بين قطبي الخليج، سجل حافل من التجاذبات والصراعات السياسية والاقتصادية، فبعدما قُطعت العلاقات السعودية-الايرانية عام 2016 على خلفية اتهامات متبادلة بزعزعة استقرار المنطقة، نجحت بغداد بجمع طهران والرياض على مائدة واحدة عام 2021 بهدف اصلاح العلاقات بين الجارتين.
أربع جولات من المفاوضات بين الرياض وطهران بوساطة عراقية لم تفض الى تحركات رسمية، لكن جوا من الايجابية ساد الجولة الخامسة التي عُقدت الأسبوع الماضي بين الطرفين، اذ أشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الى أن "الجولة الخامسة مع السعودية كانت ايجابية وجادة، ويمكن توقع تقدم في جميع الملفات العالقة إن وصلت المفاوضات للمستوى الدبلوماسي". وأكد زاده الاتفاق على عقد جولة جديدة من دون تحديد موعد لذلك.
حلحلة إيرانية - سعودية
ويرى القادة الإيرانيون أن المفاوضات قد تعزز العلاقات مع الرياض وستدعم استقرار المنطقة في حال تم التوصل الى تسوية بين البلدين.
وفي السياق، أشار الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية سعيد شاوردي في اتصال مع "جسور" الى أن "الجو ملائم لكسر الجليد بين السعودية وايران، ويتم الاعداد لمشروع اقتصادي في ايران من أجل تنمية العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار، اذ أن ايران تسعى الى اصلاح العلاقات مع هذه الدول بهدف مواجهة العقوبات الأميركية القاسية".
أما المحلل السياسي السعودي الدكتور محمد الحبابي فأكد في حديث لـ"جسور" أن "الجولة الخامسة كانت أمنية واستخباراتية بإمتياز، والسعودية تسعى دائما الى عدم تدخل ايران في دول المنطقة لأن التجارب السابقة أثبتت فشل طهران في إدارة هذه الدول.
وفيما تحدثت ايران عن الجو الإيجابي الذي سيطر على الجولة الخامسة تجنّبت السعودية التعليق بإنتظار تصرفات طهران في المرحلة المقبلة كي يبنى على الشيء مقتضاه".
حرب اليمن
الأزمة اليمنية حضرت في الجولة الخامسة اضافة الى بعض القضايا الشائكة. وترى القيادة العليا الإيرانية أن التطورات في اليمن بعد الهدنة، تسير بشكل إيجابي إلى حد كبير.
وهنا اعتبر أستاذ الاعلام السياسي الدكتور السعودي عبدلله العساف في حديث لـ"جسور"
أن "حرب اليمن تعد ملفا شائكا، لكن يمكن التوصل الى تسوية من خلال وضع حد لانتهاكات الحوثيين مما سيؤدي الى تقارب إيراني - سعودي".
واستطرد قائلا: "التعاون بين الرياض وطهران ضروري من أجل استقرار الوضع الأمني في المنطقة، ففي حال الوصول الى تسوية بين الطرفين ستشهد المنطقة ازدهارا في القطاعات كافة. السعودية تعول على هذه المرحلة لفتح صفحة جديدة مع ايران، لكن على طهران التحلي بالصدق واحترام الدول المجاورة كي تعيد المياه الى مجاريها مع دول الخليج.
أثرت الجولة الخامسة إيجابا على مسار العلاقات بين البلدين لكننا لا نزال بعيدين كل البعد من تطبيع العلاقات مع ايران".
وفي هذا الاطار أيضاً، أكد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية سعيد شاوردي لـ"جسور" أن السعودية تريد إنهاء حرب اليمن لانها أنهكتها أمنيا وعسكريا واقتصاديا، وايران تطمح أيضا الى وضع حد للحرب من أجل بناء علاقات تجارية مع دول المنطقة والنهوض بالاقتصاد في البلاد".
وأضاف:"انه الوقت المناسب للعمل على إنهاء الحرب في اليمن من خلال التفاوض السياسي مع المملكة العربية السعودية، وقبول الحوثيين بالهدنة يعد بادرة أمل نحو التوصل إلى حل لإنهاء الحرب".
دور العراق
ويسعى العراق الى إذابة جليد الخلافات وتقريب وجهات النظر بين السعودية وايران.
ويشير المتابع للشأن العربي الصحافي في جريدة "النهار" اللبنانية وجدي العريضي الى أن"العراق لعب دورا بارزا في محاولة نزع فتيل توتر العلاقات السعودية-الإيرانية، كون المفاوضات حصلت في العراق وبراعيته. ويدرك العراق أن تصحيح مسار العلاقات بين الطرفين سيؤدي الى وقف زعزعة الأمن في المنطقة".
وكان المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس البرلمان الإيراني محمود مشكيني قد ثمن الجهود التي بذلها العراق من أجل توفير الأجواء المناسبة لاستضافة المباحثات الإيرانية- السعودية.
ورأى أن تعزيز العلاقات بين إيران والسعودية ينعكس إيجابياً علی دول المنطقة وشعوبها في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، وهو ما تريد الحكومة العراقية تحقيقه عبر التقريب بين وجهات النظر.
توتر في العلاقات
وأجرت السعودية وايران أربعة لقاءات حوارية استضافها العراق، بتسهيل من رئيس وزرائه مصطفى الكاظمي بهدف تحسين مسار العلاقات.
وبدأت المباحثات في أبريل/ نيسان عام 2021، وعقدت جولتها الرابعة في بغداد في سبتمبر/أيلول الماضي.
وكان من المتوقع أن تعقد جلسة خامسة في مارس/آ ذار، الا أن تقارير صحافية تحدثت وقتها عن قرار إيراني بـ"تعليق" المشاركة بعد إعدام السعودية لعشرات الأشخاص بينهم شيعة.
وتعد الرياض وطهران أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الاقليمية وأبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفا عسكريا داعما للحكومة المعترف بها دوليا، وتتهم طهران بدعم الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء.
كذلك، تبدي السعودية قلقها من نفوذ إيران الإقليمي وتتّهمها بـ"التدخّل" في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، وتتوجّس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.