بعد عقود على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبعد بلوغ الأزمة الاقتصادية ذروتها، تشهد سوق تجارة الأسلحة في لبنان نشاطًا لافتًا بخلاف سائر القطاعات التجارية؛ مما يطرح علامات استفهام كبيرة حول اقتناع اللبنانيين بالمظلة الأمنية للدولة، ومدى تخطيهم لسنوات الحرب المشؤومة ومعارك الشوارع وخطوط التماس.
تشهد سوق تجارة الأسلحة في لبنان نشاطاً لافتًا، بعكس سائر القطاعات التجارية التي تسجل ركوداً وتراجعًا. إذ أشارت الأرقام الدولية والمحلية إلى وجود أكثر من مليوني قطعة سلاح بين أيدي اللبنانيين وفي منازلهم.
تجارة السلاح لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، بل على العكس شهدت إزدهارًا نسبةً إلى الخلافات السياسية وانفلات الأمان الذي يُعاني منه لبنان. فامتلاك السلاح الفردي ظاهرة شائعة في البلد الصغير، وأمام كل خضة أمنية أو سياسية، يتّخذ اللبناني وضعية الدفاع عن النفس، ويهرع لشراء الأسلحة الفردية الصغيرة أو حتى المتوسطة.
هي سنوات قاسية يعيشها اللبنانيون، خوفهم يتعمّق يومياً على مصير بلدهم، وقلقهم يزداد من إمكانية تجدد المعارك والحرب، أو حتى من احتمال ارتفاع السرقات والجرائم أكثر توازياً مع الانهيار الاقتصادي.
وكانت الشركة "الدولية للمعلومات"، للدراسات الإحصائية في لبنان، أوردت أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، ازدادت معدلات الجريمة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، بنسبٍ مخيفة، إذ قفز معدل جرائم القتل الى 101 بالمئة (من 89 جريمة قتل إلى 179).
"كله بيشتري"
يعتقد البعض، نظرًا للأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها لبنان، أن سوق شراء الأسلحة تشهد تراجعًا وأن عملية شراء السلاح تقتصر فقط على المقتدرين ماديًا أو الأغنياء.
أحد تجار الأسلحة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد في حديث خاص لـ "جسور"، أن "كل لبناني يقتني في منزله سلاحًا فرديًا". وهذا أمر معروف حتى من الجهات الأمنية. لكن التاجر، يُضيف: "شراء الأسلحة لا يهمه غني أو فقير لأن كله بيشتري. الفرق يكمن فقط بنوع القطعة، هناك من يعمد إلى شراء مسدس أو كلاشنكوف للحماية الشخصية، وهناك من يهوى شراء الاسلحة فيقوم بشراء مسدسات متطورة أكثر، قناصات، قذائف آر بي جي أو أنواع أخرى من القاذفات الصاروخية". رغم أن هذه الأسلحة، بطبيعة الحال، محرّم امتلاكها من المدنيين.
التاجر، مثل أي تاجر يُدافع عن مهنته، أضاف أن "الخوف من انقلاب القبضة الأمنية لأجهزة الدولة في أي وقت، ستجعل من كل لبناني مكشوف أمنيًا وبحاجة للدفاع عن نفسه لذلك يلجأ الى شراء السلاح تحسبًا لأي طارئ، شو بينفعه شراء الأكل والشرب إذا فلت الوضع؟".
تجارة مزدهرة
ويرى التاجر في حديثه لـ "جسور"، أن "تجارة السلاح ازدهرت في السنوات الأخيرة وبمراحل معينة، مثلًا بعد إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005، وتزامنًا مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كذلك نشطت مع حركة سحب اللبنانين لودائعهم من المصارف الى منازلهم، أي مع بدء الأزمة المصرفية والمالية قبل عامين، وصولًا الى حوادث خلدة في أغسطس/آب الماضي، وحوداث الطيونة في اكتوبر/تشرين الاول من العام الجاري".
من المعلوم، أن شراء السلاح يتم بالدولار الأميركي مما يطرح تساؤلات حول مصدر العملة الصعبة لشراء الأسلحة وأولوية اللبنانيين في ظل هذه الازمة، يجزم التاجر أن "شراء السلاح مرتبط مباشرة بالأوضاع الأمنية في البلاد فبظل أزمة الثقة بين المواطنين والدولة وعدم قدرتها على حماية الناس، بالطبع سيلجأ كل شخص لشراء قطعة سلاح لحماية عائلته ونفسه".
مصادر السلاح
تعتبر السوق السوداء مصدر شراء الاسلحة في لبنان بنسبة 98 بالمئة، إذ لا يجوز قانونيًا لأي تاجر أن يستورد السلاح إلى لبنان، إلا للقوى المسلحة فقط، وبالتالي فإن كل الأسلحة غير الشرعية آتية من مصادر وأسواق غير شرعية ومعابر غير شرعية.
يحدثنا التاجر عن تلك الأسواق، ويقول: "دخول الأسلحة يتم من خلال معابر غير شرعية بطبيعة الحال، خاصةً في عكار في الشمال والبقاع". وأضاف "الطلب كثيف على الأسلحة الفردية والخفيفة أكثر من المتوسطة والغرض منها الحماية الشخصية فقط".
وأضاف التاجر "أغلبية الأسلحة المتواجدة في السوق روسية وأميركية الصنع". وعن شراء الذخيرة يفيد بأن "سوقها لم تكن نشِطة نسبةً لحركة شراء الاسلحة، إذ ان الحماية الشخصية تقتضي كمية معينة ومحدودة للدفاع عن النفس وليس بحاجة الى كميات هائلة من الذخيرة لسنوات أو أشهر".
وعن قطع السلاح الأكثر طلبًا في السوق، يجيب "الكلاشنكوف يعتبر من أكثر قطع السلاح المعتمدة في الحماية الشخصية ويتراوح سعره بين 700 دولار أميركي وصولًا الى 1500 دولار. أما المسدسات الأكثر طلبًا والأغلى ثمناً هو مسدس نوع "غلوك" الذي يتراوح ثمنه بين 2500 و 4000 دولار، في حين تتراوح أسعار المسدسات التشيكية بين 1300 و2000 دولار".
الثاني عربيًا
أشار موقع "مراقبة الأسلحة الصغيرة" السويسري الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، إلى وجود 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان. مما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح يٌقدّر بـ 1.927 مليون قطعة لعدد السكان الذي يقدر بنحو 6.7 ملايين نسمة.
مما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربيًا بعد اليمن، والتاسع عالميًا، في عدد قطع السلاح الفردي، ويتفوق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة.
يذكر أنه وبناءً على قانون حيازة الاسلحة والذخائر والاعتدة وحملها في لبنان، المادة 37 منه، يحظر على التاجر أو صاحب المصنع أن يبيع أو يعطي أحدًا معدات أو أسلحة او ذخائر من الفئات الأربع الأولى (المخصصة للسلاح الفردي)، قبل أن يتأكد من أن صاحب العلاقة يحمل إجازة قانونية تخوّله ذلك. ولهذه الغاية يُعطى الطالب إجازة موقتة يذكر فيها انه مأذون له بالحصول على أعتدة وأسلحة وذخائر، ويحدد عدد كل منها ويبرزها إلى صاحب المصنع أو المتجر، الذي يدون في الحقل الأبيض المتروك فيها لهذه الغاية، نوع السلاح المعد للبيع ورقمه ونموذجه، مع أنواع الذخائر العائدة له ثم يوقعها ويختمها بختم المحل التجاري. كما لا يسلم السلاح والذخائر إلى صاحب العلاقة قبل الحصول على الاجازة النهائية.
هذا قانوناً، أما واقعاً فالوضع مختلف، والرخص القانونية لحمل السلاح كانت على مرّ السنوات خاضعة للمحاصصة والأهواء السياسية للوزراء المعنيين في لبنان. وبيع الأسلحة وشراؤها يخضعان للسوق السوداء، مثل الكثير من السلع في لبنان، لكن الفارق أن السلاح سلعةٌ يعتقد من يشترونها أنهم يحمون بها أنفسهم، بينما هم قادرون من خلاها على قتل مجتمع كامل.
تشهد سوق تجارة الأسلحة في لبنان نشاطاً لافتًا، بعكس سائر القطاعات التجارية التي تسجل ركوداً وتراجعًا. إذ أشارت الأرقام الدولية والمحلية إلى وجود أكثر من مليوني قطعة سلاح بين أيدي اللبنانيين وفي منازلهم.
تجارة السلاح لم تتوقف طيلة السنوات الماضية، بل على العكس شهدت إزدهارًا نسبةً إلى الخلافات السياسية وانفلات الأمان الذي يُعاني منه لبنان. فامتلاك السلاح الفردي ظاهرة شائعة في البلد الصغير، وأمام كل خضة أمنية أو سياسية، يتّخذ اللبناني وضعية الدفاع عن النفس، ويهرع لشراء الأسلحة الفردية الصغيرة أو حتى المتوسطة.
هي سنوات قاسية يعيشها اللبنانيون، خوفهم يتعمّق يومياً على مصير بلدهم، وقلقهم يزداد من إمكانية تجدد المعارك والحرب، أو حتى من احتمال ارتفاع السرقات والجرائم أكثر توازياً مع الانهيار الاقتصادي.
وكانت الشركة "الدولية للمعلومات"، للدراسات الإحصائية في لبنان، أوردت أنه خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2021، ازدادت معدلات الجريمة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019، بنسبٍ مخيفة، إذ قفز معدل جرائم القتل الى 101 بالمئة (من 89 جريمة قتل إلى 179).
"كله بيشتري"
يعتقد البعض، نظرًا للأزمة الاقتصادية التي يغرق فيها لبنان، أن سوق شراء الأسلحة تشهد تراجعًا وأن عملية شراء السلاح تقتصر فقط على المقتدرين ماديًا أو الأغنياء.
أحد تجار الأسلحة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد في حديث خاص لـ "جسور"، أن "كل لبناني يقتني في منزله سلاحًا فرديًا". وهذا أمر معروف حتى من الجهات الأمنية. لكن التاجر، يُضيف: "شراء الأسلحة لا يهمه غني أو فقير لأن كله بيشتري. الفرق يكمن فقط بنوع القطعة، هناك من يعمد إلى شراء مسدس أو كلاشنكوف للحماية الشخصية، وهناك من يهوى شراء الاسلحة فيقوم بشراء مسدسات متطورة أكثر، قناصات، قذائف آر بي جي أو أنواع أخرى من القاذفات الصاروخية". رغم أن هذه الأسلحة، بطبيعة الحال، محرّم امتلاكها من المدنيين.
التاجر، مثل أي تاجر يُدافع عن مهنته، أضاف أن "الخوف من انقلاب القبضة الأمنية لأجهزة الدولة في أي وقت، ستجعل من كل لبناني مكشوف أمنيًا وبحاجة للدفاع عن نفسه لذلك يلجأ الى شراء السلاح تحسبًا لأي طارئ، شو بينفعه شراء الأكل والشرب إذا فلت الوضع؟".
تجارة مزدهرة
ويرى التاجر في حديثه لـ "جسور"، أن "تجارة السلاح ازدهرت في السنوات الأخيرة وبمراحل معينة، مثلًا بعد إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005، وتزامنًا مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كذلك نشطت مع حركة سحب اللبنانين لودائعهم من المصارف الى منازلهم، أي مع بدء الأزمة المصرفية والمالية قبل عامين، وصولًا الى حوادث خلدة في أغسطس/آب الماضي، وحوداث الطيونة في اكتوبر/تشرين الاول من العام الجاري".
من المعلوم، أن شراء السلاح يتم بالدولار الأميركي مما يطرح تساؤلات حول مصدر العملة الصعبة لشراء الأسلحة وأولوية اللبنانيين في ظل هذه الازمة، يجزم التاجر أن "شراء السلاح مرتبط مباشرة بالأوضاع الأمنية في البلاد فبظل أزمة الثقة بين المواطنين والدولة وعدم قدرتها على حماية الناس، بالطبع سيلجأ كل شخص لشراء قطعة سلاح لحماية عائلته ونفسه".
مصادر السلاح
تعتبر السوق السوداء مصدر شراء الاسلحة في لبنان بنسبة 98 بالمئة، إذ لا يجوز قانونيًا لأي تاجر أن يستورد السلاح إلى لبنان، إلا للقوى المسلحة فقط، وبالتالي فإن كل الأسلحة غير الشرعية آتية من مصادر وأسواق غير شرعية ومعابر غير شرعية.
يحدثنا التاجر عن تلك الأسواق، ويقول: "دخول الأسلحة يتم من خلال معابر غير شرعية بطبيعة الحال، خاصةً في عكار في الشمال والبقاع". وأضاف "الطلب كثيف على الأسلحة الفردية والخفيفة أكثر من المتوسطة والغرض منها الحماية الشخصية فقط".
وأضاف التاجر "أغلبية الأسلحة المتواجدة في السوق روسية وأميركية الصنع". وعن شراء الذخيرة يفيد بأن "سوقها لم تكن نشِطة نسبةً لحركة شراء الاسلحة، إذ ان الحماية الشخصية تقتضي كمية معينة ومحدودة للدفاع عن النفس وليس بحاجة الى كميات هائلة من الذخيرة لسنوات أو أشهر".
وعن قطع السلاح الأكثر طلبًا في السوق، يجيب "الكلاشنكوف يعتبر من أكثر قطع السلاح المعتمدة في الحماية الشخصية ويتراوح سعره بين 700 دولار أميركي وصولًا الى 1500 دولار. أما المسدسات الأكثر طلبًا والأغلى ثمناً هو مسدس نوع "غلوك" الذي يتراوح ثمنه بين 2500 و 4000 دولار، في حين تتراوح أسعار المسدسات التشيكية بين 1300 و2000 دولار".
الثاني عربيًا
أشار موقع "مراقبة الأسلحة الصغيرة" السويسري الناشط في مجال رصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، إلى وجود 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان. مما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح يٌقدّر بـ 1.927 مليون قطعة لعدد السكان الذي يقدر بنحو 6.7 ملايين نسمة.
مما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربيًا بعد اليمن، والتاسع عالميًا، في عدد قطع السلاح الفردي، ويتفوق حتى على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ 20 سنة.
يذكر أنه وبناءً على قانون حيازة الاسلحة والذخائر والاعتدة وحملها في لبنان، المادة 37 منه، يحظر على التاجر أو صاحب المصنع أن يبيع أو يعطي أحدًا معدات أو أسلحة او ذخائر من الفئات الأربع الأولى (المخصصة للسلاح الفردي)، قبل أن يتأكد من أن صاحب العلاقة يحمل إجازة قانونية تخوّله ذلك. ولهذه الغاية يُعطى الطالب إجازة موقتة يذكر فيها انه مأذون له بالحصول على أعتدة وأسلحة وذخائر، ويحدد عدد كل منها ويبرزها إلى صاحب المصنع أو المتجر، الذي يدون في الحقل الأبيض المتروك فيها لهذه الغاية، نوع السلاح المعد للبيع ورقمه ونموذجه، مع أنواع الذخائر العائدة له ثم يوقعها ويختمها بختم المحل التجاري. كما لا يسلم السلاح والذخائر إلى صاحب العلاقة قبل الحصول على الاجازة النهائية.
هذا قانوناً، أما واقعاً فالوضع مختلف، والرخص القانونية لحمل السلاح كانت على مرّ السنوات خاضعة للمحاصصة والأهواء السياسية للوزراء المعنيين في لبنان. وبيع الأسلحة وشراؤها يخضعان للسوق السوداء، مثل الكثير من السلع في لبنان، لكن الفارق أن السلاح سلعةٌ يعتقد من يشترونها أنهم يحمون بها أنفسهم، بينما هم قادرون من خلاها على قتل مجتمع كامل.