مع اشتداد الخناق ، يذهب حزب الله الى تكريس معادلة جديدة على الساحة الداخلية تجلت هذه المرة بأخذ منحى التصويب المباشر . لأول مرة ، يذهب حزب الله الى تسمية الجهة التي يستهدفها بإسمها من دون أي تردد.
وأثناء تشيع الحزب ضحايا المواجهات الدامية بمنطقة الطيونة في العاصمة اللبنانية بيروت، اتهم رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" هاشم صفي الدين حزب القوات اللبنانية بالتسبب بأحداث الطيونة سعيا منها لاشعال حرب أهلية جديدة مؤكدا عدم الانجرار الى فتنة مذهبية أو حرب أهلية، لكنه توعد بالمقابل عدم ترك دماء شهدائه تذهب هدراً.
فما يريد حزب الله؟ وما هي أجندته للداخل في المرحلة المقبلة؟
لا للفتنة الداخلية
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي فيصل عبد الساتر في حديث لـ"جسور" أنها :"ليست المرة الأولى التي يتجنب فيها حزب الله محاولات استجراره إلى فتنة داخلية فقد سبق له أن مرّ بهذه الامتحانات الكبيرة والخطيرة في سلسلة من الأحداث، بدءاً بما حصل بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم حرب تموز وصولاً إلى الاشتباكات التي وقعت أخيراً في منطقة خلدة ثم المشهد الذي رأيناه في منطقة الطيونة".
وعن الحادث الأخير، قال عبد الساتر إن حزب الله كان دعا إلى مسيرة سلمية للاحتجاج على سلوك المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لكن ما حصل لاحقاً "كان خطيراً جداً وأعاد إلى الأذهان مشهد الحرب الأهلية اللبنانية خاصة أنه وقع في المنطقة التي انطلقت منها شرارة الحرب الأهلية عام 1975".
أما في موضوع الحكومة، فأكد عبد الساتر أن:" حزب الله وحركة أمل اتفقا فيما بينهما أن لا عودة عن المطالبة بتنحي القاضي بيطار عن قضية انفجار مرفأ بيروت بالتالي فإن بقاءه سوف يطرح مشكلة كبيرة على المستوى السياسي في البلد" ورجح أن يكون الحزبان قد اتخذا القرار بالتوقف عن حضور أي جلسة للحكومة حتى إيجاد مخرج لتنحية القاضي بيطار.
التخوين وشيطنة الآخر
على الضفة المقابلة، يؤكد الصحافي والكاتب السياسي أسعد بشارة لـ"جسور" أن: ما حصل في الطيونة يستوجب تحقيقاً موضوعياً يبحث في كل الأحداث التي تعاقبت بسرعة، خصوصا وأن البيان الثاني الذي صدر عن الجيش كان واضحاً". كما أشار الى أن مظاهر التعبئة طغت على المشهد وأنتجت هذه الفوضى وهذا العنف في الشارع.
وقال بشارة:"إن حزب الله حين يقرر استهداف أي طرف، يعمد إلى اتهامه بالتخوين ويشيطنه، وهذا ما حصل مع القاضي طارق بيطار، إذ ترددت مواقف كثيرة على لسان مقربين من حزب الله تتهمه بالتواصل مع سفارات غربية ولقاء أطراف أجنبية وتحول الأمر إلى مهزلة كاملة." لكنه أكد أنهم لم ينجحوا في إيجاد أي دليل يدينه.
أما عن المقاربة التي يعتمدها حزب الله في ما خص أحداث الطيونة فهي تنطلق من استهداف القوات اللبنانية باعتبارها، في نظرهم، "طرفاً يمكن تحميله واتهمامه بتأجيج الفتن، في حين أن الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي من قلب التظاهرة، تثبت أنها لم تكن سلمية بل كانت لشبان، باللباس الأسود، يستعينون بالدراجات النارية في مشهد مشابه لما رآه اللبنانيون عندما كان هؤلاء الشبان وأمثالهم يُدفعون إلى ساحة الشهداء لاستهداف ثورة 17 تشرين السلمية".
بالتالي يقول بشارة إننا أمام هدفين يريد حزب الله الوصول إليهما: "أولاً خنق التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت ووضعه في الأدراج، ولهذا السبب يريد الاطاحة بالقاضي طارق بيطار.
ثانياً، شل عمل الحكومة وإفهام كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن لا سلطة لهما عليها وأنها حكومة حزب الله، تجتمع متى يشاء وتتعطل اجتماعاتها متى يشاء."
ويطرح بشارة في الختام "السؤال الكبير حول صمت كل من عون وميقاتي عما يحصل، هذا الصمت تحت عنوان الدبلوماسية وتجنب المواجهة إنما يخفي عجزاً كبيراً." وجزم بأن هذه الحكومة لن تكون قادرة على القيام بالحد الأدنى مما وعدت به في ظل إصرار حزب الله على الاطاحة بالتحقيقات في المرفأ ووضعه "معادلة إما وقف التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت أو الفوضى".
اذا، لبنان أمام مخاض جديد تختلف معطياته هذه المرة ما يطرح تساؤلات كثيرة عن الواقع السياسي اللبناني في المقبل من الايام ومدى قدرة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حديثة الولادة على الصمود في وجه التجاذبات.