رياح التغيير تهب على ثاني أقدم النقابات المهنيّة في مصر إثر فوز كاسح أشبه بالزلزال لتيار الاستقلال النقابي في انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين المصريين التي أعلنت نتائجها في الساعات الأولى ليوم السبت.
فلأول مرة في تاريخ النقابة حسم صحافي ينتمي للمعارضة هو خالد البلشي مقعد النقيب لصالحه. بل هي أيضًا المرة الأولى في تاريخ نقابة الصحافيين المصريين منذ تأسيسها عام 1941 التي يتولى فيها منصب النقيب صحافي يترأس تحرير موقع محجوب، إذ يشغل البلشي رئاسة تحرير موقع "درب" الإلكتروني التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي المحسوب على المعارضة وهو واحد من عشرات المواقع التي طالها الحجب داخل مصر عام 2020.
منافسة محتدمة
معركة الفوز بمقعد النقيب شهدت منافسة مشتعلة حتى الدقائق الأخيرة قبل أن تحسم لصالح البلشي بفارق يزيد عن مائتي صوت أمام منافسه خالد ميري رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" المملوكة للدولة والذي تلقى دعمًا إعلاميًا واضحًا من وسائل شبه رسمية تجاهلت في الوقت ذاته منافسه المعارض.
لكن الأمر لم يتوقف عند منصب النقيب بل تمكن 4 مرشحين من نفس تيار الاستقلال الفوز بعضوية مجلس النقابة من أصل 6 مقاعد جرى التنافس عليها.
وسبق للنقيب الجديد خالد البلشي أن خضع للتحقيق العام الماضي بتهمة "نشر أخبار كاذبة" بعد تقديم بلاغات ضده بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وأخلت النيابة سبيله بعد التحقيق. وهي تهمة تقول منظمات حقوقية إنها "تستخدم لاستهداف منتقدي سياسات الحكومة من الصحافيين وغيرهم".
بالمقابل تنفي الحكومة المصرية وجود سجناء رأي وتقول إن الصحافيين المتواجدين في السجن "تحوم حولهم تهم في قضايا جنائية".
وفي أول تصريح له عقب فوزه بمقعد النقيب قال خالد البلشي إن "نقابة الصحافيين ستعود قوية وبيتا لكل الصحافيين وسيتم خلال الفترة المقبلة العمل على حل ملفات مغلقة منذ سنوات وعلى رأسها ملف الحريات".
ماذا عن الدعم؟
ورغم كون نقابة الصحافيين المصريين نقابة مستقلة تقوم بالدفاع عن حقوق الصحافيين المصريين في ممارسة عملهم المهني وفي التعبير عن آراء ومطالب الشعب إلا أنها تعتمد على دعم مالي تقدمه الدولة لتمويل ما يطلق عليه "بدل التدريب والتكنولوجيا" الذي يتقاضاه أعضاء النقابة شهريًا وكذلك دعم لدفع المعاشات والعلاج يقدر سنويًا بنحو 480 مليون جنيه ( نحو 15.5 مليون دولار) الأمر الذي رجح كفة مرشحي الصحف الحكومية في انتخابات سابقة عدّة.
وتتباين ردود أفعال الجماعة الصحافية إزاء دلالات هذا الفوز الكاسح لمرشحي تيار الاستقلال النقابي في مواجهة مرشحي الدولة في أهم نقابة مهنية ترتبط بالرأي العام إذ يرى فريق أن النتائج بمثابة "رسالة للسلطة السياسية" لتحسين أوضاع الصحافيين الذين يعانون ضيق العيش مثل قطاعات واسعة من الشعب المصري فضلاً عن غياب الحريات الصحافية".
بينما يرى فريق آخر أن نجاح "صحافي معارض" في أهم نقابات مصر هو أمر يحسب لصالح الدولة ودليل على عدم تدخلها في شؤون نقابة الصحافيين.
قضايا ساخنة منتظرة
وحول اولويات عمل مجلس النقابة الجديد بأغلبيته المعارضة يقول الصحافي هشام يونس أحد الفائزين المستقلين: "هناك قضايا ساخنة تواجه مجلس نقابة الصحافيين المنتخب على رأسها تدهور الأحوال المهنيّة والمادية للصحافيين والإفراج عن بعض الصحافيين المحبوسين احتياطيًا على خلفية قضايا تتعلق بالنشر"
ووفق تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" تحتل مصر المرتبة 168 من أصل 180 في قائمة حرية الصحافة للمنظمة عام 2022.
وخلال الأشهر الماضية أفرجت لجنة العفو الرئاسي في مصر عن مئات المحبوسين احتياطيًا كان من بينهم عدد من الصحافيين.
ويعود تأسيس نقابة الصحافيين المصريين إلى عام 1941 أثناء عهد الملك فاروق ما يجعلها ثاني أقدم النقابات المهنية في مصر بعد نقابة المحامين.
وعلى مدى تاريخها الممتد لنحو 82 عامًا خاضت نقابة الصحافيين معارك مهنية وثقت أوضاع حرية الصحافة والصحافيين والحريات العامة في حقب الحكم المختلفة في البلاد.
ولعل أبرز مواقفها في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك إسقاط قانون الصحافة رقم 93 لعام 1995 الذي ألغى الضمانة المقررة للصحافيين بعدم جواز حبسهم احتياطيا.
فوز سابق
ولا يعد فوز تيار الاستقلال في انتخابات نقابة الصحافيين الأول من نوعه على مستوى النقابات المهنية في مصر إذ سبقه في مارس/آذار العام الماضي فوز مرشح ينتمي للتيار الناصري هو المهندس طارق النبراوي بمقعد نقيب المهندسين متفوقًا على منافسه نقيب المهندسين السابق هاني ضاحي الذي كان وزيرًا للنقل والمواصلات في الحكومة بين عامي 2014 و2015.