عاد النقاش الحاد بين الأوساط السياسية والإعلامية حول موقع لبنان ودوره في معركة طوفان الأقصى وإمكانية إنجرار لبنان الى هذه الحرب القاسية في فلسطين، فالجهات الرسمية اللبنانية تتعرض لضغوط قوية من اميركا وفرنسا وجهات أوروبية ودولية لمنع حزب الله من الإنجرار الى الحرب ومن أجل الحفاظ على الاستقرار والهدوء في الجبهة الجنوبية، في حين أن هناك أطرافا فلسطينية وجهات إسلامية وقوى مقاومة تدعو للمشاركة في الحرب وفتح الجبهة على مصراعيها نصرة لغزة وفلسطين والمقاومة ، وعدم ترك قطاع غزة تحت رحمة الهمجية الإسرائيلية واستمرار مسلسل التدمير والقتل والتهجير.
ومن الواضح أن حزب الله ودوره في هذه المعركة يعتبر النقطة الأبرز في هذا النقاش، إضافة الى التخوف من قيام منظمات فلسطينية وجماعات إسلامية بالمشاركة في الحرب عبر الجبهة الجنوبية لا سيما بعد إعلان كل من سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي وكتائب القسام التابعة لحركة حماس عن تبنيهما لعمليات عسكرية عبر الحدود اللبنانية .
على صعيد حزب الله ورغم إعلانه عدم الوقوف على الحياد في الصراع الدائر في قطاع غزة وفلسطين وتنفيذه لبعض عمليات القصف للمواقع الإسرائيلية في مزارع شبعا وفي بعض المناطق الحدودية، فإن قيادة الحزب تتصرف بعقلانية عالية وبدقة متناهية في مواكبة التطورات، فمن ناحية يعمل الحزب لإبقاء أجواء التوتر والقلق في مواجهة العدو الصهيوني وعدم إعطاء ضمانات بعدم فتح الجبهة، فإن ما يقوم به من عمليات بقي، حتى كتابة هذه السطور، ضمن حدود معينة بحيث لا تؤدي الى فتح الجبهة بشكل واسع، وفي الوقت نفسه يؤكد الحزب أنه لا يمكن له أن يقف في وجهة أي مجموعة أو قوة مقاومة تريد مواجهة العدو الصهيوني عبر الحدود اللبنانية .
لكن هل تبقى الأوضاع تحت السيطرة؟ او هل يتحول لبنان الى ساحة مواجهة واسعة؟ وماذا عن مواقف الفريق المعارض لإدخال لبنان في هذا الصراع ؟
حتى الآن لا تزال الأوضاع مضبوطة رغم سقوط عدد من الشهداء المدنيين وـحد الإعلاميين وحوالي أحد عشر مقاومًا وتدمير العديد من المواقع والمنازل، وفي المقابل لا يزال العدو الصهيوني حريصًا على ضبط إيقاع ردود الفعل رغم سقوط العديد من جنوده والمستوطنين بين القتلى، فالعدو الإسرائيلي لا يريد فتح جبهة ثانية الى جانب جبهة غزة، كما أن الأميركيين والعديد من القوى الإقليمية والدولية تسعى لمنع تحول معركة طوفان الأقصى الى حرب اقليمية.
وفي المقابل، فإن التهديدات مستمرة بأن استمرار معركة قطاع غزة وتنفيذ عملية برية وتهجير أبناء قطاع غزة ذلك سيجر المنطقة الى حرب واسعة، وكان ذلك واضحًا على لسان وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان في خلال زيارته لبنان ودول المنطقة وكذلك من خلال مواقف العديد من قوى المقاومة والخوف الأكبر أن تتدحرج الأوضاع الى مواجهة واسعة بسبب التطورات الميدانية، وبذلك لا تعود المواقف اللبنانية المعارضة لمشاركة لبنان في الحرب قادرة على مواجهة ما يجري وتصبح المواجهة شاملة في كل المنطقة.
والملفت أن الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رغم معارضته لإشراك لبنان في الحرب فإنه أعلن عن دعمه لقوى المقاومة وحزب الله كما أن الحزب التقدمي وأنصاره بدأوا الاستعداد لكل الاحتمالات ومنها التحضير لاستضافة العائلات النازحة، كما أن العديد من القيادات الإسلامية والقوى السنية بدأت تدعو صراحة للمشاركة في الحرب دفاعا عن غزة في حين أن معظم الأطراف المسيحية تعبر عن اعتراضها على المشاركة في الحرب وتوريط لبنان في هذه المعركة حسب توصيفها .
لكن من يتابع المجريات المحلية والإقليمية والدولية وفي ظل استمرار الحرب في قطاع غزة فإن تحييد لبنان عن الصراع سيكون صعبًا وستتدحرج الأوضاع ولن تبقى جبهة الجنوب هادئة وليس على اللبنانيين اليوم سوى الاستعداد لكل الإحتمالات أو المشاركة في الضغوط الإقليمية والعربية والدولية لوقف الحرب في قطاع غزة فينجو لبنان والمنطقة من حرب إقليمية واسعة.