مبالغ ضخمة من السيولة إلى النظام المصرفي الدولي.
أ
ما أرمينيا، فقد ذكر تقرير الاستخبارات الغربية في عام 2012 أنّ بنك أرمينيا للتمويل الزراعي، صارَ هدفًا رئيسيًا لإيران، والذي يتعامل مع الأفراد والشركات بأصول بلغت 574 مليون دولار في العام الماضي)
كانت التجارة بين إيران أرمينيا في العام 2012تتطلب معاملات مصرفية عبر الحدود. بينما يؤكد نائب وزير الاقتصاد الأرمنيّ ناريك تريان، امام البرلمان خلال مناقشة آفاق تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية الأرمينية الإيرانية، أنّ حجم التبادل التجاري بين أرمينيا وإيران في عام 2022 زاد بنسبة 41% مقارنة بالعام الماضي.
لكنّ رئيس اتحاد البنوك في أرمينيا أشوت أوسيبيان ينفي علاقات أرمينيا المالية بايران، حيث يشدد منذ مدة طويلة بأن علاقة ACBA بإيران مستحيلة: "البنوك الأرمينية تمول الاقتصاد الأرمني فقط". كما نفى المدير التنفيذي للبنك ستيبان غيشيان بشدة الاتصال بإيران: "نحن نمول الاقتصاد الأرمني حصريًا ولا علاقة لنا بإيران. لم نكن ولن نصبح قناة لتمويل إيران".
أ
حد البنوك التي تثير قلق السلطات الغربية منذ فترة طويلة هو الفرع الأرميني لبنك ملات الإيراني، الذي يخضع لعقوبات أميركيّة منذ ذلك الحين. منذ عام 2007 لا يزال البنك يعمل في يريفان، على الرغم من أنّ أنشطته المحدودة.
وفقًا لنائب رئيس قسم البحوث المالية في البنك المركزي الأرمنيّ أراكيل مليكسيتيان، انخفضت أصول بنك ميلات بنسبة 50%. وأضاف أنّ البنك غير قادر حتى الآن على إجراء تحويلات مالية دولية.