يُعاني فلاحو العراق، من قلة المياه بعد تشغيل سدود مائية على روافد نهري دجله والفرات. كما أنهم يتخوّفون من مصير محاصيلهم، بعد موسم شتوي جاف كان تسبب بتصحر غالبية المناطق الزراعية. شحّ المياه والمعاناة الموسمية، لهما أسباب عديدة.
مع سد إليسو، بدأت حكاية وادي الرافدين المأسوية مع شح المياه. فقد بنت تركيا سداً عملاقاً قرب حدودها مع العراق، بحجه توليد الطاقة الكهربائية وبذريعة عدم الاستفادة من الحصة المائية لنهري دجلة والفرات. لكن السد سيؤدّي، وفق الخبراء، إلى تعطيش العراق كما تشريد آلاف الأتراك.
العراق كان أرسل، أكثر من وفد دبلوماسي إلى أنقرة، للتفاوض حول إقناعها بالتريث في تشغيل سدها الجديد، إلا ان المحاولات باءت بالفشل. ولم تكتفِ تركيا بغلقها بوابات السد، بل طالبت بشروط لم يتمّ إعلانها بشكل كامل أمام الرأي العام ووسائل الإعلام، لكن بعض التسريبات بيّن أن تركيا طالبت العراق بأن يكون "النفط مقابل الماء".
ايران والماء العراقي
طهران بدورها، لم تترك حلولاً كثيرة لجارها العراق. حيث استكملت من جانبها عملية قطع المياه عن أغلب روافد نهر دجلة، وكانت النتيجة تجفيف مناطق شاسعة وبحيرات في محافظة ديالى شرقي البلاد، والتي تتخذ من روافد النهر القادمة من إيران مصدراً لسداد حاجتها من المياه لريّ الأراضي الزراعية.
وعلى الرغم من تسميته بوادي الرافدين، أي دجلة والفرات، إلا أنه يعاني من تصحر في معظم أراضيه حيث بلغت نسبة التصحر مستويات كبيرة، من شأنها إشعال تحركات فلاحية قد لا يردعها إلا موسم أمطار غزيرة يُجبر كلاً من تركيا وايران على فتح بوابات سدودهما.
لم يبدِ العراق أي ردٍّ رسمي، في ما عدا المفاوضات التي حاول عقدها مع تركيا، كما الزيارات لبحث الموضوع مع طهران. وقد طالب العراق الدول الرافدة للماء وصاحبة السدود، إلى اطلاق حصة العراق المائية، في حين ينتظر العراقيون موقفاً رسمياً سواء حتى لو عبر المحافل الدولية، لوقف ما يعتبره الشعب اعتداءات مستمرة للجارتين الشمالية والشرقية على مياهه وحصته.
بناء السدود
لا يستطيع العراق بناء سد مائي داخل أراضيه، بسبب طبيعة أرضه الهشه والتي لا تحتمل بناء سدود، كما فعلت أنقره في المناطق القريبة من حدودها مع العراق، وقد أكد خبراء في وزارة الموارد المائية العراقية، في أكثر من مناسبة، على استحالة ديمومة بقاء السدود في البلاد، وأن بناء سد ضخم كسد الموصل مثلا، يحتاج الى رعاية وصيانة دورية وحقن اسمنتي مستمر لضمان استمراريته أطول فتره ممكنة.
يرى البعض أن أبرز الحلول الاقتصادية التي يمتلكها العراق، لإرغام انقرة وطهران على عدم المساس بحصته المائية، هو القطيعة الاقتصادية. لا سيما وأن البلدين يعتمدان وبصورة شبه كامله على العراق، في تصدير بضائعهما. كما يُعد العراق بالنسبة لهما، سوقاً استهلاكية نشطة لبضائعهما، وطريقاً لنقل صادراتهما الى باقي دول المنطقة، مما قد يتسبب بخسارة اقتصادية كبيرة قد تشكّل عامل ضغط لوقف استنزاف مياهه.
منسوب الماء
يروي المواطن العراقي، محمد جاسم، وهو من سكان محافظة واسط، في حديث لـ"جسور"، أن "انخفاض مناسيب المياه في انهر البلاد، قد أثر بشكل أو بآخر على جميع الجوانب الحياتية، فلا زراعة ولا ثروة حيوانية من دون ماء". ويرى جاسم أن "مشكلة العراق المائية ليست وليدة اللحظة لكنها تفاقمت بسبب ضعف الوزارات التي بدت عاجزة ومقصّرة حتى في إيصال الماء للمزارعين مما زاد من مستويات التصحّر وقلّص من حجم الانتاج الزراعي".
وزير الموارد المائية العراقي، مهدي الحمداني، وفي تصريح تلفزيوني، أكد انه يمتلك خطة متكاملة للتعامل مع الجفاف والفيضانات وان خطط الوزارة تحتاج من 50-70 مليار دولار حتى عام 2035، لكن الوزارة تفتقر لهكذا مبالغ. وعن سبب شح المياه في بعض المناطق، اشار الوزير أنه "لا يوجد التزام بالحصص المائية من قبل المحافظات و يجب تقنين الزراعة بأوقات الجفاف ونقص المياه".
ولفت الحمداني إلى أن محافظة واسط من أكثر المحافظات تجاوزاً للحصص المائية، إضافة لكل ذلك فان تركيا زودت العراق بجميع المعلومات عن سدودها وخزاناتها المائية، واعتبر أن نسب التصحر تعتمد على التغيرات المناخية في العراق والمنطقة بشكل عام .