زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الى العاصمة الروسية موسكو لا تزال حتى الساعة محور جدل واسع لما تحمله من أهمية كبيرة نظرًا لمستوى التعاون غير المسبوق في العلاقات بين موسكو وبكين على الصعد كافة.
لكن للبعد العسكري فصل خاص في الدفتر الروسي الصيني خصوصًا في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا وبعدما نفى بوتين تأسيس تحالف عسكري مع الصين التي تحاول اعتماد سياسية متوازنة من خلال الحفاظ على العلاقات التجارية مع الغرب وتعزيز العلاقات مع موسكو.
وسط هذه الأجواء، يشير الأكاديمي والخبير في إدارة النزاعات الدوليّة د. إسحاق أندكيان في حديث لـ"جسور" الى أن "البعض يتساءل إذا ما كان لهذه الزيارة أبعاد عسكريّة بمعنى وقوف الصين إلى جانب روسيا في غزوها لأوكرانيا وحربها مع الغرب."
وهنا يعتقد أن "ذلك ممكن لعدّة أسباب أبرزها معرفة الصين المسبقة أنّها في حال دخلت الحرب بشكل علني مع الروس ضدّ الناتو فذلك سيشكّل بداية النهاية لحلمها في السيطرة على العالم اقتصاديا ً والتربّع على عرش قيادة العالم اقتصاديا ً. لكن للصين مصلحة في استمرار الحرب بين روسيا والناتو بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة كون ذلك يشتّت اهتمامات الولايات المتّحدة عن الصين ويستنزف القدرات الماليّة والاقتصادية والاستخباراتية والخبرات العسكريّة للناتو ممّا يعطي الصين وقتًا ثمينًا لمحاولة التفوّق إقتصاديًّا على الغرب في السنوات المقبلة. هذا بالإضافة إلى أنّ روسيا والصين، إلى جانب دول أخرى، أسّستا منظّمة شنغهاي للتعاون عام 2001 والتي تتضمّن شقًّا مهمًّا يتعلّق بالتعاون الأمني والعسكري، وبالتالي كلّ ما على الطرفين القيام به هو تفعيل هذه المعاهدة عند الحاجة والضرورة". ومن هذا المنطلق، يستبعد أندكيان توقيع إتفاقيّة أمنيّة عسكريّة جديدة بين روسيا والصين.
تقارب صيني - روسي
وعن تقاسم الأدوار بين روسيا والصين، يعتبر أن "روسيا لديها سلاحان مهمّان هما الطاقة والقوّة العسكريّة، لكن ينقصها سلاح القوّة الاقتصادية."
واستطرد موضحا "التقارب، حتّى لا نقول التحالف، الصيني الروسي يقلق الغرب ويثير ريبته لأنّ ذلك يعطي قيمة مضافة لروسيا في مواجهتها القارة العجوز من خلال الدعم الاقتصادي الصيني خصوصا في ضوء العون الصيني لروسيا خلال الأيّام الأولى لفرض العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا. فالصين مثلا ً سمحت لروسيا باستخدام اليونيون باي (Union Pay) كبديل عن الماستر كارد (Master Card) واستخدام نظام ال (SPFS) كبديل عن السويفت (SWIFT). ناهيك عن الحديث حيال اعتماد اليوان الصيني كبديل للدولار الأميركي في المعاملات التجاريّة بين روسيا والصين.
ضرب اقتصاد أميركا
وتابع "إذا حدث هذا الأمر، فذلك سيشكّل ضربة ً قاسية ً للهيمنة الاقتصادية الأميركيّة على العالم ويضع مسألة "دولرت" (Dollarization) التجارة العالميّة في خطر. من هنا، يبدو أنّ الصين وروسيا تقاسمتا الأدوار بحيث أن الأولى تتولّى إدارة المسألة الاقتصادية في حين أنّ الثانية تتولّى إدارة مسألة الحرب والقوّة العسكريّة ممّا يعكس تكاملا ً في الطاقة والاقتصاد والسياسية والعسكرة في التكتّل الصيني- الروسي بوجه الناتو ودول الغرب من دون أن يكون هناك إعلان رسمي لهذا التكتّل".
وختم قائلا "إذًا الصين وروسيّا تقودان معًا بالتكافل والتضامن محاولة تغيير النظام العالمي الحالي المبني على الأحاديّة القطبية بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة وتسعيان لتحقيق ثنائيّة أو حتّى تعدّدية قطبية في العالم بحيث يكون لهما دورٌ بارزٌ حسب ما ويطمحان إليه".
ويبقى السؤال الأبرز إذا ما كانت الولايات المتّحدة ستقبل مشاركة روسيا والصين في قيادة العالم، وهل ستقف مكتوفة الأيدي في وجه المخاطر المتزايدة على ريادتها للعالم؟