شهدت أحياء بيروت تطورات أمنية أعادت إلى الأذهان مشاهد الحرب الأهلية التي أُسدلت الستارة عليها في اتفاق الطائف عام 1990.
وانطلقت مسيرة دعا إليها ونظمها حزب الله وحركة أمل أمام قصر العدل في العاصمة بيروت للمطالبة بتنحية المحقق العدلي في جريمة مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار لكن سرعان ما تحولت إلى مواجهة مسلحة بين الطرفين الشيعيين وقناصين انتشروا على أسطح مباني منطقة الطيونة القريبة من نقطة التظاهر، فكانت الحصيلة قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والمسلحين.
في المقابل، اتهمت قيادتا حزب الله وحركة أمل، القوات اللبنانية، بالانتشار على أسطح المباني وممارسة القنص المباشر للقتل المتعمد.
سيناريو مدبر
وفي حديث لـ"جسور" أوضح العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني أمين حطيط أن ما حصل: "بدأ التحضير عليه منذ آذار 2019 مع الخطة التي وضعها وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو من أجل التضييق على حزب الله ونزع سلاحه.
وتتضمن الخطة 5 مراحل تبدأ مع الفراغ السياسي يليه الانهيار المالي ثم الاقتصادي وصولاً إلى الانهيار الأمني لتنتهي مع عدوان إسرائيلي جديد" وتم الاتفاق على أن يكون "تنفيذ الخطة الأميركية بأياد لبنانية".
ووفقاً لحطيط نجحت أميركا في تنفيذ المراحل الثلاث الأولى، غير أن الملف الأمني بقي عصياً عليها، إذ فشلت في محاولة اغتيال رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، في يوليو/تموز 2019، كما في قرار قطع الطرقات اللبنانية وما رافقه من أحداث أمنية متفرقة.
لكن، يتابع حطيط حديثه، عند وصول باخرة النفط الايرانية شعرت أميركا أنها بدأت تفقد السيطرة، فسارعت إلى تأليف الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي ثم باشرت في الوقت عينه بتنفيذ خطة محكمة لزعزعة الاستقرار، تنفذها القوات اللبنانية، وقد اتهمها حزب الله مباشرة بافتعال أحداث الطيونة.
الخطة كانت تهدف إلى الإيقاع بحزب الله ودفعه للرد على مصادر إطلاق النيران غير أن الحزب استدرك الأمر وانسحب من المواجهات.
ويرى العميد الركن المتقاعد أن الامور لم تنته، والتصعيد مستمر وسيشهد البلد جولات عسكرية جديدة.
وعن هوية القناصين، أشار حطيط الى أن عدداً منهم أصبح في قبضة الجيش اللبناني الذي بات يملك داتا كاملة عنهم، وأكد لنا أنهم ينتمون إلى حزب القوات اللبنانية.
الفوضى هدف حزب الله
أما العميد المتقاعد خليل الحلو فقال لـ"جسور" إن الوقائع التي لديه "تشير الى أن التظاهرة التي ذهبت باتجاه قصر العدل والموجهة ضد القاضي بيطار والقضاء اللبناني، كانت سلمية على الرغم من إطلاقها بعض الشعارات العنيفة، لتقابلها تظاهرات متفرقة أخرى للثنائي الشيعي دخلت إلى أحياء منطقة "عين الرمانة"، التي تسكنها غالبية مسيحية، مع شعارات مذهبية وحزبية لا تمت بصلة إلى التظاهرة الأساسية، وبدأ المتظاهرون، وفقاً لشهود عيان وللفيديوهات المتداولة، بتحطيم السيارات المركونة في المنطقة وتكسير المحلات ومداخل المباني. واستمروا لأكثر من ساعة في أعمالهم التخريبية قبل بدء عملية إطلاق النار، بالتالي لا يمكن أن يكون كميناً نصب لهم".
وعن تحديد هوية مطلقي النار يوضح الحلو: "أنها غير ممكنة في الوقت الراهن، إذ هناك حديث عن قناصين، والبعض يقول إنها ردة فعل قام بها من تضرروا في عملية التخريب لكن لا يجب استباق التحقيق".
ويتابع الحلو بالقول إن تقييم الحادث يحتاج العودة خمس عشرة سنة إلى الوراء، "منذ بدأ التجييش الإعلامي والتصرف بفوقية من قبل حزب الله واعتباره لبنان أرضاً محتلة من قبله والمناطق غير المؤيدة له سائبة، يحق لهم استباحتها، والأمثلة كثيرة، آخرها اعتداؤهم على ثورة تشرين".
وأشار الحلو الى أن العهد الحالي يحتضن هذه التصرفات ولم ينتقدها أو يواجهها يوماً، وقد سبق لأحد قياديي حزب الله أن هدد علناً القاضي بيطار كما قرر زعيم الحزب السيد نصرالله اعتبار التحقيق مسيس ولم يحرك رئيس الجمهورية أو الحكومة ساكناً".
أما عن إلصاق التهمة بالقوات اللبنانية فأوضح الحلو أن الثنائي الشيعي يقدم اليوم أكبر خدمة للدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، فهما يعيدان سيناريو 1975، حين اتُخذ قرار عزل الكتائب اللبنانية، حزب مسيحي آخر، غير أن الكتائب نجحت بتجييش الشارع المسيحي لصالحها.
وأكد أن القوات اللبنانية اليوم تخلت عن سلاحها نهائياً وتخضع لسلطة الدولة أما اتهامها بالتسلح فالهدف منه إيقاظ الحقد المذهبي والذهاب إلى الفوضى لنسف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تخطط للانفتاح على العالم العربي وتسعى إلى توقيع اتفاقيات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة وكلها ملفات يرفضها حزب الله.
في ظل أزمات متلاحقة يواجهها الداخل، قدر اللبنانيين أن يعيشوا خضات أمنية متتالية تحول حياتهم إلى جحيم.