بينما تعقد الأمم المتحدة اجتماعًا لإدانة القمع الذي يطال المحتجين في إيران، أعلنت منظّمة حقوقية مصرع معتقل آخر تحت التعذيب.
وكشفت منظمة "هنغاو" الكردية لحقوق الإنسان، الأربعاء، أن متظاهرًا من بلدة أشنويه غربي البلاد يدعى "سامان قادربور" (37 عامًا)، توفي على يد الأمن في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبالتزامن، أعلن طلاب جامعة "هرمزكان" جنوبي البلاد، إضرابهم عن حضور الفصول الدراسية، معتبرين أن "الصمت سيؤدي إلى مزيد من تطاول ووقاحة المسؤولين".
ونزل العديد من المواطنين في مدينة سنندج إلى الشارع، مرددين "الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.
مسألتان أساسيتان
إلى ذلك، وبحسب الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن الإيراني مسعود محمد، "الوضع في إيران اليوم شبيه بالمرحلة التي سقط فيها الشاه الإيراني، وهذه الإنتفاضة أثبتت جدّيتها، ما جعل النظام القائم في البلاد يلجأ إلى مسألتين أساسيتين: الأولى، حصر أسماء المعارضين والناشطين الإيرانيين الموجودين في الخارج، مما ينذر بتنفيذ عمليات اغتيال كالتي حصلت سابقًا، حين اغتيل الدكتور عبد الرحمن قاسملو والدكتور صادق شرف كندي ومجموعة كبيرة من المعارضين الإيرانيين، والثانية، اللجوء إلى الإعتقالات المنظمة وحصر قيادات هذه الإنتفاضة، خصوصًا الطلاب منهم، وزجهم بالسجون لفترات طويلة".
ويتابع محمد في حديث لـ"جسور"، "إضافة إلى ذلك، يعمد النظام إلى تعذيب الأشخاص الذين يعتبرهم خطيرين، ويصل الأمر إلى حد قتلهم تحت التعذيب داخل السجون"، كما حصل مع المتظاهر "سامان قادربور".
أما على مستوى الشارع، فيقول، "اليوم هناك وعي عام فيه وهو غير مستعد للتخلي عن الانتفاضة وكلما يهدأ يعود ويشتعل رغم القمع الذي يهدده، إلا إرادة إسقاط النظام لا تزال ثابتة لديه، وشعاره الأبرز هو "إسقاط الديكتاتور"، وهو سياسي ويدل على رغبة الناس بالتغيير، وكل ذلك بدأ مع المرأة الإيرانية التي رفضت أن تكون سجينة قوانين نظام تريد تغييب عقلها، فاستخدمت عقلها ليكون أداة للتحرر وتحرير إيران".
تصعيد مستمرّ
كما لفت محمد إلى أن "الدول الأجنبية هي الأكثر حرصًا اليوم على بقاء هذا النظام على رأس السلطة في إيران، خصوصًا في ظل أزمة النفط والحرب الروسية الأوكرانية، وذلك من أجل عزله عن روسيا وأخذ النفط الإيراني إلى أوروبا، وبالتالي كل الإتهامات التي طالت الشعب بأنه مُحرَّك غربيًّا واحتجاجاته تنظمها السفارات هي غير صحيحة، فالشعب يريد فعلاً إسقاط النظام، ولهذه الغاية سيستمرّ بالتصعيد".
وأشار إلى أنه "في إيران، الفرق بين الشعب والنظام، هو أن الأول يقاوم بأساليب سلمية بينما الثاني يقمع المواطنين بأسوأ أساليب ممكن أن يتخيلها الإنسان".
على مستوى آخر، أكد محمد أن "القوى السياسية المعارضة في الخارج فهمت ماذا يريد الشعب الإيراني وهي تحاول أن تلتحق به وليس العكس، ووحده من يقود الإنتفاضة اليوم، وإيران تستحق الحرية وشعبها الطيب المثقف يستحق الحياة".
احتجاجات غير مسبوقة
وتشهد إيران منذ ستة أسابيع احتجاجات غير مسبوقة منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، إثر وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول، بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبل شرطة الأخلاق التي اتهمتها بخرق قواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وحذّرت السلطات المتظاهرين الأسبوع الماضي من أنّ الوقت قد حان لإخلاء الشوارع، إنما لم تظهر أيّ مؤشرات على تراجع الاحتجاجات التي تواصلت في مناطق سكنية وشوارع رئيسية وجامعات في جميع أنحاء البلاد.
وذكرت منظمة "إيران هيومن رايتس" الحقوقية ومقرها أوسلو، أنّ الاحتجاجات أسفرت عن مقتل 160 متظاهرًا. ولقي 93 شخصًا على الأقل حتفهم في تظاهرات منفصلة اندلعت في 30 سبتمبر/أيلول في مدينة زاهدان جنوب شرق البلاد على خلفية تقارير أفادت عن تعرّض فتاة للاغتصاب من قبل مسؤول في الشرطة، بحسب المنظمة الحقوقية.
تفاقم التحدي
ويتفاقم التحدّي بالنسبة للسلطات كلما تم احياء ذكرى مرور أربعين يومًا على وفاة شخص ما في إيران جراء القمع، مع تحول مراسم الحداد إلى بؤرة احتجاج محتملة.
أوقف آلاف الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد خلال حملة قمع الاحتجاجات، حسبما أفاد ناشطون حقوقيون، بينما أعلن القضاء الإيراني أنّ ألف شخص وُجّهت إليهم اتهامات بالفعل، بشأن صلتهم بما وصفه بأنه "أعمال الشغب".
واعتُقل ما لا يقل عن 46 صحافيًا حتى الآن، وفقًا للجنة حماية الصحافيين ومقرّها نيويورك. وتعدّ الصحافية مرضية أميري آخر من تمّ اعتقاله، حسبما كتبت شقيقتها سميرة على "إنستغرام".
وقبل شهر أوقف الصحافي الإيراني وحيد شمس الدين نجاد في محافظة كردستان الإيرانية خلال تغطيته الاحتجاجات لصالح قناة "أرتي" الفرنسية-الألمانية، وفق ما أعلنت المحطة التلفزيونية.
في هذه الأثناء، يخوض الناشط البارز في مجال حرية التعبير والكاتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" حسين روناغي، الذي اعتُقل بعد وقت قصير على بدء الاحتجاجات، "إضرابًا عن الطعام وهو ليس بخير"، حسبما كتب شقيقه حسن على "تويتر" بعدما سُمح للناشط لقاء والدَيه.
وسعَت القوى العالمية إلى تشديد الضغط على إيران، مع إعلان كندا الإثنين عقوبات جديدة تستهدف الشرطة والمسؤولين القضائيين.