مع بسط طالبان سيطرتها على أفغانستان، شهدت البلاد عاماً مضطرباً وأزمة إنسانية كبرى، تفاقمت مع اقتراب الشتاء القارس.
ويتمثل التحدي الرئيسي، بالنسبة إلى طالبان، في تحويل تمرد مقاتلين غير متعلمين بمعظمهم، إلى إدارة قادرة على قيادة بلد معقد ومتنوع. أما بالنسبة للمواطنين، سيكون الحصول على الغذاء والمسكن والعمل أولوية، فيما تتحمل النساء خصوصا وطأة السياسات الاجتماعية القمعية لطالبان والتي كانت سائدة خلال حكم الحركة في التسعينات.
ويرى الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، أنه ثمة خوف مزدوج، من رؤية البلاد تنزلق أكثر إلى براثن البؤس ما يدفع عشرات الآلاف من الأفغان إلى الفرار من البلاد، وأن تعود أفغانستان مرتعا لجماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة.
وفي تقرير نشرته شبكة "أفغانستان أناليستس نتوورك"، قالت المحللة كايت كلارك إن "عواقب تغيير النظام كانت فورية وكارثية" مشيرة الى أن "الانتصار العسكري أتى سريعا جدا لحركة طالبان التي لم تكن لديها خطط لإدارة البلاد من دون مساعدة خارجية".
وتلف الى انه "عندما كانت حركة متمردة، فرضت ضرائب على سكان المناطق التي تسيطر عليها، وتركت الخدمات العامة في أيدي الحكومة ومنظمات غير حكومية" ممولة إلى حد كبير عبر مساعدات دولية.
أما الان فهي في السلطة على رأس دولة بدخل منخفض، فيما يجب أن تهتم بمجموعة كاملة من السكان" الذين يعدّون قرابة 40 مليون نسمة.
إنهيار الإدارة
من جهة أخرى، يعتبر انهيار الإدارة من أكبر المشكلات التي تواجه طالبان. إذ نقل أكثر من 120 ألف أفغاني جوا من مطار كابول في الأسابيع الأخيرة للوجود الأميركي في أواخر أغسطس/ آب، وهم بغالبيتهم أشخاص عملوا مع دول أو شركات أجنبية لإدارة مليارات الدولارات من المساعدات لمدة 20 عاما التي دعمت ميزانية الدولة إلى حد كبير.
وبالتالي، لا يمكن لحكومة طالبان المحرومة من هذه المساعدة، الاعتماد إلا على مواردها الخاصة والضرائب وعائدات الجمارك خصوصا.
وكانت قد أعلنت في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني أنها ستدفع رواتب الموظفين الحكوميين الذين لم يتلقوا أي راتب منذ أشهر، وهو أمر أحبط عزيمة كثر بينهم.
وقال حضرة الله وهو موظف كبير في وزارة الخارجية فضل عدم كشف اسمه الكامل "أذهب إلى المكتب كل صباح، لكن لا يوجد شيء أفعله. في السابق كنت أفاوض على اتفاقات تجارية مع الدول المجاورة. لكن الآن ليس لدينا أي تعليمات، لا أحد يعرف شيئا".
النساء وطالبان
وتجد طالبان صعوبة في إقناع الداخل والخارج أنها ستكون أكثر انفتاحا مما كانت عليه في ظل حكمها السابق بين عامي 1996 و2001 عندما اضطهدت النساء وعاقبت معارضيها بقسوة.
ففي المدن أقله، تمنح الحركة الإسلامية مزيدا من الحرية: فالنساء، على سبيل المثال، لم تعدن مجبرات على ارتداء البرقع أو حصولهن على مرافق للخروج.
كذلك أعلنت طالبان إعادة فتح المدارس الإعدادية والثانوية للذكور، مستثنية الإناث. وتذرّعت طالبان بالقول "هذا من أجل سلامتهن" علما أن الخطر الرئيسي الذي كان يتهدد المدارس في السنوات الأخيرة، وهو هجمات طالبان، زال مع استيلائها على السلطة.
وفي حين أقلق تغيير النظام الأفغان المتعلمين في المدن، حمل إلى الكثير من المناطق الريفية المحافظة والمؤيدة للمتمردين ما كانت تنتظره منذ 20 عاما: إنهاء القصف والسلام.
خطر المجاعة
لكن فترة الراحة لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما وجدت طالبان نفسها في مواجهة تمرد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية الذي يستهدف خصوصا الأقلية ، والوضع الاقتصادي للبلاد التي تعد واحدة من أفقر دول العالم والغارقة في المجهول مع وقف المساعدات الدولية، هو ما سيحدد مستقبلها ومستقبل الأفغان المهددين الآن بأزمة إنسانية كبرى.
وتدق المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر، فهو بالنسبة إلى الأمم المتحدة سباق مع الوقت: في بداية الشتاء القاسي، يواجه قرابة 23 مليون أفغاني، أو 55 في المئة من السكان، خطر المجاعة.
وتبدو المفاوضات بين طالبان والدول الأجنبية لإعادة بعض المساعدات صعبة وحساسة، إذ تريد الدول المانحة تجنب التعامل مع نظام منبوذ على المستوى الدولي لم يعترف به أي بلد حتى الآن.
وتعتقد طالبان أن انتصارها واضح بما يكفي لعدم اضطرارها لتقديم تنازلات في المقابل، خصوصا في ما يتعلق بحقوق المرأة.
لكن على المستوى المحلي، تمكنت بعض المنظمات غير الحكومية من تجاوز سلطات طالبان لتوزيع القليل من المساعدات على من هم في أمس الحاجة إليها.
أما على المستوى الوطني، لا يمكن لطالبان أن تعكس صورة عن قوة خاضعة للخارج، وهي مصرة على السيطرة على كل المساعدات، وهو أمر يقلق الكثير من الدول المانحة، فكل ذلك لا يدفع إلى التفاؤل بمستقبل هذا البلد الذي دمرته حرب مستمرة منذ أكثر من 40 عاما.
بالنسبة إلى كلارك، فإن "الفوائد الاقتصادية للسلام ستبقى هامشية مقارنة بالضرر الناجم عن فقدان المساعدات الخارجية والعزلة التي تواجهها أفغانستان الآن".