في تحدّ واضح لإرادة الشارع العراقي الرافض للتعديل الثالث لقانون الانتخابات، أقرّ البرلمان، تعديلا لقانون الانتخابات البرلمانية، الذي يشكّل عودة إلى القانون الذي كان قائماً قبل احتجاجات "ثورة تشرين" التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر 2019، مثيرا غضب الأحزاب المستقلّة والصغيرة التي ترى أنه يخدم مصالح الأحزاب الكبرى، فضلاً عن الجماهير التي تدفّقت من مختلف المحافظات إلى جوار "البرلمان" معبّرين عن رفضهم.
ويهدف تمرير قانون الانتخابات العراقية وفق نظام "سانت ليغو" الى تثبيت المحاصصة السياسية وعودة الزعماء السياسيين الى الواجهة كما يوضح خبراء لـ "جسور"، ويفتح الباب مجدداً لعودة الزعامات الى المشهد الانتخابي، بعد تغيبها في الانتخابات الأخيرة التي جرت على أساس الدوائر المتعدّدة.
تعزيز الزعامات السياسية
ويعتقد رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت، الدكتور غالب الدعمي، أنّ القانون يعزّز التزوير وسيطرة القوى الفاعلة، التي ليس بالضرورة أن تكون مهيمنة على المشهد السياسي الحالي، ويشرح في اتصال مع "جسور"، أنّ هناك عوامل عدة تدخل في هذا السياق، ففي حال مشاركة التيار الصدري، فمن المؤكّد أن فاعلية تلك القوى ستضعف وفق الدعمي".
ويبيّن أنه إذا اجتمعت القوى الناشئة واستطاعت تحريك الجمهور للمشاركة في الانتخابات المقبلة، فالقوى الفاعلة ستخسر بشكل كبير كون الذين لا يشتركون في الانتخابات هم في الغالب ضد الأحزاب الحالية.
ويوضح الدعمي أنّ قانون الانتخابات الجديد، فيه فقرات واضحة تعزّز تواجد الزعامات السياسية في المشهد الانتخابي والبرلماني، فهذا القانون يعطي قوة أكبر للقوى السياسية الكبيرة وزعاماتها، وحتى البدلاء لن يكونوا بحسب الأصوات، بل باختيار زعيم الكتلة، وهذا الأمر ربما أيضا يفتح باباً للتزوير باعتماد العد اليدوي.
فساد ومحاصصة
بدوره، قال رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، الدكتور إحسان الشمري، إنّ "سانت ليغو" جاء كجزء أساس من الاتفاقيات الأساسية ما بين الإطار التنسيقي من جهة، وما بين تحالف السيادة السنيّ وأيضا القوى الكردية، لا سيما وأن الإطار كان أكبر المتضررين من قانون الدوائر المتعدّدة وفق الفائز الأكبر، لذلك صمّم بعد نكسته في انتخابات العام 2021 على المضي باتجاه تعديل قانون الانتخابات، لهذا أدرج ضمن اتفاقيات القوى السياسية التي صوّت عليها البرلمان.
ويرى الشمري في حديث لـ "جسور"، أنّ هذا القانون بما لا يقبل الشكّ يقوّض من المشاركة السياسية، وبالتالي يعيد إنتاج الفشل والفساد والمحاصصة كون المنظومة السياسية تعاطت مع هذا القانون الانتخابي منذ أول انتخابات وإلى وقت قريب.
ويعتقد الشمري، أنّ عودة هذا القانون لا تمثّل بارقة أمل للمواطن العراقي، بل على العكس سيشعر الشارع العراقي بنوع من الإحباط نتيجة استخدام الطبقة السياسية آليات قانونية لهيمنتها على السلطة ومقدرات الدولة بشكل كامل.
قانون فاشل
النقاش حول "سانت ليغو" أعاد الاحتقان إلى الشارع العراقي، بعد خروج تظاهرات رافضة لصيغة مشروع القانون المقترح في العديد من المحافظات، فالقانون الجديد بحسب المعارضين يخدم في صيغته الحالية الكتل السياسية الكبيرة، وهو ما دفع إلى رفضه من قبل "احتجاجات تشرين" يقول مناف الموسوي مدير مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، ويضيف أن "سانت ليغو" بصيغته العراقية لا يعبّر عن رغبة الناخبين الحقيقية "وتضيع معه القيمة الأساسية للآلية الديمقراطية".
ويقول الموسوي تدوير الأصوات في القائمة الانتخابية يفضي إلى وصول شخصيات إلى البرلمان لم تحصل على أصوات كافية"، مردفاً أنه أدى خلال تجربته سابقاً في العراق إلى العزوف عن صناديق الاقتراع وتسبّبت في أزمة ثقة بين الناخب والعملية اللانتخابية على حد تعبيره.
وفي معرض رده عن النقطة المتعلقة بتشتيت الأصوات لدى مؤيدي عودة القانون، قال الموسوي: "إن المطالبة بعودة القانون يمثل صراعاً واضحاً بين الإرادة الحزبية التي تمثلها الكتل السياسية الكبيرة التي فشلت في إدارة البلاد وبين إرادة شعبية تريد تعزيز الديمقراطية وتريد الحفاظ على صوت الناخبين وإيصال ما يريده الناخب إلى قبة البرلمان".
ويرفض المحتجون إعادة العمل بمجالس المحافظات التي ألغيت على إثر احتجاجات شعبية عارمة في العراق في عام 2019، أدت إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى.
وينصّ القانون على العودة إلى العمل بنظام "سانت ليغو" الانتخابي المعدّل وفق قاسم انتخابي بنسبة 1.9، والذي سيعود بالعراق إلى العمل بنظام دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة، وإلغاء صيغة الدوائر المتعددة المعتمدة في القانون الحالي.