ما إن اشتعلت شرارة المعارك بين حماس واسرائيل على أرض غزة حتى حجبت الاهتمام عن الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا، قبل أن تصعّد الأخيرة وتيرة هجماتها مجدداً على العاصمة الأوكرانية عبر مسيرات أطلقتها لليلتين متتاليتين، بعد توقف دام اثنين وخمسين يوماً وتعيد توجيه الأنظار إلى ما يحدث في المقلب الآخر من الكرة الأرضية.
وأظهرت حرب غزة تفاوتاً واضحاً بين ما نالته الدولة السوفياتية سابقاً من دعم عسكري غربي لمواجهة روسيا، وما حصلت عليه الدولة الشرق أوسطية وتحديداً من الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا من دعم، حيث أرسلت أساطيل بحرية إلى شواطئ اسرائيل بغية درء خطر أي اعتداء قد يطالها من دول الجوار أو حتى من إيران أو عن طريق الحوثيين، فيما لم تشهد موانئ أوكرانيا أمراً مماثلاً على مدة سنة ونيف من المواجهات العسكرية.
من جهة ثانية، أرسى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، موازين قوى مختلفة وغير محصورة بطرفي نزاع كما يحدث في أوروبا الشرقية بحيث وضع دولاً كبرى وفي مقدمتها إيران والصين وروسيا، بمواجهة مع الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة.
أولويات غربية
الدعم الغربي واسع النطاق لإسرائيل يرتبط بالأولويات، كما يشير مؤسس أكاديمية الأوراس للدراسات الإستراتيجية أوراغ رمضان لـ"جسور" مؤكداً أن حشد الأساطيل في المتوسط "يدخل ضمن الحسابات الاستراتيجية للولايات المتحدة على وجه الخصوص".
ويضيف "إن دعم اسرائيل مسألة مقدسة لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي وذا خلفية تاريخية بالتالي من غير المتوقع أن تحصل أوكرانيا على المستوى ذاته من الاهتمام الأميركي، في ظل استحالة توزيع دعم الولايات المتحدة على أكثر من جبهة في آن واحد" لافتاً إلى أن "المعارضة ممثّلة بالجمهوريين حالياً تتربص بالديمقراطيين حيث أن أي خطأ في المعادلة من شأنه إسقاط بايدن والديمقراطيين في الاستحقاق الرئاسي العام المقبل".
ثلاثة أهداف خلف التصعيد الروسي
في المقابل، يؤكد رمضان أن وتيرة الحرب في أوكرانيا تزايدت خلال أسبوعين كاملين "بدأنا نسمع صفارات الانذار في العاصمة وفي مناطق أخرى كما أن روسيا ترسل صواريخ ومسيرات وتحاول أن تستهدف البنى التحتية سواء المدنية أو المرتبطة بالآلة العسكرية وكذلك البنى التحتية الاستراتيجية".
ويربط توقيت إعادة تفعيل التصعيد في أوكرانيا برغبة روسيا في "استغلال أزمة غزة وانصراف الاهتمام الغربي وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية عن أوكرانيا عبر دعم اسرائيل، للبدء في هجوم معاكس".
وفند حسابات روسيا الثلاث “من جهة تسعى للحصول على أكبر عدد من الأرصدة التفاوضية، ومن جهة أخرى تريد السيطرة على إقليم أوديسا لتقويض الاقتصاد الأوكراني ورفع تكلفة تصدير الحبوب إلى الأسواق العالمية عبر قطع الملاحة البحرية".
وثالثاً، يتابع رمضان قائلاً "تريد روسيا قطع الطريق على الدعم اللوجستي العسكري لأوكرانيا عن طريق البحر الأسود والموانئ الاوكرانية باعتبار أن الدعم البري أكثر تكلفة على الغرب وبات يخضع لرحمة روسيا وأجهزة الرصد خاصتها فيما الدعم عن طريق البحر مفاجئ ويمكن أن يتم من خلال الغواصات أو المسيّرات البحرية أو غيرها".
كسر الأحادية الأميركية
بالعودة إلى الحرب القائمة في الشرق الأوسط، يشير رمضان إلى أن عملية خلط أوراق لكسر أحادية الولايات المتحدة، بدأت تتبلور "هناك تقارير وتسريبات تؤكد ضلوع روسيا وإيران والصين في تحريك جبهة الشرق الأوسط باعتبار أن خسارة الولايات المتحدة مكسب للمشروع الصيني والروسي في المنطقة ويمنحها أوراق ضغط دبلوماسية لصالحهما".
الدور التركي
يتحدث رمضان أيضاً عن دخول تركيا كلاعب منفرد إلى المنافسة مع إيران في أزمة الشرق الأوسط "كلاهما يسعى إلى استغلال الأزمة الفلسطينية وتوظيفها في حسابات سياسية داخلية".
ويكشف عن وجود ازدواجية معايير لدى أردوغان "رأينا خطاب اردوغان الموجه بلهجة قوية لكننا نعلم أنه يقدم الوقود لاسرائيل وهذا الوقود يذهب مباشرة إلى الدبابات والمدفعية والشاحنات التي تسحق وتقتل الفلسطينيين".
أما إيران، يضيف رمضان "فتقوم بمقايضة الورقة الحوثية بالورقة الفلسطينية من أجل حسابات خاصة مع الولايات المتحدة والغرب" معرباً عن أسفه لما يحصل للشعب الفلسطيني "الخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني للأسف الشديد".
لا يزال الغموض يلف مصير حربي العقد الثالث من الألفية الثالثة، فيما تتخبط معظم دول العالم بمشاكل اقتصادية جراء أزمة الغاز والمحروقات والقمح.