نقلت رويترز عن 3 مسؤولين بينهم إيرانيون وأعضاء بحماس أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي أبلغ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في خلال لقائه هذا الشهر أنه يريد منه "إسكات الأصوات التي تريد جر إيران وحزب الله للمشاركة بالحرب"، وأضاف المرشد (بحسب رويترز) أنه "لن يشارك حماس بالحرب لأنها لم تبلغه بها".
إن صحت نوايا هذه الادعاءات أو لم تصح، لكنّ هذا التسريب فيه رسالة واضحة إلى أنّ طهران قد تضحي بحماس ولكنها لن تضحي أبدًا بالنظام في إيران أو بحزب الله في لبنان أقله حاليًا.
لكن هل ما تريده طهران "البراغمايتة" سيتحقق إذا تخطى "الإشغال" الخطوط الحمراء بالنسبة لإسرائيل. فالخوف كبير في لبنان من الإنزلاق خلف خطوط الاشتباك المرسومة، وهنا الإشكالية الأبرز.
قبل أيام جُرح ما يقارب الـ 20 إسرائيليًا عند الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان. لو قُتل هؤلاء، هل كانت إسرائيل (التي لا تريد الحرب حاليا مع لبنان) لتسكت؟! أم أنها كانت لتجرّ بدورها إلى حرب في الجبهة الشمالية لأسباب إسرائيلية داخلية لا يحتملها نتنياهو بعد 7 أكتوبر؟!
بأقل من أسبوع، ظهر زعيم حزب الله حسن نصر الله مرتين. وفي هاتين المرتين شدد على أنّ دور حزب الله في حرب غزة يقتصر على إشغال إسرائيل بجبهتها الشمالية وتشتيت قواتها عن التركيز على جبهة غزة.
لكنّ السؤال: هل هذه الاستراتيجية ستبعد لبنان عن شبح الحرب؟
فبعد سكوت طويل غير مبرر لا من حيث طبيعة حزب الله ولا حتى من حيث ما يتعرض له فصيل أساسي من فصائل محور الممانعة، ألقى نصر الله خطابا لاقى عدم الارتياح لدى اللبنانيين لانه فتح الباب على الحرب وفق مبدأ "قدمٌ في الحرب وقدمٌ في اللا حرب". انتقدت الأحزاب الفلسطينية تراجع نصر الله عن إعلان الحرب على اسرائيل وعن البدء بعمليات نوعية عسكرية لمؤازرة حماس في القطاع. اعتبرت حماس والفصائل أنه أخلّ بمبدأ "وحدة الساحات".
في خطابيه الاثنين، استعرض نصر الله أوضاع فلسطين قبل عملية طوفان الاقصى، متوقفا عند الأسباب التي أدت الى العملية المذكورة. اعتبر هذه الأسباب موجبة للحرب وقال إنها "شرعية مقدسة ودينية وإنسانية وأخلاقية". لكن طيلة ساعة ونصف من الكلام (في كل من الخطابين) لم يستمع المشاهد إلى مقاربة سياسية ولو بسيطة لكيفية نجاح عملية "طوفان الاقصى" بنقل الفلسطينيين من وضعهم السيئ سابقا إلى حال أفضل بعد العملية.
حاول نصر الله الظهور كقائد "محور الممانعة" متحدثا باسم جميع فصائلها مباركا تحرك "الحشد الشعبي" في العراق وسوريا ضد القواعد الأميركية، ومثنيا على تضامن الحوثي في اليمن. لكنه من ناحية أخرى يناقض ظهوره بمظهر قائد الممانعة عندما ينفي علمه ومعرفة طهران بتوقيت العملية. أراد بذلك تحييد حزب الله عن العملية خوفا من تداعيات تبنّيها وترك حماس تنهزم بمفردها.
استنجد الأمين العام للحزب بما سماه "الغموض البنّاء الايجابي" للإيحاء بأن الاحتمالات كلها تبقى مفتوحة على كل الخيارات. شبّه ما يجري في غزة حاليا بما جرى في حرب تموز في لبنان عام 2006، معتبرا أن الأهداف الإسرائيلية لن تتحقق "وفيها الكثير من الغباء" مرددا أن تل ابيب "لم تتعلم من تجاربها" بينما من المفترض والمنطقي أن تكون قوى المقاومة في لبنان قد تعلمت من تجاربها في حروبها المدمرة التي أضعفت لبنان العاجز اليوم عن دفع أثمان "مغامرات" حزب الله وإيران. نصر الله بعد حرب تموز المدمرة قال "لو كنت اعلم"، واليوم يقول إنه مستعد لتكرار ذلك؟! لكنه اليوم يعلم!
ألم يحن الوقت لأن تدرك "قوى الممانعة" أنه إذا كانت الأهداف الإسرائيلية صعبة التحقيق، فإن "رمي إسرائيل بالبحر" بات مستحيلا. ألم يسمع منظمو مهرجان "الشهداء على طريق القدس" خروج النساء من باحة عشوراء وهن يرددن عبارة " الحمد لله، الحمد لله، نجونا ونجت عائلاتنا". العبارة التي تدل على أن بيئة حزب الله نفسها لا تريد دخول الحرب.
ردد نصر الله أن "إسرائيل سترتكب أكبر حماقة بتاريخها في حال قررت شن هجوم على لبنان وقال "يجب أن نكون جميعا جاهزين لكل الاحتمالات والفرضيات المقبلة" لكن إذا "لم يكن يعلم" نصر الله في حرب تموز"، ألا يعلم اليوم؟
وهل "الحماقة التاريخية" مرتبطة فقط باسرائيل أم تشمل أيضا من ينفذ الأجندة الإيرانية التي دمرت قطاع غزة بالتعاون مع إسرائيل والتي ربما أيضا ستحرق لبنان مرة جديدة.
جربت المقاومة الفلسطينة قبل حزب الله وقبل إيران جميع أنواع العمل المسلح من عمليات على شواطئ فلسطين وعملية مطار اللد وعنتابي وجربت التسلل إلى المستوطنات وحجز مستوطنين وخطف طائرات ووزراء وتفجير عبوات في فلسطين وأنحاء العالم. وبعدها وصلت المقاومة الفلسطينية إلى قناعة بأن الكفاح المسلح لم يأت بنتائج. ما أوصلها إلى رام الله وإلى قطاع غزة هو العمل الدبلوماسي وليس العسكري. ومن أدخل منظمة التحرير إلى الضفة والقطاع هو الاتفاقيات التي جرت في كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو وغيرها وليس أبدا السلاح. فما تردده طهران حول عدم جدوى العمل الدبلوماسي تسقطه الوقائع على الأرض وجوابه: وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
استراتيجية نصر الله بـ “إشغال العدو" جنوب لبنان قد ينزلق عن خطوط الاشتباك وقواعدها بلحظة، وسيقود لحرب واسعة مع إسرائيل. وعلى نصر الله أن يعلم ذلك، كما كل اللبنانيين! يبقى الحل نصرة فلسطين سياسيا ودبلوماسيا، والابتعاد عن مسرحية الحل العسكري التي قد تتحول إلى حقيقة بـ “لحظة".