تحت عنوان "لا لإعادة إعمار المرفأ قبل جلاء الحقيقة"، ينظم أهالي شهداء مرفأ بيروت الأحد المقبل، تظاهرة سلميّة قرب تمثال المغترب في العاصمة اللبنانية، وذلك ردّاً على مشروع "هدم وإعادة إعمار مبنى الإهراءات"، المتضرر من جراء الإنفجار الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، مخلفاً آلاف الجرحى والمتضررين.
هذا المشروع حمله وزير الاقتصاد والتجارة في الحكومة اللبنانية أمين سلام، معلناً عن تكليف لجنة من وزارات العدل والأشغال والاقتصاد، لتقديم تقرير في نهاية شهر فبراير/ شباط لتحديد الجهة التي ستقوم بهذه المهمة.
وقال سلام: "سيتمّ إجراء مناقصة لاختيار الشركة التي تتولّى عملية هدم الاهراءات في مرفأ بيروت، لأنّها باتت خطيرة جدّاً وآيلة إلى السقوط، إذ يمكن أن تنهار إذا ما هبّت عاصفة قويّة".
وتابع: "نحن اليوم من دون أهراءات مرفأ بيروت، ليس لدينا مخزون احتياطيّ من القمح في لبنان، وبالتالي موضوع الاهراءات هو موضوع مرفأ حيويّ وضروريّ جدًّا للأمن الغذائيّ في لبنان".
إلّا أن تصريح الوزير أثار حفيظة الكثيرين، لا سيّما أهالي الشهداء الذين اعتبروا أنه "بتلك الخطوة، تحاول الدولة إخفاء آثار الجريمة، ومساعدة الناس على نسيان ما حصل".
وصمة عار
من جهته، أكد وليم نون، شقيق أحد ضحايا الانفجار جو نون، في حديث لـ"جسور"، أن "كل ما نطالب به هو إبقاء هذه الإهراءات المتضررة من دون ترميم، أقله حتى صدور القرار الظني، لأن ذاكرة الناس ضعيفة، فكيف إن أزلنا كل مشاهد الدمار التي تذكرنا بالجريمة التي حصلت؟".
وقال: "سألنا المعنيين عن حقيقة ميَلان الإهراءات وتبيّن أن ذلك غير صحيح، وهي حجّة تستخدمها السلطة، لإزالة وصمة العار هذه عن جبينها". وأضاف: "في وقت كانت ولا زالت السلطة تُعرقل فيه أعمال القضاء، لم نعارض عودة الأعمال في المرفأ وترميم المعابر المحيطة به، من هنا فعرقلتنا لإعادة إعمار هذه الإهراءات لتبقى ذكرى لـ4 أغسطس/ آب ودعوتنا لتبني السلطة إهراءات جديدة في مكان آخر من المرفأ هي أقل واجب".
على صعيد آخر، كشف نون أن "مستشار رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يحاول تدبير لقاء بين ميقاتي وبين الأهالي لتبرير ما حصل، ولكن التحرك سيبقى مستمرّاً وسيكون سلميّاً".
وتوقع أن يستمرّ المحقق العدلي في قضية الإنفجار طارق البيطار في مهامه لأنه لم يخالف القانون، لكن بالطبع سيعاود المتهمون في السلطة تصعيدهم لعرقلة وصولنا إلى الحقيقة".
جريمة أخرى
بدورها، شددت أنطونيلا حتي، وهي شقيقة أحد الضحايا نجيب حتي، في حديث لـ"جسور"، على أنه "ممنوع دق مسمار واحد في المرفأ قبل معرفة حقيقة ما حصل، ومرّ عام ونصف العام ونحن نطالب بذلك، لأن إخفاء الأدلة هو جريمة أخرى".
ولفتت إلى أن "الفجوة في الإهراءات التي نتجت عن الإنفجار ستبقى تذكر الناس بهذه المجزرة، وربما أشلاء ودماء أخواتنا الذين تمّ دفنهم مرتين، لا زالت موجودة تحت هذه الإهراءات... أقله احتراماً لبزة فوج الإطفاء التي احترقت في هذه البقعة من المرفأ".
وقالت حتي: "البيطار أصدر مذكرة بمنع الإقتراب من مسرح الجريمة قبل صدور القرار الظني، ولكنهم حتماً سيجدون مخرجاً لهذه المذكرة، كما فعلوا في مذكرات التوقيف، والمؤسف أنهم بدأوا يبحثون عن مناقصات وسرقات للإستفادة على ظهر أخواتنا الشهداء".
وتابعت: "المجرم ارتكب الجريمة وها هو يخبئ الأدلة بإعادة إعمار الخراب، لكننا سنقف الأحد حيثُ وقف أخواننا ونذكر الناس بأنهم من هنا انطلقوا للدفاع عن الجميع".
مَيَلان يومي
في المقلب الآخر، يشرح مدير عام الحبوب والشمندر السكّريّ في وزارة الاقتصاد اللبنانية، جريس برباري، في حديث صحفي، أنّ "كون الأهراءات مهدَّمة، لا تدخل مداخيل إلى الدولة، فأساسات الأهراءات انكسرت وتضعضعت وتحرّكت من مكانها وفق الخبراء، وأصبحت في مرحلة غير قابلة لتعبئة القمح فيها وتخزينها".
ويشير برباري إلى أنه "بسبب الأمطار، تتعرّض هذه الاهراءات التي تملكها الدولة، وبالتالي مداخيلها للدولة، إلى مَيَلان يوميّ، وقد تسلّمت إدارتها واستثمارها شركة معيّنة، ولا يزال موظفو هذه الشركة يتقاضون رواتبهم لكن دون مدخول".
ويضيف: "منذ الانفجار لا عدّة لتصليح آلات تفريغ القمح وسواها، فهي معطّلة، ولا أماكن لتخزين القمح ونحن مضطرّون لحلّ هذه المشكلة لإدخال مداخيل إلى الدولة، وحتى الآن، المستوردون يفرّغون الحبوب في المطاحن، ما يعني أنّ مداخيلنا أيضاً توقّفت، بينما كنّا نترك مخزون القمح لثلاثة أشهر مقبلة في الاهراءات، وندفع مقابل بدل التخزين".
يُذكر أنه في الرابع من أغسطس/ آب 2020، هزّ إنفجار ضخم بيروت، بعد أن استهدف مرفأ العاصمة، ما أدّى إلى مقتل 207 أشخاص وجرح 6000 آخرين، وحتى اليوم، لم تندمل جروح العائلات اللبنانية التي فقدت ذويها فيه.
ورغم الوعود التي قطعتها الحكومة آنذاك بنشر نتائج التحقيق في هذا الحادث في غضون أيام قليلة فقط بعد الحادثة، إلا أن الملابسات والأسباب الحقيقية التي أدت إلى الانفجار لا تزال غير معروفة.