على مسافة المنطقة البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل برز تطور كبير تمثل باستقدام إسرائيل سفينة لوحدة انتاج الغاز الطبيعي إلى حقل كاريش بهدف التنقيب عن الغاز في الأشهر الثلاثة المقبلة. أما في الداخل اللبناني، فتوالت المواقف المنددة ووصفت ما حصل بالاستفزاز الذي يهدد مستقبل المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وبمثابة التعدي على ثروة لبنان النفطية.
ولمناقشة هذا الملف الشائك استقبلت "جسور" عبر خاصية "سبايس" على منصة "تويتر" ضيوفاً من أهل الاختصاص لتسليط الضوء على نقاط الضعف والقوة والخطوات التي يجب على لبنان القيام بها للحفاظ على ثروته، هم المتخصصة في شؤون الطاقة لوري هايتيان ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الدكتور هشام جابر إضافة إلى الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر في حلقة حوارية تحت عنوان "ترسيم الحدود البحرية: هل حان الوقت".
4 نقاط خلل
فيما يرى البعض أن انتظار وصول الوسيط الأميركي ليس سوى مضيعة للوقت، انتقدت المتخصصة في شؤون الطاقة لوري هايتيان الدور اللبناني في الملف معتبرة أن أربعة عيوب شابته، أولاً أشارت إلى "أن وصول السفينة العائمة الخاصة بالانتاج والتخزين FBSO إلى إسرائيل كان متوقعاً وعلم الجميع بانطلاقها من سينغافورة بالتالي لا يمكن لأحد في لبنان الادعاء بأنه فوجئ بوصولها". وأعلنت ثانياً أن آموس هولشتاين "قدم عرضه في بداية مارس/آذار 2022 ومنذ ذلك الحين لم تبادر الحكومة اللبنانية في القيام بأي خطوة كاستئناف الوساطة من دون أسباب موجبة" لافتة إلى أنها "اليوم، باتت تركض خلف الوسيط الأميركي ليزور لبنان كي ترى ماذا يمكن فعله".
وفي المقابل، أوضحت هايتيان أن صلاحيات الوسيط الأميركي تقتصر على إيجاد حلول للمفاوضات حول المسافة الممتدة على 860 كم مربع "أي بين الخط رقم 1 الحدود التي تدعي إسرائيل أنها حدودها والخط 23 الذي اعتمدته الدولة اللبنانية منذ 2011" مضيفة أنه "ليس مخولاً قيادة نقاشات حول أي منطقة متنازع عليها خارج هذه المساحة".
ولفتت هايتيان ثالثاً إلى التخبط الحاصل من الجهة اللبنانية "فالمفاوضات بدأت على أساس الخط 23 ثم ما لبث أن دخل الوفد اللبناني المفاوض مع الخط 29 لتتبعها خلافات في الداخل اللبناني حول الخط الذي يجب اختياره للتفاوض". وتابعت قائلة “إن هذا التخبط والتناقض برز في المواقف السياسية وآخرها لرئيس الجمهورية الذي بدا مصراً على الخط 29 في البداية، ثم بدأ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020 يتراجع عن موقفه ليعلن في فبراير/شباط 2022 عبر إحدى الصحف المحلية أنه متمسك بالخط 23 كحدود للبنان". واستطردت هايتيان في شرح التخبط "أما مقولة أننا تراجعنا وعدنا إلى الخط 23 لمقايضة حقل قانا بحقل كاريش فقد اتضح أيضاً أنها غير صحيحة إذ علمنا أن عرض الوسيط الأميركي قضى بابقاء جزء من حقل قانا في المنطقة المتنازع عليها" بالتالي جاءت الرسالة "إن أردتم استثمار قانا عليكم مشاركتها مع الاسرائيليين" في حين تتابع "نحن لا نملك في لبنان أي معطيات عما هو موجود في البلوك 8 لنعلم إن كنا سنتخلى عنه أم لا".
وأضافت نقطة رابعة أساسية "الأمر الوحيد الذي يجبرنا على التوقف عن العمل في حقل كاريش أن نطلب من هولشتاين تزويدنا بمعلومات عنه لمعرفة إن كان يتخطى الخط 23 وحينها فقط يمكننا المقايضة فتصبح كاريش لهم وقانا لا تبقى مكمناً مشتركاً إنما تنتقل حصتها لنا".
رد وتحذير
من جهته، يشرح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الجنرال د. هشام جابر سبب تمسك لبنان بالخط 23 في حين يحق له بخط يمتد حتى 29 "لأن الأميركيين يريدون الخط 23 عبر اعتمادهم أساليب الترهيب والترغيب" آسفًا أن يسعى "المسؤولون في السلطة السياسية في لبنان من رئيس الدولة إلى رئيس الحكومة كما المجلس النيابي لإرضاء الوسيط الأميركي". وأضاف "أثبت ذلك أن السلطة السياسية في لبنان في وادٍ والشعب بأكمله مع الجيش في وادٍ آخر" لافتاً إلى أن ملف الخط 29 قدمه الجيش اللبناني استناداً الى دراسة علمية "بوجود الخرائط المستحدثة وصور الأقمار الاصطناعية وقوانين البحار واضحة في ظل التطور التكنولوجي من العام 2010 حتى الآن ". ورأى جابر أن "على المسؤولين اللبنانيين وقبل فوات الأوان تحكيم ضمائرهم كما على جميع اللبنانيين من سياسيين وغير سياسيين دعم الملف الذي قدمته قيادة الجيش اللبناني". واستطرد قائلاً "وردتني معلومات تقول إن "الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين قارن بين الملفين اللبناني والإسرائيلي في مجالس خاصة خارج لبنان، وأكد أن الملف اللبناني جداً متين ومحكم إلا أن الخلاف القائم بين السلطة السياسية ومن أعد الملف أضعفه، في حين أن الملف الاسرائيلي ضعيف وغير مبني على براهين لكنه مدعوم من المجتمع الاسرائيلي بكافة أطيافه من معارضة إلى حكومة إلى وسائل الإعلام إلى المجتمع المدني، لأن إسرائيل تضع مصلحتها أولوية". واعتبر بالتالي أن "ليس للوسيط المزيد ليقدمه عند عودته" مقترحاً لجوء لبنان إلى "استخدام الوسائل الدبلوماسية والاتصال بكافة الدول في موقف موحد للتأكيد على دعمه للملف الذي أعده الجيش اللبناني". كما اقترح إرسال رسالة عسكرية للوسيط الأميركي ومن خلاله الاسرائيلي "على الجيش اللبناني وبإمكاناته الضئيلة محاولة ردع هذه الباخرة العملاقة ولو بطلقات تحذيرية لإفهام إسرائيل أنها إن استمرت في ما تقوم به سيؤدي ذلك إلى اشتباك عسكري قد يمهد لحرب بين البلدين وهذه المرة لن تقتصر على الجبهة الجنوبية في لبنان بل سوف تمتد إلى سوريا" مضيفاً أن إسرائيل "تعلم أن حزب الله يملك صواريخ يوخونت أرض بحر وخمسين صاروخا أو أكثر باستطاعتها تدمير خمسين سفينة وخمسين منصة لكن إسرائيل لن تجرؤ".
لا تصعيد
أما الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر فأوضح "أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أبدى اهتماماً كبيراً بملف ترسيم الحدود البحرية لذلك عمد إلى تكليف شخص واحد لمتابعته بشكل خاص النائب نواف الموسوي". وأعلن أن كلمة نصرالله الليلة "لن تكون تصعيدية بل تتجه للوقوف إلى جانب موقف رسمي موحد".