باتت السياسة الصينية محور جدل واسع لما تحمله من ازدواجية واضحة، فبينما كسرت عصا الصين السحرية الجليد في العلاقات السعودية - الإيرانية وسعت الى تذليل العقبات لوضع حدٍ للحرب في أوكرانيا لا يزال التنين الصيني "ينفخ النار" بقوة في تايوان من خلال مناورات عسكرية حول الجزيرة استمرت ثلاثة أيام، وذلك استعراضا لقوته ردا على استقبال رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي رئيسة تايوان تساي إنغ-وين الأسبوع الماضي في كاليفورنيا.
وتتعامل الصين مع حلفائها في المنطقة وفق مقولة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، إذ إن الوساطة في المصالحة السعودية - الإيرانية جسّدت الآمال الصينية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط لكن بكين لا تستبعد في الوقت نفسه إمكانية استخدام القوة لإخضاع تايوان لسيطرتها تحت ذريعة أن الجزيرة جزء لا يتجزأ من الصين.
الصين.. دور بارز!
وفي السياق، يعتبر الأكاديمي والخبير في إدارة النزاعات الدوليّة د. إسحاق أندكيان في حديث لـ"جسور" أن "زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تؤكّد مكانة بكين في صوغ السياسات العالميّة، وتعكس دورها في المونة على روسيا من خلال إظهارها على أنّها مرجعيّة دوليّة ومدخل للتواصل مع الروس لمحاولة ايجاد حلّ للحرب الحالية، لا سيّما بعد فشل محاولات سابقة عبر دول أخرى لمعالجة الغزو الروسي لأوكرانيا كالدور التركي مثلا ً".
وأضاف "الصين، التي تقارع أميركا على السيطرة على العالم من خلال إنشاء عالم متعدّد الأقطاب، ستستغلّ زيارة ماكرون لتحسين صورتها الدوليّة لتؤكد أنها عامل استقرار في العالم".
واستطرد موضحا "نجاح التجربة الصينيّة في التوسّط بين المملكة العربيّة السعوديّة وإيران منذ بضعة أسابيع أعطاها ثقة كبيرة للتدخّل الإيجابي في نزاعات ٍ "مستعصية" ولنزع فتيل أزمات مزمنة والوصول إلى تسويات ترضي الأطراف المعنيّة مباشرة ً بالنزاعات. ناهيك عن أن تسوية النزاع السعودي-الإيراني (على الأقل مرحليّا ً) منح الصين جرعة كبيرة من المصداقيّة والثقة في إدارة النزاعات وحلها مّا دفعها للقبول بالتدخّل في النزاع الروسي-الأوكراني على الأقل من حيث الشكل من خلال زيارة ماكرون وفون دير لاين للصين".
الصين.. خطر على تايوان!
ويشير أندكيان الى أن "الصين ستستغل هذه الزيارة لاستثمارها في السياسة وتسجيل أهداف في المرمى الأميركي من خلال ظهورها للرأي العام العالمي على أنّها تسعى لحلّ النزاعات في العالم بينما الولايات المتّحدة تسعى لتأجيجها.
ولكن الصين بذلك تفعل الشيء ونقيضه لأنّها وإن حاولت الظهور بمظهر "حلّال المشاكل" بالنسبة للغزو الروسي لأوكرانيا وإبداء مرونة سياسيّة نسبيّة حيالها، فهي تتخّذ موقفا ً متشدّداً من مسألة تايوان من خلال اعتبار الأخيرة أنّها جزء لا يتجزّأ من الصين واعتماد سياسة "الصين الواحدة."
سائلا "وبالتالي، السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو إذا ما كانت الصين ترضى لروسيا فيما يتعلّق بأوكرانيا ما لا ترتضيه لنفسها فيما يتعلّق بتايوان؟"
"تصرفات غير مسؤولة"
وسط هذه الأجواء، أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أنها رصدت 9 سفن حربية و26 طائرة صينية في محيط الجزيرة، غداة إعلان بكين نهاية مناوراتها العسكرية الواسعة.
وعلى صعيد متصل، أكدت الرئيسة التايوانية تساي إينغ وين أن المناورات العسكرية الصينية سببت حالا من عدم الاستقرار في تايوان والمنطقة، ووصفتها بأنها تصرفات غير مسؤولة من دولة كبرى. وقالت تساي "أنا (بصفتي الرئيسة) أمثل دولتي أمام العالم"، وإن رحلاتها إلى الخارج بما في ذلك زيارتها للولايات المتحدة ليست أمرا جديدا، وإنها تتوافق مع توقعات الشعب التايواني. كما أضافت "لكن الصين استغلت ذلك لتدشين مناورات عسكرية، مسببة حالا من عدم الاستقرار في تايوان والمنطقة". وقالت تساي إن القوات المسلحة وخفر السواحل في تايوان تصرفا بهدوء ومهنية، ووجهت شكرها لجميع المشاركين.
ماكرون يحاول!
وعن زيارة ماكرون الى الصين، يقول أندكيان إن "زيارة ماكرون إلى الصين أشبه بزيارة استنجاد والاستعانة بـ"الصديق" من أجل حل خصومة كبيرة بين الغرب وحليف هذا "الصديق" أي روسيا".
وختم قائلا "ماكرون المأزوم داخليا ً في فرنسا بسبب الإصلاحات المتعلّقة بالمعاش التقاعدي والضائقة الاقتصادية التي تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا بجزء منها يحتاج إلى ما يعوّمه داخليّا ً وحتّى أوروبيّا ً. وما من حلّ -أو على الأقل محاولة حلّ- للغزو الروسي لأوكرانيا إلّا من خلال التفاوض مع روسيّا. لكن بعدما فشل لقاء ماكرون بنظيره الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي للتفاوض في شأن إنهاء مسألة أوكرانيا، أخذ ماكرون المبادرة مرّة ً أخرى مع الصين معتبرا ً أنّها الفرصة المناسبة له لتعويمه فرنسيّا ً وأوروبيّا. لكن أقصى ما حصل عليه من لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ بالنسبة للغزو الروسي لأوكرانيا، هو استعداد الأخير للحديث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي."