عشية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا، تبدو المنافسة محتدمة بين الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان إذ تفيد استطلاعات الرأي بأن ماكرون ولوبان اللذين سبق أن تواجها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2017، الأوفر حظا للتأهل مجددا الأحد، بعد أن تقلص الفارق بينهما إلى نقطة واحدة، ماكرون 26% من ناتج الأصوات ومارين لوبين 25%.
إلا أن زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون يستفيد أيضا كما لوبن، من موجة تأييد جديدة.
وتجري الانتخابات الرئاسية الفرنسية على مرحلتين الأولى الاحد 10 ابريل \ نيسان والثانية في 24 أبريل/نيسان الجاري، وعلى الفرنسيين أن يختاروا في الجولة الثانية بين إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية جديدة مدتها خمس سنوات أو تسليم مفتاح قصر الإليزيه إلى رئيس جديد.
وفي حين أن سياسة ماكرون الخارجية باتت واضحة، إلا أن وصول رئيس جديد خصوصاً من اليمين المتطرف، قد تكون له نتائج وانعكاسات مختلفة على الشرق الأوسط.
حث الناخبين
ومن باريس قدم المحلل السياسي فيصل جلول رؤية شاملة حول الموضوع، وأوضح بداية في اتصال مع "جسور، "أن استطلاعات الرأي في العملية الانتخابية لا تعكس بدقة اتجاهات الاقتراع كما أن المصالح تتدخل فيها أحياناً".
وفي حين قدمت استطلاعات الرأي ماكرون ولوبان كفائزَين في الجولة الأولى يشرح جلول: "أحياناً تصدر استطلاعات الرأي أرقاماً متقاربة بهدف حث الناخبين على الاقتراع" مرجحاً أن يصب ذلك في مصلحة ماكرون حالياً "بحيث أن مناصريه كانوا لينكفئوا عن التصويت في حال اطمأنوا إلى أن نتائجه مرتفعة" وما حصل جعل المعركة محتدمة أكثر بين اليمين واليمين المتطرف".
وتحدث جلول عن احتمال حصول مفاجأة في الجولة الأولى "رغم أن استطلاعات الرأي خفضت من حظوظ اليساري ميلونشون، إلا أن اختراقه في الجولة الأولى محتمل".
أما المفاجأة الكبرى، بحسب جلول، "أن تطيح الجولة الأولى بماكرون وتخرجه من السباق الرئاسي نهائيا"، وحينها "تصبح المنافسة بين اليمين المتطرف واليسار المتشدد".
وفي حال انتهت المواجهة بين ماكرون ولوبان، يؤكد جلول أن "أصوات الفرنسيين سترجح كفة ماكرون وليس لوبان وما تمثله من يمين متطرف".
مسألة الهجرة
الرئيس الفرنسي المقبل، أياً تكن هويته، سيواجه ملفات إقليمية عدة شائكة، وستنعكس سياسته على منطقة الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار يوضح جلول أن "عودة ماكرون لن تغيّر الكثير من سياسة الإليزيه على الصعيد الخارجي، أما مع مجيء لوبان فحدوث تغييرات خارجية متوقع".
ورأى أن ملف "الهجرة"، أحد أهم الملفات لدى لوبان، ستختلف حساباته معها "الهجرة ستكون انتقائية، وستعمد لوبان إلى طرد عدد كبير من المهاجرين خصوصاً العرب من شمال أفريقيا" لكنه رجح أن تؤدي إجراءات لوبان، إن حصلت، "إلى خلق أزمة دبلوماسية مع بلاد المهاجرين المطرودين".
وعن علاقة فرنسا مع أوروبا ، فرجح المحلل السياسي أن تكون مختلفة باعتبار أن لوبان ستسعى إلى "استعادة السيادة الفرنسية على معظم القرارات الأوروبية ومنع ألمانيا من لعب دور سيدة أوروبا".
الشرق الأوسط
وصول مارين لوبان إلى سدة الرئاسة الفرنسية ستكون له انعكاساته على ملفات الشرق الأوسط والدول العربية، وفقاً للمحلل السياسي "لن تتدخل فرنسا عسكرياً في مالي مثلاً وقد تتخذ قراراً بالخروج من حلف شمال الأطلسي".
أما مع الدول العربية، فرأى جلول أن مارين لوبان ستعتمد سياسية براغماتية وهي قد أصدرت في السابق تصريحات انتقدت فيها دول الخليج وجامعة الدول العربية إلا أنها ستتخلى عن خطابها المتطرف وتكون أكثر براغماتية في العلاقة معها".
الخطاب البراغماتي
اعتماد لوبان خطاباً أقل حدة مستقبلاً، وبعيداً من الخطاب المستوحى من عظمة فرنسا في السابق، سببه، كما يفسره جلول "إلى كونها، حين تصبح ملزمة التعامل مع مؤسسات الدولة ما يفرض عليها الاعتدال وللسياسة الخارجية شروطها".
أما سياسة فرنسا الخارجية مع إيران، التي كان لماكرون علاقات جيدة معها خلال ولايته، فرأى جلول أنها ستتسم أيضاً وفق البراغماتية باعتبار أن إيران "قوة إقليمية ودولية لا يستهان بها، إذ أنها تهدد أمن المنطقة ودول الخليج في حين أن الأميركيين يخرجون من الشرق الأوسط ولا يدعمون حلفاءهم أمام التهديدات الإيرانية".
ولفت جلول إلى أن الأميركيين والأوروبيين يتطلعون إلى عقد اتفاق مع طهران، ما يؤكد أهميتها في الناحية الجيوسياسية.
ورأى جلول "أن لبنان، وإن كانت لوبان تكن له اهتماماً خاصاً، وفي حزبها لبنانيون مؤثرون إلا أن علاقات الدول الإقليمية مبنية على مصالح" بالتالي على اللبنانيين أن ينسوا فكرة "فرنسا الأم الحنون" ويضيف، ولا يفاجأ في حال تشابهت سياسة لوبان في لبنان مع سياسة ماكرون.
في المقابل يستبعد جلول كثيراً فرضية وصول ميلانشون إلى الإليزيه، ويرى أن خطابه راديكالي يساري ويقدم مشاريع مضادة لتلك التي قدمها الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند وأنه "يمتاز بكونه بين اليسار الشيوعي واليسار الاشتراكي".
وختم جلول بالقول: "دور فرنسا تراجع كثيراً عن السابق، ومع ذلك لا تزال عضواً في الأطلسي ومجلس الأمن وتصينفها كسادس أو سابع قوة عظمى في العالم لا يمكن تجاهله".