باتت الخطوات المتعلقة بـ"عودة سوريا إلى الحضن العربي" أكثر ما يتصدر الأخبار والتطورات الخاصة بالملف السوري، خصوصا وأنّ هذه العودة فتحت بشكل علني الباب أمام تساؤلات عدة بشأن موقع إيران من "سوريا الجديدة"، لاسيما بعدما كشفت وثيقة إيرانية مسرّبة عن أن ديون سوريا غير العسكرية والأمنية لإيران بلغت نحو 12 مليار دولار حتى عام 2020.
رسالة سريّة منسوبة إلى نائب الرئيس الإيراني وموجهة إلى المرشد، علي خامنئي، تحدّثت بشكل واضح عن آليات استرجاع هذه الأموال من سوريا على مراحل، وفق الوثائق التي نشرتها مجموعة قراصنة "ثورة حتى إسقاط النظام" المقربة من منظمة مجاهدي خلق المعارضة، كاشفة عن خطط علي خامنئي الجديدة في سوريا بما في ذلك الاستحواذ على آبار النفط والشركات الحكومية.
الوجود الإيراني باقٍ!
وبحسب إحدى الوثائق التي نشرتها هذه المجموعة، يَذكر النائب الأول لإبراهيم رئيسي، محمد مخبر، في رسالة سريّة إلى خامنئي أنه بسبب الأوضاع في سوريا، من الضروري للنظام أن يثبت موقعه ويكسب المزيد من النفوذ في سوريا لإيجاد حلول واللجوء إلى سلوكيات جديدة بما في ذلك مصادرة الأراضي السورية.
وفي رسالته كتب مخبر: "كان للجمهورية الإسلامية وجود عسكري وأمني قوي في هذا البلد وفقًا لأوامر سيادتكم بهدف ضمان الأمن القومي والاعتبارات الأيديولوجية، وكان له تأثير واضح ويُعتبر نموذجاً في الدوائر السياسية في العالم، والآن بعد اجتياز المرحلة العسكرية والأمنية للأزمة وإرساء الاستقرار في مناطق كثيرة من سوريا، يجب إعادة النظر في حضور الجمهورية الإسلامية في سوريا بناءً على متطلبات الوقت الحاضر، ومع زيادة المتغيرات المدنية فمن الضروري إيلاء اهتمام خاص للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى يستمر تواجد بلادنا في سوريا ويستقر."
ولا يخفى أنّ الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى سوريا منذ 13 عاماً، حظيت بكثير من الاهتمام لناحية توقيتها ودلالاتها، فهي تأتي في ظل انفتاح عربي واسع على النظام في دمشق، ضمن فرضية تقوم على أن عودة سوريا إلى "الحضن العربي" ستؤدي بالضرورة لتحجيم النفوذ الإيراني.
وهي الفرضية التي يؤكد مصدر مطّلع فضّل عدم الكشف عن هويته استحالة تحققها في معادلة العلاقات السورية الإيرانية، مبينا لـ "جسور"، أنّ النظام السوري يضع علاقته مع إيران في مرتبة أعلى من باقي الدول العربية، وزيارة رئيسي في هذا التوقيت تمثل رسالة مفادها أن الوجود الإيراني باقٍ في سوريا".
ويلفت إلى وجود "تساهل عربي في ملف الوجود الإيراني في سوريا"، ودليل عليه التوصية التي خرجت عن اجتماع عمّان، وتتعلق بخروج القوات الأجنبية غير المشروعة من سوريا، مشيرا إلى أنّ "هذه التوصية تستثني الميليشيات الإيرانية على اعتبار أن وجودها في سوريا جاء بطلب من النظام السوري".
ويعتقد المصدر أن الوجود الإيراني "سيتعزز في دمشق بعد زيارة رئيسي" مستشهداً بملف الديون الإيرانية على سوريا المُقدرة بنحو 30 مليار دولار.
ضغوط على النظام السوري
وفي رسالته إلى خامنئي، كتب محمد مخبر، من بين أمور أخرى، أن "مبلغ ديون الحكومة السورية لبلدنا في القطاعين المدني وغير الأمني حتى عام 2020 حوالي 11.6 مليار دولار، والمبلغ لـ 2021 قيد التحقيق. سيتم إضافة القضايا العسكرية والأمنية الخاصة بسوريا وإيران إلى هذه القائمة بعد إعدادها من قبل فيلق القدس التابع للحرس وموافقة وزارة الدفاع السورية، كاشفا عن كيفية استرداد الممتلكات التي أنفقت في سوريا، "من أجل تسوية بقية مطالباتنا من الحكومة السورية، حيث تم تقديم قائمة بالأملاك والأصول التي طلبتها بلادنا إلى الحكومة السورية وهي قيد المراجعة (بما في ذلك تصفية الديون مع جزء من حصص الشركات المملوكة للدولة في اقتراض الأوراق المالية السورية، وامتلاك أو المشاركة في أصول الحكومة السورية، وتسليم أو المشاركة في إطلاق وتشغيل مشاريع الحكومة السورية نصف المكتملة، ملكية المشاريع الحكومية التي تتطلب إعادة إعمار سوريا، الحصول على جزء من عائدات الحكومة السورية من الأصول والخدمات، والحصول على عائدات من المشاريع الجديدة أو التنموية، واستلام الأراضي من سوريا للمشاريع السكنية والتجارية).
إجراءات سرية
وعن هذا الشأن، يقول المعارض الإيراني، مسعود محمد، في حديث لـ "جسور"، إنه "بالنظر إلى التكلفة الباهظة التي دفعها في سوريا لدعم نظام الأسد، ولأنه لم يحصل على أي نصيب كبير في الاقتصاد السوري، فإن النظام يتعرّض لضغوط من الفصائل المتناحرة في داخله بأنه لم يكن لتدخلنا هناك أية نتائج جدية، والحكومة السورية تحت تأثير دول أخرى، بما في ذلك السعودية وتركيا، تميلان إلى إقامة علاقات أكثر معها، خصوصا وأن روسيا تميل أيضًا إلى تقليص دور النظام الإيراني في سوريا."
ولهذا السبب وفق محمد، "أثارت جهات صنع القرار في النظام الإيراني، وتحديداً وزارة الخارجية، الموضوع في مجلس أمن النظام وقرّرت اتخاذ الإجراءات التي وردت في الوثائق التي كشفت عنها من داخل وزارة الخارجية قبل ثلاثة أسابيع والوثائق التي كشفت عنها في المؤسسة الرئاسية، كما جاء في الوثائق المنشورة على موقع مجاهد".
وتابع محمد: "وهي تتطلع إلى عقد صفقات أكثر صرامة مع الحكومة السورية للتأكّد من قدرتها على تعويض الإنفاق الضخم هناك. وبالطبع، في الوثيقة نفسها، من الواضح أن النظام الإيراني لا يزال لديه شك في نتائج عمله، وفكّر في حلول مختلفة لحل هذه المشكلة."
ويضيف: "الحقيقة أن النظام الإيراني، القائم على نظرية ولاية الفقيه، من أجل تغذية القوة الرئيسية التي تحمي نظامه، الحرس الثوري، أيديولوجياً ونفسياً، تدخّل بشكل واسع في سوريا وقتل سوريين، وخلف هذه العقود الاقتصادية، لا بد من القول إن القضية الأساسية ما زالت تتمثل في تغذية قوات الحرس الثوري والباسيج والميليشيات التابعة لهما، التي أُصيبت بخيبة أمل وقليلة الدوافع بسبب صعود الانتفاضة وشعارات الناس الذين صرخوا، "اتركوا سوريا، فكروا بنا"".
وفي هذا الإطار، يريد النظام وفق ما أكد محمد لـ "جسور" أن يتظاهر بأن نفقاته قد أتت ثمارها بإعلان عقود اقتصادية مثمرة، ولا يزال بإمكانه الادعاء بأنه يسيطر على سوريا، لكن بسبب الأزمات الاجتماعية المنتشرة وعدم قدرته على منافسة روسيا، السعودية وتركيا في هذا المجال يواجه تحديات جمّة، خصوصا في الوقت الراهن بعد أن تم الكشف عن العديد من الأسرار خلف الستار مع الوثائق التي كَشفت عنها مجموعة "قيام تا تا سرنگونی" (انتفاضة حتى إسقاط النظام)."
استرجاع الديون
وبحسب تقارير سورية معارضة، تطرقت الوثائق المسرّبة إلى آليات استرجاع هذه الديون، ومنها توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي طويل الأمد، والمشاركة بإعادة الإعمار في سوريا، وتسهيل التعاون التجاري، وخفض التعرفة الجمركية، وكل ما يسهم بتدعيم الوجود الاقتصادي لإيران في سوريا.
وأشارت الرسالة إلى تسهيلات النقل الجوي بين إيران وسوريا، عبر زيادة عدد رحلات شركة الخطوط الجوية الإيرانية إلى سوريا، ونقل البضائع من ميناء بندر عباس إلى اللاذقية، إضافة للتعاون في القطاع السككي والمصرفي، على أن توقّع هذه الاتفاقات خلال زيارة رئيس الوزراء السوري إلى إيران، لعقد اجتماع للجنة الاقتصادية السورية المشتركة لاحقًا.
ووفق ما جاء في الوثائق، فإن الاتفاقية الاقتصادية بين إيران والنظام السوري تنص على استرداد الديون، بعد توقيع عقود تتولى إيران بموجبها بتعدين الفوسفات بطاقة 18 مليار طن.
وتشمل الاتفاقية التنقيب على الفوسفات واستخراج النفط في 21 موقعًا بمحافظة حمص و12 موقعاً في البوكمال شرق دير الزور، إلى جانب إطلاق المشغل الخلوي الثالث بقيمة تقديرية ملياري دولار، وتخصيص عائداته لإيران لمدة 20 عامًا.