كتب ناجي يونس في جسور:
في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 اغتيل رئيس الجمهورية رنيه معوض في ذكرى عيد الاستقلال في لبنان على مسافة قصيرة من مقر رئاسة الحكومة في الصنائع/ بيروت الذي تشغله وزارة الداخلية في الوقت الراهن.
وحتى اليوم لم يتوصل التحقيق امام القضاء اللبناني الى كشف الجهة التي تقف وراء هذا الاغتيال...مع ان اصابع الاتهام وجهت الى النظام السوري.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 اغتيل وزير الصناعة اللبناني النائب بيار الجميل والقيادي الكتائبي الشاب في وضح النهار في جديدة المتن.
وبعد مرور 16 عاما لم يتقدم التحقيق قيد انملة وها هو المحقق الذي احيلت اليه هذه القضية اخيرا القاضي فادي عنيسي قد استقال من سلك القضاء اللبناني...الا ان اصابع الاتهام وجهت كذلك الى النظام الامني اللبناني السوري.
معوض شهيد الطائف والاستقلال
ولا يمكن فصل سلسلة الاغتيالات والجريمة السياسية في لبنان عن القرار بتصفية كل من حسم خياره بمواجهة المتسلطين وقمع الحريات والانتفاضة على الاحتلالات...وها هو قدر الرئيس معوض ان يستشهد يوم عيد الاستقلال الاول والوزير الجميل عشية الاستقلال الاول وبعد اقل من عامين على الانسحاب السوري من لبنان وتحقق الاستقلال الثاني يوم 14 مارس/آذار 2005.
وتشير اوساط مطلعة الى ان اغتيال معوض شكل ضربة كبرى لمسار اتفاق الطائف وانقاذ لبنان من اتون الحرب وبراثن الميليشيات والاحتلالات من كل حدب وصوب ونقله الى رحاب طي صفحة الحرب وتوحيد الوطن واحياء ميثاقه وديمقراطيته الفريدة في العالم العربي والشرق الاوسط وعيشه المشترك على اساس مشروع الدولة الحرة السيدة والمستقلة.
وتؤكد الاوساط لـ"جسور" ان معوض شهيد الطائف والاستقلال كان سيشكل رأس حربة في عبور لبنان وشعبه الى الوفاق الداخلي وعودة الوطن الى الوطن واطلاق مسار بداية استعادته سيادته واستقلاله وقراره الحر...الا ان اغتياله حط ببلاد الارز في قبضة الاحتلال السوري وقد شاهد الجميع بام عيونهم ما ابدع به السلم السوري في لبنان قبل انسحابه في 26 ابريل/نيسان 2005 وحتى اليوم.
وبهذا الاغتيال ضاع الحلم بسلام يعيد لبنان الى اصالته.
لهذه الاسباب اغتيل بيار الجميل
وبتقدير الاوساط عينها ان بيار الجميل القيادي الكتائبي الشاب وعريس شهداء ثورة الارز كان على رأس قائمة القادة المعرضين للاغتيال استنادا الى العوامل والصفات الآتية:
-جرأته وشفافيته وصدقه واستعداده ليقول الحقيقة ويشهد للحق بوجه الجميع من دون ان يهاب احدا.
-قربه من الناس جعله يكتسب وضعية سياسية وشعبية كبيرة بين المسيحيين والمسملين على حد سواء وبسرعة كيف اذا كان يلم بطبيعة التركيبة السياسية والدينية والاجتماعية والمناطقية على مساحة لبنان وسبل التعاطي معها.
-تواضعه وذكاؤه المتقد وانفتاحه على الجميع وقدرته على الحوار والنقاش والتجاوب مع كل ما يخدم قناعاته وقضاياه...كل ذلك اكسبه القدرة على اطلاق مسار وطني سريع ووضعه في مصاف القيادات الوطنية الشابة والواعدة والقادرة على صنع القرار وحسم الخيارات الكبرى وتبؤ الصدارة.
-مقدام ووفي لمحبيه واصدقائه ورفاق دربه سياسيا وكتائبيا وقيل فيه انه "يجوهر" اذا جاز التعبير عند وقوع الازمات وامام التحديات وقد عبر مرارا عن استعداده للمقاومة والتحدي والذهاب الى النهاية.
وتلفت الاوساط عينها الى ان بيار الجميل حقق انتصارات كبرى في فترة زمنية قياسية.
فقد انجز لم شمل حزب الكتائب واعاده رأس حربة في الدفاع عن السيادة والاستقلال والقرار الحر ومشروع الدولة والمحاسبة وبناء وطن الغد.
ونجح في الانتخابات النيابية كذلك في استقطاب التأييد الوطني المسيحي الاسلامي بما جعله قائدا واعدا بملاقاة السياديين والاستقلايين والاصلاحيين من كل المناطق والطوائف والانتماءات لتحقيق الاستقلال الثاني يوم 14 مارس/آذار 2005.
تقدم خطوات كبيرة باتجاه المشروع الوطني الرائد بالحريات والديمقراطية والواعد باستعادة الهوية اللبنانية الاصيلة والمنفتح عربيا ودوليا والمعارض لتحالف الاقليات الذي يدمر لبنان والمسيحيون في رأس القائمة من هذا القبيل.
-ولعل التطور النوعي الذي حققه بعد تسلمه وزارة الصناعة خصوصا شعاره بتحب لبنان حب صناعتو اقلق الخصوم وسرع بقرار اغتياله.
وبهذا وجهت ضربة قاسية جدا لمشروع السيادة والاستقلال والخيارات الصائبة لثورة 14 مارس ولحزب الكتائب الذي قام مع بيار الجميل مثل طائر الفينيق من تحت الرماد وكاد يفقد الامل بقيادي مسيحي مدعوم وطنيا يطرح لرئاسة الجمورية ويقدم النموذج الحقيقي للرئيس القوي بكل ابعاده مسيحيا ووطنيا وسياديا الى جانب ما كان الجميل يمثله من احلام وآمال للبنانيين شيبا وشبابا مقيمين ومغتربين.
مسلسل الجريمة السياسية
واغتيال معوض وبيار الجميل جزء من سلسلة طويلة من الجريمة السياسية طالت رجال دين ورؤساء جمهورية وحكومات ووزراء ونوابا وقادة واعلاميين ومفكرين وناشطين.
ومن ابرز الامثلة المفتي حسن خالد والرئيس بشير الجميل ورئيسا الحكومة رشيد كرامي ورفيق الحريري والنواب معروف سعد وناظم القادري وباسل فليحان وجبران تويني ووليد عيدو وانطوان غانم...وكمال جنبلاط وجورج حاوي والاعلاميون نسيب المتني وسليم اللوزة ورياض طاهة وسمير قصير والقادة الامنيون فرنسوا الحاج ووسام الحسن ووسام عيد...
تكثر اللائحة من هذا القبيل وتوازيها لائحة الشخصيات والاعلاميين الذين نجوا من محاولات اغتيال وفي طليعتهم العميد الراحل ريمون اده ونائب رئيس الحكومة الاسبق الياس المر والنائب مروان حمادة والوزيرة السابقة مي شدياق.
وقد ظهرت الحقيقة من الوجهة القضائية فقط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعدما تشكلت محكمة دولية خاصة بذلك بموجب القرار الصادر عن مجلس الامن رقم 1757 مطلع يونيو/حزيران 2007.
وبالنسة الى القضاء اللبناني فقد ظهرت الحقيقة من الزاوية القضائية من خلال الاحكام في عدد ضئيل جدا من الاغتيالات في طليعتها قضية الرئيس بشير الجميل وبعد فترة طويلة جدا من الزمن.
حقائق في الاغتيالات
وتقول اوساط مطلعة ان حقائق عدة يجب التوقف عندها وابرزها:
-التعتيم القضائي طبع هذه الاغتيالات الى حد بعيد جدا.
-الاغتيالات طالت القيادات والرموز التي ذهبت بعيدا بتحدي الامر الواقع والتبعية للخارج والاحتلالات وصولا الى الانتفاضة على كل ما يضرب الاعتدال والوحدة الوطنية ومشروع الدولة.
-الاتهامات السياسية اكثر ما اطلقت مباشرة بعد وقوع الاغتيالات وقد اصبحت شبه قناعات راسخة لدى شرائح عريضة جدا من اللبنانيين.
وتبين ان اكثريتها مصيبة بدرجات متفاوتة وان بغياب الحكم القضائي المبرم من هذا القبيل.
وتؤكد الاوساط عينها ان الحجم الاكبر والاخطر من مسلسل الجريمة السياسية حط برحاله بعد التمديد للرئيس اميل لحود في 2 سبتمبر/ايلول 2004 واستمر حتى نهاية عام 2013 مع سقوط الوزير الاسبق محمد شطح آخر حبة من عنقود قافلة شهداء ثورة 14 آذار.
نهج وخارطة طريق
وترى الاوساط ان قافلة الشهداء مع الشهداء الاحياء تركت للبنانيين نهجا وخارطة طريق عليهم الاقتداء بها لاخراج لبنان من جهنم والمضي قدما نحو بر الامان.
وتؤكد ان الحقيقة يجب ان تظهر في كل هذه الاغتيالات كذلك في تفجير مرفأ بيروت لتتحقق العدالة ويتوقف مسلسل الجريمة السياسية والعبث بامن لبنان لتفتح صفحة جديدة اساسها الدولة الحرة والمستقلة والمحاسبة لوقف الفساد واطلاق الاصلاحات واعادة لبنان الى ريادته والى بيئته العربية وكنف الشرعية الدولية ووقف نزيف الهجرة...مشيرة الى ان هذا ما سيبرد ارواح الشهداء.