ذهب ابني لزيارة ابن عمه. اتصلت به بعد وقت قصير من مغادرته... أجاب، قائلاً إنه كان عند نقطة تفتيش وأن بعض الرجال في الزي العسكري كانوا يتفقدونه، وأنه سيعاود الإتصال بي بعد ذلك مباشرة. لم يفعل أبدا. ومنذ ذلك الحين، بحثت عنه في كل مكان، في جميع السجون، مع جميع السلطات. لكن لا شيء، لا شيء، لا شيء".
صرخة وجع أطلقتها أم عراقية، في وقت كشفت تقارير عن رقم صادم لحالات الاختفاء القسري في العراق وصل إلى حوالي مليون شخص اختفوا في البلاد على مدى نصف القرن الماضي المضطرب والممتد من حكم صدام حسين وصولاً إلى ظهور تنظيم داعش وما بعده.
وإذ تحول العراق إلى واحد من الدول التي تضم العدد الأكبر من المفقودين في العالم حثت اللجنة الأممية العراقية على البحث عن الضحايا ومعاقبة الجناة، حيث أفاد تقرير اللجنة بأن عدم تحديد الاختفاء القسري كجريمة في القانون العراقي يقف حائلاً أمام ذلك.
وجاء في التقرير أن "لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري حثت العراق على وضع الأساس فوراً لمنع هذه الجريمة النكراء والقضاء عليها ومعالجتها".
خمس موجات
عرف العراق خمس موجات من الاختفاء القسري، حيث ذكرت لجنة الأمم المتحدة في التقرير أن حوالي 290 ألف شخص، بينهم نحو 100 ألف كردي، اختفوا قسراً في "حملة الإبادة الجماعية" في إقليم كردستان بين عامي 1968 و2003.
وأشارت اللجنة أن العراق شهد بعد الغزو الأميركي عام 2003، اعتقال ما لا يقل عن 200 ألف عراقي، احتُجز نصفهم تقريباً في سجون تحت إدارة الولايات المتحدة أو بريطانيا.
وأضافت "ثمة أقاويل بأن المعتقلين جرى القبض عليهم من دون أمر قضائي لتورطهم في عمليات تمرد، بينما كان آخرون من 'المدنيين الذين تواجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ".
كذلك، تزامنت موجة جديدة من عمليات الاختطاف مع إعلان تنظيم داعش قيام دولة الخلافة على جزء من أراضي العراق بين عامي 2014 و2017.
لتتزامن المرحلة الخامسة مع انطلاق احتجاجات 2018-2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية.
وأفادت اللجنة بأن "الأنماط الأخرى المستمرة تشمل مزاعم بالاختفاء القسري للأطفال، وخصوصاً الإيزيديين منهم الذين ولدوا بعد تعرض أمهاتهم للاعتداء الجنسي في مخيمات تنظيم داعش" .
تدابير ومعالجة
انطلاقاً من هذا الواقع، حثت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، العراق على وضع الأسس لمنع هذه الجريمة البشعة وإدراج حالات الاختفاء القسري كجريمة منفصلة في التشريعات الوطنية بشكل فوري حتى يمكن محاكمتها على هذا النحو، كما دعته إلى وضع استراتيجية شاملة للبحث والتحقيق في جميع حالات الاختفاء.
وجاء ذلك في بيان للجنة عقب نشر تقريرها الكامل للزيارة التي قامت بها إلى العراق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كذلك دعت اللجنة العراق الى انشاء فريق عمل مستقل للتدقيق بشكل منهجي في سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المحتجزين، وتسجيل جميع المحتجزين وإبلاغ أقاربهم بأماكن وجودهم. وأوصت اللجنة بإنشاء لجنة تقصي حقائق مستقلة لمعالجة الادعاءات بشأن إدارتها لأماكن الاحتجاز السرية، التي ينفي العراق وجودها.
كما طالبته باتخاذ تدابير تشريعية وقضائية لضمان اعتبار أي فرد تعرض لضرر كنتيجة مباشرة للاختفاء، ضحية على النحو الرسمي ويحق له التمتع بالحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
وشددت اللجنة على أن أبعاد الاختفاء القسري في العراق، بكافة انواعه ونطاقاته، يتطلب تدخلا عاجلا ومتضافرا من جانب الدولة والبلدان المجاورة لها والمجتمع الدولي بأجمعه.