Jusur

جدل "المايوه" لم ينتهِ في صيدا .. صدام الثقافات بين الجرأة والخوف من المواجهة

تصدرت مدينة صيدا جنوب لبنان واجهة الأخبار المحلية والعربية عندما شهد شاطئها الأحد الماضي حادثة استثنائية كشفت للرأي العام عن هوّة اجتماعية وثقافية بين أبناء تلك البقعة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأثارت حفيظته.
 
ويصطدم واقع المدينة بوجود جماعات إسلامية تضيّق الخناق على شريحة واسعة من أبنائها، في محاولة منها لتكريس أمر واقع متشدّد لم تعهده المدينة قبل الحرب.
وتحت عنوان حماية الحريات العامة، دعت الجمعيات النسائية وهيئات المجتمع المدني إلى مؤتمر صحافي الأحد على شاطىء المدينة رفضاً للتنمر والقمع  مذيلة بعبارة "الدعوة للكل شو ما كنتو لابسين" ليقابلها ظهور دعوة مضادة للتجمع في المكان نفسه من دون أن تتبناها أي جهة. وأمام البلبلة الحاصلة عمد رئيس بلدية صيدا محمد السعودي إلى سحب فتيل الفتنة عبر منع أي مؤتمر أو نشاط غداً الأحد على شاطئ صيدا لكن الهيئات النسائية أصرت على الدعوة.
بالعودة الى تفاصيل ما جرى فالأحد الماضي، تعرّض أحد مشايخ المدينة الاسلاميين مع مرافقين له لسيدة، استلقت وزوجها على شاطىء مسبح صيدا الشعبي تحت أشعة شمس مايو/أيار، بعد أن رفضت الانصياع إلى طلبه بمغادرة المكان، لارتدائها لباس البحر أو المايوه بما لا يتوافق مع عادات وتقاليد المدينة المحافظة على حد قوله.
 
حقوق النساء المدنية
 
ترفض السيدة ميساء حنوني، وهي التي تعرض لها الشيخ، إلى وضع المؤتمر الصحافي الذي كان سيعقد الاحد في إطار الرد على الإسلاميين وأشارت لـ"جسور" الى أن هدفها الأساسي "المطالبة بحقوق النساء المدنية التي يضمنها الدستور ومنع التعرض لهنّ بسبب خياراتهن في الملبس أينما وجدن في الأماكن العامة" مع إصرارها على عدم القبول بسلطة رجال الدين.
وأضافت "منذ خمس سنوات أقصد الشاطئ مع زوجي ولم يتعرض لنا أحد بالسوء كما لم يتنمر أحد مرتاديه علينا إنما نلاحظ في الآونة الأخيرة عودة لنشاط الاسلاميين في المدينة وبطريقة بشعة".
في المقابل، خففت حنوني من مخاوف حدوث صدام الاحد بالقول "يعمد الإسلاميون دوماً إلى إثارة الرعب في نفوس أبناء المدينة لكنهم لا يجرؤون على تنفيذ تهديدهم مع ذلك نجد أن العديد من الناس يخافون ويعدلون عن أي مشاركة".
ويعرف عن حنوني نشاطها في المدينة وبصمتها على العديد من المهرجانات والحفلات التي أقيمت فيها أخيراً، رغم الأجواء العامة المحيطة.
 
المدينة خذلتني
 
ومع تأكيدها أن الشيخ ومرافقيه لم يتوقعوا ردة فعلها وجرأتها بالاعلان عما حصل إلا أنها أعربت عن حزنها لعدم تحلي أبناء صيدا بالجرأة علناً، موضحة أن "التضامن الشعبي موجود لكن لا دعم علنيا لها" لافتةً إلى أن نواب وفعاليات المدينة أيضاً آثروا الصمت.
وتوقعت بأن تقتصر المشاركة غداً على ناشطين وداعمين من خارج صيدا معلنة عبر "جسور" استمرارها في رفع الصوت عالياً رغم الضغوطات.
 
إعتبارات أخرى تتصدر 
 
من جهتها، أكدت المحامية نجوى طربيه، من مدينة صيدا، لـ"جسور" أنها شخصياً تفضل عدم النزول إلى شاطئ صيدا لاعتبارات عديدة أبرزها تلوث البحر وثانياً لأن نوعية مرتاديه يطغى عليهم أسلوب حياة متشدد ومحافظ لا يتوافق مع أسلوب حياتها، مشيرة إلى أنها تكتفي بالاستلقاء على الرمال أحياناً مع صديقات لها عند الغروب وبعيداً عن الأعين.
بناءً عليه، لم تنفِ طربيه تحوّل المدينة بشكل عام، إلى مدينة إسلامية نتيجةً لظروف فرضت عليها بالإكراه وليس بإرادة مشتركة بين كل فئات المجتمع الصيداوي.
ولفتت بالتالي إلى وجود رأي آخر رافض في المدينة لا يقل أهمية، يجب الإضاءة عليه "انعكس ذلك من خلال مشاركتهم الكثيفة من كافة الفئات العمرية في الحفلات الموسيقية الضخمة التي جرت منذ عام 2015 وتوقفت مع ظهور جائحة كورونا".
 
تغليب المصلحة العامة
 
صيدا تشبه القرية الكبيرة، تؤكد طربيه، شارحة أن نوابها "لا يملكون الجرأة الكاملة لقول رأيهم بصراحة مطلقة من دون الأخذ باعتبارات الجو العام في المدينة لضمان نجاحهم في دورة نيابية ثانية".
غير أنها أعادت لب المشكلة في المراوحة إلى أبناء المدينة  "لا يسعون إلى التغيير أو المطالبة بأدنى حقوقهم بل تجدهم يختارون هجرة صيدا لانعدام فرص العمل فيها أو يتوجهون لارتياد أماكن سهر بعيداً".
وترى طربيه أن الوقت حان لتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة في المدينة، عبر فتح المدينة أمام القطاعات الانتاجية من صناعية وسياحية والاستثمارات على أنواعها.
 
استنكار إسلامي 
 
ودعا أحد مشايخ المدينة الاسلاميين، الطرفين إلى التروي لعدم اجترار ردات فعل لا تحمد عقباها، مبدياً رغم ذلك استياءه مما قام به الشيخ حيث أوضح لـ"جسور" أن الأخير "أخطأ بالأسلوب خلال تعامله مع السيدة حنوني" مضيفاً أن "أحداً لا يملك الحق في فرض القوة على أي شخص خلال ممارسته لحقه".
وانتقد كذلك تحويل الحادث من مشكل فردي إلى عام عبر "توحيد خطب الجمعة للحديث عن المايوه" فيما يعاني المواطنون الأمرّين كما "إصدار هيئة العلماء المسلمين بياناً يهاجم لباس البحر".
وأكد الشيخ أن أي تبشيري لا يسعه من منطلق إسلامي بحت "سوى النصيحة الكلامية دون التعرض بأي أذى للآخرين"، وفي هذا السياق، أكد أن عبارة "صيدا إسلامية غير صحيحة بدليل أن لا حاكم مسلم يُحتكم إليه بالقانون، ولا قضاء إسلامي في المدينة".
 
زمن التشدد
 
ولم ينفِ في المقابل، أن المدينة عرفت التشدد في تسعينيات القرن الماضي عند دخول جماعات إسلامية إليها، لم تتوانَ عن تفجير خمارات امتلكها أبناء صيدا ومنع مظاهر التحرر، لكن الموجة خفتت، على حد قوله، مع دخول الجيش إلى صيدا وتمركزه على مداخلها ليبقى "ما نسبته من 10% فقط من الإسلاميين فيها" كما أضاف.
وتشهد جزيرة صيدا المعروفة بـ"الزيرة"، خلال موسم الصيف، إنارة وحفلات طيلة الليل وسوق أكل من تنظيم إحدى جمعيات المدينة الناشطة ولم يتمكن أحد من منعهم رغم محاولات متفرقة وخجولة بسبب وضعها تحت حماية البلدية.
عسى أن تتحول حادثة صيدا الأخيرة إلى شرارة ينطلق عبرها التغيير الفعلي في المدينة وتشهد على موسم الصيف "بنكهة تنوع على شاطئها".
الكلمات الدالة
جدل "المايوه" لم ينتهِ في صيدا .. صدام الثقافات بين الجرأة والخوف من المواجهة
(last modified 21/05/2023 11:22:00 ص )
by