مع انهيار القيمة الشرائية للعملة اللبنانية، تداعت فعالية الميزانيات الحكومية المرصودة للسجون، وانخفضت معها كميات الطعام اليومية، وتبدلت نوعيته نحو الأسوأ، ودخلت الأزمة مرحلة جديدة أشد خطورة بعد تعذّر تأمين علاج الكثيرين من السجناء المرضى الذين يموتون في زنزاناتهم بسبب نقص العناية الصحية.
ليست المرة الأولى التي تُثار فيها قضية السجون اللبنانية، من زاوية الفوضى والمساس بحقوق الإنسان، ولكن هذه المرة عادت إلى العلن من الزاوية الصحية، فالأوضاع في سجون لبنان وصلت إلى الحضيض، بدءًا بفيروس كورونا وصولًا إلى المحنة الاقتصادية العامة في البلاد، مما أدى حكما إلى انعدام تأمين العلاج لكثيرين من السجناء وانقطاع الأدوية.
"مأساة حقيقية"
يتعامل سجناء لبنان مع أوضاعهم المأسوية كقضية حياة أو موت، لا يوفرون جهداً في الاحتجاج والتعبير داخل السجن، والاستغاثة بكل ما ومن هو خارجه، من منظمات إنسانية وحقوقية إلى جمعيات خيرية ودينية ووسائل إعلامية، وصولاً إلى إصدار البيانات وتصويرها، من أجل لفت النظر إلى أحوالهم التي تتراجع في سلم أولويات بلادٍ تعاني من أسوأ أزمة سياسية اجتماعية واقتصادية في تاريخها، علماً أن السجون لم تكن يوما أولوية للدولة اللبنانية في أفضل أيامها.
عن هذا الشأن، تحدث مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي محمد صبلوح لـ"جسور"، مؤكدا أن "مشكلات السجن مستمرة من دون حلول، وفي مقدمتها الاكتظاظ وتحديدا في سجن "رومية" (منطقة المتن، شمال شرق بيروت)، الذي بلغ أخيرا مستويات غير مسبوقة، فضلا عن غلاء أسعار السلع في الحانوت الداخلي للسجن، والنقص في الغذاء الذي يقدّم إلى السجناء والحرس وضعف النظافة الشخصية والصحية".
وأكد صبلوح في حديثه لـ"جسور" أنّ "ما يحصل أكبر من معاناة وهو مأساة حقيقية باعتبار أن السجناء المرضى يموتون داخل زنزاناتهم، وقد تخطى عددهم الــ7 الشهر الماضي نتيجة تأخر حصولهم على العلاج المناسب".
ويلفت إلى أن "الجهود التي تُبذل اليوم هي لجمع تبرعات للسجناء المرضى لدفع الفروقات المطلوبة في المستشفيات"، مشدداً على "وجوب استحداث مستشفى ميداني في السجون المركزية كسجن رومية، الذي يستقبل أكثر من ثلاثة آلاف سجين"، مضيفاً: "صحة هؤلاء وتأمين طبابتهم ليست مسؤولية وزارة الداخلية وحدها إنما وبشكل أساسي مسؤولية وزارة الصحة".
إهمال طبي!
وزارة الصحة اللبنانية لا تشرف على الأمن الصحي والحاجات الاستشفائية للسجناء، وإنما تقع هذه المسؤولية على عاتق وزارتي الداخلية والدفاع، بحسب ما يؤكد صبلوح، وبالتالي "سجن رومية الذي يضم اليوم نحو 4000 سجين لا يضم مستشفى ميداني للحالات الطارئة التي قد تقع عليهم، ليس هناك أطباء يتناوبون بشكل مستمر، بدليل أن لدي موكل توفى منذ نحو سنتين بسبب ذبحة قلبية، بعد أن انتظر لـ 45 دقيقة وصول الطبيب من خارج السجن وخضوعه للتفتيش ومعاملات إخراج السجين الذي توفي في النهاية على مدخل المستشفى".
ويستشهد صبلوح بحادثة مماثلة، حصلت منذ مدة حيث "توفى سجين في سجن رومية أيضاً، بسبب تشخيص خاطئ من طبيب السجن بأنه يعاني من انتفاخ في المعدة، وبعدما اشتدت حالته حولوه لإجراء تخطيط للقلب، ليكتشفوا أن جهاز التخطيط في السجن معطل، وإلى أن اخرجوه إلى المستشفى كان أيضاً قد فارق الحياة، إلى هذا الحد يصل الاستهتار".
الاكتظاظ
وتتفق الجهات المتابعة لملف السجون على أن أي حل يجب أن ينطلق من معالجة الاكتظاظ الكبير في السجون، فمثلاً سجن رومية الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 1050 سجيناً، يضم اليوم قرابة الـ 4000 سجين، في حين أن 45٪ من سجناء لبنان من الموقوفين غير المحاكمين.
ويؤكد صبلوح أن "الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تعط أولوية للسجون، وهذا ما انتج الوضع المأساوي القائم اليوم، لاسيما لناحية الاكتظاظ وبطء المحاكمات، حيث أن هناك مساجين يقبعون منذ سنوات طويلة من دون محاكمة نتيجة إهمال الدولة، وأخيرا بات مصير الموقوفين معلق على توفر المحروقات لسوقهم إلى المحاكمات، ما زاد من التأخير وفاقم الاكتظاظ".
ما يجري اليوم داخل السجون مظلومية كبيرة وحرمان للسجين من أبسط حقوقه الإنسانية، بحسب صبلوح، فبينما يخضع السجين للقانون ويحاسب على أساسه، "الدولة في المقابل لا تقوم بواجبها تجاهه ولا تعطيه حقوقه، السلطات اللبنانية مجتمعة ترتكب جريمة بحق الإنسانية في معاملة هؤلاء السجناء".
ويأمل صبلوح في أن تحظى السجون باهتمام المسؤولين المعنيين ويتم اعتبارها من الأولويات، من خلال وضع الخطط والسياسات التشريعية والقضائية والإدارية والمالية لإصلاحها ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان فيها.
مستشفى ميداني
من جهته، تساءل رئيس التجمع الطبي الاجتماعي اللبناني وممثل الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية في لبنان البروفسور رائف رضا في وقت سابق، عن "حقيقة وفاة 7 سجناء، بسبب عدم حصولهم على الدواء والعلاج إضافة الى حالات جرب في السجون مما يشكل خطر انتقال العدوى الى الآخرين".
وطالب التجمع وزارة الصحة، "التي يتبع لها النظام الصحي في لبنان، بإنشاء مستشفى ميداني للسجناء، الذين يجب أن يعاملوا كمواطنين ينطبق عليهم حق الرعاية والطبابة والاستشفاء وتأمين الدواء"، كما طالب بـ"تشكيل لجنة طبية طارئة لتبيان حقيقة ما يجري في السجون".
ويبلغ عدد السجون اللبنانية 25 سجناً تضمّ بحسب إحصاء حديث 6989 سجيناً، موزعين ما بين 5391 في سجن رومية المركزي والسجون الأخرى، و1598 موقوفاً في النظارات وقصور العدل وأماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي، واللافت أن 40 في المائة من السجناء في لبنان هم من غير اللبنانيين.
ويشكو مسؤولون عن السجون عدم تجاوب "الأونروا" و"مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" مع طلبات رسمية لمساعدة السجناء السوريين والفلسطينيين، مما يعني أنّ معاناة المساجين ستبقى في لبنان كبيرة، تعبّر عنها بين الحين والآخر اعتصامات وأعمال شغب وفرار، وتشطيب للجسد بواسطة الأدوات الحادة.
ليست المرة الأولى التي تُثار فيها قضية السجون اللبنانية، من زاوية الفوضى والمساس بحقوق الإنسان، ولكن هذه المرة عادت إلى العلن من الزاوية الصحية، فالأوضاع في سجون لبنان وصلت إلى الحضيض، بدءًا بفيروس كورونا وصولًا إلى المحنة الاقتصادية العامة في البلاد، مما أدى حكما إلى انعدام تأمين العلاج لكثيرين من السجناء وانقطاع الأدوية.
"مأساة حقيقية"
يتعامل سجناء لبنان مع أوضاعهم المأسوية كقضية حياة أو موت، لا يوفرون جهداً في الاحتجاج والتعبير داخل السجن، والاستغاثة بكل ما ومن هو خارجه، من منظمات إنسانية وحقوقية إلى جمعيات خيرية ودينية ووسائل إعلامية، وصولاً إلى إصدار البيانات وتصويرها، من أجل لفت النظر إلى أحوالهم التي تتراجع في سلم أولويات بلادٍ تعاني من أسوأ أزمة سياسية اجتماعية واقتصادية في تاريخها، علماً أن السجون لم تكن يوما أولوية للدولة اللبنانية في أفضل أيامها.
عن هذا الشأن، تحدث مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي محمد صبلوح لـ"جسور"، مؤكدا أن "مشكلات السجن مستمرة من دون حلول، وفي مقدمتها الاكتظاظ وتحديدا في سجن "رومية" (منطقة المتن، شمال شرق بيروت)، الذي بلغ أخيرا مستويات غير مسبوقة، فضلا عن غلاء أسعار السلع في الحانوت الداخلي للسجن، والنقص في الغذاء الذي يقدّم إلى السجناء والحرس وضعف النظافة الشخصية والصحية".
وأكد صبلوح في حديثه لـ"جسور" أنّ "ما يحصل أكبر من معاناة وهو مأساة حقيقية باعتبار أن السجناء المرضى يموتون داخل زنزاناتهم، وقد تخطى عددهم الــ7 الشهر الماضي نتيجة تأخر حصولهم على العلاج المناسب".
ويلفت إلى أن "الجهود التي تُبذل اليوم هي لجمع تبرعات للسجناء المرضى لدفع الفروقات المطلوبة في المستشفيات"، مشدداً على "وجوب استحداث مستشفى ميداني في السجون المركزية كسجن رومية، الذي يستقبل أكثر من ثلاثة آلاف سجين"، مضيفاً: "صحة هؤلاء وتأمين طبابتهم ليست مسؤولية وزارة الداخلية وحدها إنما وبشكل أساسي مسؤولية وزارة الصحة".
إهمال طبي!
وزارة الصحة اللبنانية لا تشرف على الأمن الصحي والحاجات الاستشفائية للسجناء، وإنما تقع هذه المسؤولية على عاتق وزارتي الداخلية والدفاع، بحسب ما يؤكد صبلوح، وبالتالي "سجن رومية الذي يضم اليوم نحو 4000 سجين لا يضم مستشفى ميداني للحالات الطارئة التي قد تقع عليهم، ليس هناك أطباء يتناوبون بشكل مستمر، بدليل أن لدي موكل توفى منذ نحو سنتين بسبب ذبحة قلبية، بعد أن انتظر لـ 45 دقيقة وصول الطبيب من خارج السجن وخضوعه للتفتيش ومعاملات إخراج السجين الذي توفي في النهاية على مدخل المستشفى".
ويستشهد صبلوح بحادثة مماثلة، حصلت منذ مدة حيث "توفى سجين في سجن رومية أيضاً، بسبب تشخيص خاطئ من طبيب السجن بأنه يعاني من انتفاخ في المعدة، وبعدما اشتدت حالته حولوه لإجراء تخطيط للقلب، ليكتشفوا أن جهاز التخطيط في السجن معطل، وإلى أن اخرجوه إلى المستشفى كان أيضاً قد فارق الحياة، إلى هذا الحد يصل الاستهتار".
الاكتظاظ
وتتفق الجهات المتابعة لملف السجون على أن أي حل يجب أن ينطلق من معالجة الاكتظاظ الكبير في السجون، فمثلاً سجن رومية الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 1050 سجيناً، يضم اليوم قرابة الـ 4000 سجين، في حين أن 45٪ من سجناء لبنان من الموقوفين غير المحاكمين.
ويؤكد صبلوح أن "الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تعط أولوية للسجون، وهذا ما انتج الوضع المأساوي القائم اليوم، لاسيما لناحية الاكتظاظ وبطء المحاكمات، حيث أن هناك مساجين يقبعون منذ سنوات طويلة من دون محاكمة نتيجة إهمال الدولة، وأخيرا بات مصير الموقوفين معلق على توفر المحروقات لسوقهم إلى المحاكمات، ما زاد من التأخير وفاقم الاكتظاظ".
ما يجري اليوم داخل السجون مظلومية كبيرة وحرمان للسجين من أبسط حقوقه الإنسانية، بحسب صبلوح، فبينما يخضع السجين للقانون ويحاسب على أساسه، "الدولة في المقابل لا تقوم بواجبها تجاهه ولا تعطيه حقوقه، السلطات اللبنانية مجتمعة ترتكب جريمة بحق الإنسانية في معاملة هؤلاء السجناء".
ويأمل صبلوح في أن تحظى السجون باهتمام المسؤولين المعنيين ويتم اعتبارها من الأولويات، من خلال وضع الخطط والسياسات التشريعية والقضائية والإدارية والمالية لإصلاحها ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان فيها.
مستشفى ميداني
من جهته، تساءل رئيس التجمع الطبي الاجتماعي اللبناني وممثل الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية في لبنان البروفسور رائف رضا في وقت سابق، عن "حقيقة وفاة 7 سجناء، بسبب عدم حصولهم على الدواء والعلاج إضافة الى حالات جرب في السجون مما يشكل خطر انتقال العدوى الى الآخرين".
وطالب التجمع وزارة الصحة، "التي يتبع لها النظام الصحي في لبنان، بإنشاء مستشفى ميداني للسجناء، الذين يجب أن يعاملوا كمواطنين ينطبق عليهم حق الرعاية والطبابة والاستشفاء وتأمين الدواء"، كما طالب بـ"تشكيل لجنة طبية طارئة لتبيان حقيقة ما يجري في السجون".
ويبلغ عدد السجون اللبنانية 25 سجناً تضمّ بحسب إحصاء حديث 6989 سجيناً، موزعين ما بين 5391 في سجن رومية المركزي والسجون الأخرى، و1598 موقوفاً في النظارات وقصور العدل وأماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي، واللافت أن 40 في المائة من السجناء في لبنان هم من غير اللبنانيين.
ويشكو مسؤولون عن السجون عدم تجاوب "الأونروا" و"مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" مع طلبات رسمية لمساعدة السجناء السوريين والفلسطينيين، مما يعني أنّ معاناة المساجين ستبقى في لبنان كبيرة، تعبّر عنها بين الحين والآخر اعتصامات وأعمال شغب وفرار، وتشطيب للجسد بواسطة الأدوات الحادة.