انتهت "قمة العشرين" التي تضم 19 دولة إضافة للاتحاد الاوروبي، وتمثل 85 % من الناتج الاقتصادي العالمي و 75 % من التجارة العالمية، وثلثي سكان الأرض.
صدر عن هذه القمة بيان ختامي رحب بانضمام الاتحاد الافريقي إلى المجموعة، بعد أن تصاعدت المواقف قبل انعقاد المؤتمر الذي يضم دولا متناقضة سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا. طالبت الدول الغربية أن يحتوي البيان الختامي على إدانة قوية لروسيا في تعديها واحتلالها لأراض أوكرانية.
غير أنه ككل المؤتمرات الفضفاضة، تطرح الدول المشاركة السقف الأعلى من ناحيتها لتعود من خلال التوازنات فتقبل بالخيار المتاح كتسوية ممكنة. فـتضمن البيان الختامي لقادة المجموعة "الفقرة – التسوية" حيث "دعا جميع الدول للامتناع عن التهديد أو استخدام القوة سعيا للاستيلاء على الأراضي" من دون تسمية روسيا بالإسم. فأبدى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي انزعاجه من صيغة البيان الختامي، بينما لاقت هذه الصيغة ترحيب كل من واشنطن وموسكو.
أدار رئيس وزراء الهند نارندرا مودي بكفاءة سير أعمال مؤتمر مجموعة العشرين، بما فيه تدخله المباشر لإجراء التسويات بين الدول المشاركة ومنها البيان الختامي. بيد أن بصمات الهند الفعالة المؤدية إلى بعض النجاحات وخروج المؤتمر بقرارات مهمة، ترافقت أيضا مع بعض الإخفاقات والخروج عن مقررات مؤتمر دول "البريكس" الأخير الذي انعقد في جوهانسبرغ في شهر آب المنصرم. (رغم أنّ الهند هي ضمن دول بريكس أيضا).
ففي مؤتمر "البريكس" لم يتطرق البيان الختامي إلى الحرب في أوكرانيا رغبة في عدم إحراج روسيا من ناحية ولأن الصين ما زالت ترغب بتسويق مبادرتها حول أوكرانيا. في حين أنّ مؤتمر الدول العشرين تولى شجب استعمال القوة والتهديد بها لاحتلال أراضي الدول المجاورة مما يعكس اختلاف التوازنات في كل من مؤتمر البريكس ومؤتمر العشرين الكبار .
خلال مؤتمر البريكس، وبحضور نارندرا مودي، طُرحت الإشادة بالدور التنموي للصين ومبادراتها سيما منها الحزام والطريق، بينما في مؤتمر العشرين طرح الرئيس مودي "الممر الاقتصادي الجديد" الذي يربط الهند بموانئ الإمارات والسعودية وصولا إلى أوروبا الجنوبية. واذا كانت الصين تركز على مرور خطوط مواصلاتها عبر دول آسيا الوسطى (أوزبكستان وطاجكستان وأذربيجان وصولا إلى تركيا) وتخطط أيضا لنقل إمداداتها عبر شمالي باكستان وصولا إلى جنوبها على الخليج العربي، تعمّد نارندرا مودي بالمقابل تقويض اتجاهات "البريكس" وطرح ممر اقتصادي جديد بديل بسبب العداوات التقليدية مع الصين حول الاراضي والحدود المتنازع عليها في جبال هيمالايا.
أثناء اجتماعات دول "البريكس"، طرح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف التخلي عن صندوق النقد الدولي والتركيز على التعامل مع "بنك التنمية في شنغهاي" كما التخلي عن منظمة التجارة العالمية والامتناع عن استعمال الدولار والاتفاق على عملة موحدة بديلة تعتمدها دول المجموعة. أما في مؤتمر العشرين فبادر لافروف إلى تعديل طلباته السابقة واكتفى فقط بطلب "إجراء إصلاحات في صندوق النقد الدولي وإصلاحات في منظمة التجارة الدولية".
اكتفى مؤتمر "البريكس" في جوهانسبرغ بطرح نقتطين أساسيتين: الأولى، بشأن اعتماد عملة موحدة، والثانية حول النظر بانضمام أعضاء جدد، فأتت قراراته مقتضبة تتعلق بهاتين الناحيتين. غير أن دول البريكس المشاركة في مؤتمر نيودلهي الأخير ناقشت مجموعة نقاط تتعلق بالمناخ والبيئة والطاقة البديلة، وتم التطرق إلى التضخم وسبل معالجته وطرق النمو الاقتصادي ووسائل التبادل التجاري.
طرحت الهند - إحدى دول البريكس - الممر الاقتصادي الجديد في قمة العشرين حيث تمت توسعة مروحة التفاصيل لتطال إلى جانب النقل بين الموانئ البحرية، الكابلات البحرية الناقلة لوسائل الاتصالات الحديثة والإنترنت وربط أوروبا بالخليج ومنه بالهند والشرق الأقصى. في المقابل، تجد الصين ـ إحدى دول البريكس ـ ذاتها مكبلة اليدين في تسويق منتوجات هواوي لا سيما بعد اعتبار الغرب لها بأنها أداة تجسس على المواطنين والمشتركين كما على المؤسسات العامة.
يستبعد المشروع الهندي للممر الاقتصادي الجديد كلاً من سوريا ولبنان المنخرطين في محور الممانعة واللذين يعانيان من العزلة الدولية، مثلهما مثل قطاع غزة المحكوم بالاحتلال الإيراني المتمثل هناك بسيطرة حماس والجهاد، وفي لبنان باحتلال حزب الله للبلاد. ويعول الطرح الهندي على مرور الممر الجديد بالأردن ومنه الى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
غياب لبنان عن المشهدية بسبب خنوعه للسيطرة الإيرانية لا يبرره النحيب والتساؤل عن دور لبنان السابق، وعن دور مرفأ بيروت التقليدي والبكاء على الأطلال ما دام حزب الله يمنع حتى التحقيق بانفجار المرفأ. فطهران ومعها الضاحية الجنوبية، طالبت لبنان بالتوجه شرقا نحو بكين وموسكو، وتولت وسائل الإعلام الموالية لهذا المحور بالتهليل والتصفيق لقبول مجموعة دول البريكس بعضوية إيران، إلا ان غياب الرئيس الصيني شيبينغ نفسه كما غياب الرئيس الروسي بوتين ذاته عن حضور مؤتمر العشرين لعدم المواجهة مع الدول الغربية ومع الهند، يدل على مدى حاجة الصين وروسيا للتنسيق بشكل أو بآخر مع الغرب.
من الدلالات الهامة ان دول البريكس المشاركة في قمة العشرين في نيودلهي هي في وادي، في حين أن إيران وسوريا وحزب الله في غياهب وادٍ آخر للنسيان.