في وقت ينتظر اللبنانيّون ودائعهم المخطوفة في المصارف، باتوا محرومين من صرف ما تبقّى من أموالهم.
مع بداية تفاقم الأزمة الاقتصادية العام الماضي، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء مقابل الليرة اللبنانيّة، أصدر مصرف لبنان تعميمًا يسمح فيه للمواطنين بسحبَ دولاراتهم من المصارف على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد، مع تحديد سقف للسحب لا يتخطّى المليوني ليرة في الأسبوع كحدّ أقصى.
سقف للسحب
ما زاد الطين بلّة، أنّه حتّى الودائع بالعملة الوطنيّة خضعت أيضًا لهذا السّقف. ولأنّ المواطنين اعتادوا إيجاد مخرج ولو مؤقّت لأزماتهم، اتّكلوا على بطاقاتهم الائتمانيّة credit cards فهذه البطاقات وحدها لا يحدّها أي سقف بل يتمكّن المواطنون من خلالها من تيسير أمورهم في المطاعم والمتاجر والمحال التجاريّة والصيدليّات. لكن هذا الحل لم يستمر طويلًا إذ أوقفت محال تجارية كثيرة في البلاد هذه الخدمة، من منطلق أنّها غير قادرة بدورها على سحب المبالغ الماليّة من المصارف.
بقيت البطاقات قابلة للاستخدام في المطاعم والسوبرماركات فقط. أمّا المفاجأة الأخيرة كانت حين منعت سلسلة من المطاعم زبائنها من تسديد فواتيرهم عبر البطاقة وبعضها الآخر فرض على الزبون الراغب في استخدام بطاقته دفعَ مبلغٍ إضافيّ تصل نسبتُه إلى 20 في المئة من الفاتورة.
تسديد الفواتير نقدًا
في الساعات الأخيرة، انطلق البحث أيضًا في إلغاء خدمة البطاقات في السوبرماركات للأسباب نفسها، إذ يمتعض أصحاب المحال من القيود التي تفرضها المصارف عليهم وبعد عجزهم عن إيجاد مخرج مناسب لهذه الأزمة ففضّلوا إرغام الزبائن تسديد الفواتير نقدًا.
هذا القرار قد يكون حلًّا أساسيًّا لإدارات السوبرماركات لكنّه حتمًّا مشكلة جديدة تُضافُ إلى حياة المواطنين اللبنانيين اليوميّة.
اليوم ومع دولار يساوي أكثر من 25 ألف ليرة، في السوق السوداء، فإنّ سحب دولار واحد من المصرف على أساس 3900 ليرة، يعني أنّ المودع بات يخسر 85% من قيمة أمواله الموجودة في المصرف.
وفي حال توقّف اسخدام البطاقات الائتمانيّة فلن يتمكّن اللّبناني من شراء احتياجاته كلّها، نظرًا إلى أنّ المبالغ التي يحتاج إليها تفوق سقف السحب المسموح به.
المصرف المركزي يتريّث
مصادر في مصرف لبنان أكدت لـ"جسور"، أنه ثمة تخوّف من نقمة شعبيّة في الشارع خصوصًا وأنّ الناس مخنوقين وأيّ إجراء جديد قد يُشعل فتيل التحرّكات، وقد قرّر المصرف المركزيّ التأنّي في هذا الموضوع. وهذا ما دفعه إلى طمأنة المودعين إلى أنّه في صدد تفعيل الدفع إلكترونيًّا عبر البطاقات نفسها من دون عراقيل. ولكن حتّى الساعة فإنّ هذا الموضوع لا يزال غيرَ ممكن لا بل ممنوع في الكثير من المؤسسات التجاريّة.
الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، وفي حديث إلى "جسور"، أكد أنّ عدم استطاعة المواطنين استخدام بطاقاتهم في أغلب الأماكن داخل لبنان، يساهم في تفاقم أزمة الكساد الاقتصادي، نتيجة سقف السحوبات الذي تفرضه المصارف عليهم مما يؤدّي إلى تجميد الحركة الاقتصاديّة في لبنان.
هكذا يتّجه لبنان تدريجيًّا إلى اقتصاد قائم على المبالغ النقدية cash economy بعدما كان قبل الأزمة يتميّز بمرونة مُطلقة في تسديد الفواتير على مختلف أنواعها.
ينتظر اللبنانيون خطوة جديّة تُعيد إليهم هذه المرونة، لكي يتمكّنوا من سدّ احتياجاتهم بـ"التي هي أحسن"، في ظلّ حجز أموالهم وفقدانها قيمتها الشرائيّة.
أسوأ ما يمكن أن يصل إليه شعب، هو إدراكه أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد، نظرًا إلى أنه لا سقف لارتفاع الدولار، مع غياب أيّ خطّة فعليّة للإنقاذ.
وهذا ليس مستغربًا ما دامت حكومة الإنقاذ نفسها غير قادرة على الانعقاد.