لن يتمكن مجلس النواب العراقي، وفقاً للمعطيات المتوفرة، من حسم قضية اختيار رئيس للجمهورية في البلاد خلال الجلسة التي حددها يوم الاثنين المقبل، فوفقاً لمصادر رسمية من داخل المجلس ستقتصر جلسة الاثنين على استضافة وزير المالية علي علاوي لبحث تداعيات أزمة سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي من دون تخصيص أي فقرة تتعلق بإختيار الرئيس.
غير أن المصادر ذاتها رجحت أن تكون الجلسة اللاحقة للمجلس والتي حُددت مبدئياً يوم الخميس من الأسبوع نفسه حاسمة لملف اختيار رئيس الجمهورية ما يعني أن الكتل السياسية أمام أسبوع واحد فقط لتجاوز هذا الملف.
لكن، لا تبدو الكتل السياسية مهيأة بعد لهذه الجلسة لاسيما وأن المواقف المتباينة تعكس حدة الخلافات ليس فقط بين الكتل إنما داخل التحالفات التي كانت متوافقة أيضاً، مع رفع جميع الكتل السياسية سقف مطالبه باتجاه يشي بتعقيد الامور وتفاقم الأزمة، بل والدخول في أزمة جديدة.
رفع الاحجام الانتخابية
تتجه قوى الإطار التنسيقي إلى ضم عدد كبير من أعضاء مجلس النواب المستقلين على أمل إعلان تحالف جديد خلال الأيام القليلة المقبلة (سيحمل اسم تحالف الثبات)، تريد منه القوى المنضوية في الإطار (وهي قوى شيعية معترضة على نتائج الانتخابات وترفض تهميشها) أن يكون لها حجم انتخابي ونيابي أكبر يسمح لها برفع سقف مطالبها خلال المفاوضات مع الكتل الأخرى ولاسيما التيار الصدري الذي حل أولاً في الانتخابات الأخيرة.
وتضم قوى الإطار ، ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الغريم التقليدي للصدر وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري وكتل سياسية أخرى من المكون الشيعي، وجميع هذه القوى لا تريد التضحية بإئتلاف المالكي والانضمام إلى مشروع التيار الصدري الذي يحمل راية حكومة الأغلبية الوطنية.
وتحاول قوى الإطار التنسيقي رفع عدد مقاعدها في مجلس النواب إلى مستوى يمكنها من مجابهة التيار الصدري الحاصل على 73 مقعداً، والمدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني (المكون الكردي) وتحالف السيادة (المكون السني) حيث تمكن التحالف الثلاثي بين هذه الأطراف من تجاوز حاجز المئتين من مقاعد مجلس النواب من أصل 329 في جلسة اختيار رئيس مجلس النواب.
ويقول النائب عن ائتلاف دولة القانون ثائر مخيف في حديث لـ "جسور"، إن "الإطار يستعد لإعلان تحالف جديد باسم تحالف الثبات سيضم 130 نائباً وسيعمل على التفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة بصورة لا تكون على حساب مكونات التحالف الجديد المنبثقة عن الإطار التنسيقي ونواب آخرين".
ويوضح مخيف، أن "الهدف الأساسي حالياً هو ضمان مشاركة فاعلة للشيعة في الحكومة المقبلة وأن يتحدوا كما اتحدت الكتل السنية والكردية كما هو مرجح"، مضيفاً إن "هذا الهدف وُضع للتصدي لتدخلات خارجية تريد تقسيم العراق ليس فقط إلى شيعة وسنة وأكراد بل تريد أيضاً تقسيم هذه الأطراف لتتشظى الكتلة الشيعية ولا تكون الأكبر بما يحول دون تشكيل الحكومة بقرارها".
ويقلل مخيف من أهمية (الفيتو) الذي وضعه الصدر على المالكي، مبيناً أنه ليس موقفاً شخصياً من الصدر تجاه المالكي او العكس إنما هو "اختلاف في الرؤى وتسابق على الخدمة ومن يقدم الأفضل ومن الممكن أن يتوحد الرجلان في مشروع واحد".
بالنتيجة فإن الإطار التنسيقي (أو تحالف الثبات) سيدخل مفاوضات تشكيل الحكومة مستنداً إلى حجمه الجديد الذي قد يكون متفوقاً على التيار الصدري، في حال تأكد العدد الذي يروّج له الإطار اليوم، وهو ما يمكنّه من فرض شروطه على الصدريين وتحالفهم الثلاثي.
رئيسان بسلة واحدة
السيناريو الذي يرسمه الإطار التنسيقي لجلسة اختيار رئيس الجمهورية مستوحى من الدورات الانتخابية السابقة لمجلس النواب حيث كان اختيار الرئاسات الثلاث يتم دفعة واحدة بعد توافق الكتل السياسية حول الأسماء المرشحة، أو كما يُعرف بالسلة الواحدة، وهذه السلة ستضم هذه المرة رئيسين بدل ثلاثة بعد أن خرجت رئاسة مجلس النواب منها باختيار محمد الحلبوسي رئيساً في الجلسة الأولى.
ويقول رئيس مركز ارتقاء للبحوث والدراسات عباس العرداوي في حديث لـ"جسور"، إن "التحالف الثلاثي كان لديه اتفاق مسبق يقضي بإبقاء الرئاسات الثلاث في مواقعها غير أن الانشقاق الكردي وانعكاسات قرار المحكمة الاتحادية ولّد أزمة جديدة جعلت الأمر يتوقف عند اختيار محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب".
ويُرجح العرداوي، أن "يتم اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ضمن صفقة واحدة مع ضرورة أن يكون هنالك توافق بين الكتل السياسية ولاسيما بين الطرفين الشيعيين بسبب إلزام المحكمة الاتحادية وجود ثلثين من أعضاء مجلس النواب كشرط لتمرير رئيس الجمهورية وحتى عقد الجلسة الخاصة بإختياره".
الاتفاق التوافقي الذي يريد الإطار التنسيقي التوصل إليه هو إتفاق يتجاوز أعداد النواب في كل طرف لينتج حكومة توافقية، كما يرى العرداوي.
في المقابل، يدرك التيار الصدري أن تمكنّه من جمع ثلثي أعضاء مجلس النواب لن يكون ممكناً وبالتالي فهو لن يستطيع تمرير أي من منصبي الرئاسة أو تشكيل الحكومة وبالتالي سيكون مضطراً، إن لم يكن مقتنعاً، بضرورة التوافق مع الإطار التنسيقي.
الأكراد وخيار التشظي
لم يتمكن المكون الكردي من تجاوز أزمة اختيار رئيس للجمهورية حتى بعد قرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية تصدير إقليم كردستان للنفط والذي كان متوقعاً أن يوحد الأكراد بعد تشرذمهم، وبالتالي فإنهم اليوم أمام خيار تشظي مكونهم سياسياً لاسيما بعد التصريحات التي أدلى بها عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني والتي أشاروا فيها إلى أن خيار التوافق مع الاتحاد الوطني الكردستاني بات مستبعداً وأن ترشيح برهم صالح "لن يمر مرور الكرام".
كما أن فوز أي مرشح يقدمه الحزب الديمقراطي (البارتي) لرئاسة الجمهورية لن يكون سهلاً حتى مع الاتفاق الثلاثي بينه وبين الصدريين وتحالف السيادة، والسبب يعود إلى الواقع الجديد الذي يريد الإطار التنسيقي فرضه على الفرقاء السياسيين من خلال استغلال إلزامية تحقق شرط الثلثين.
بالنتيجة فإن الإطار التنسيقي الذي بات متحالفاً بحكم الأمر الواقع مع الاتحاد الوطني الكردستاني قد يسمح بفوز مرشح الاتحاد بمنصب رئيس الجمهورية وعرقلة مرشح الحزب الديمقراطي في حال فرض مبدأ التوافق على بقية الكتل للحصول على منصب من المناصب الرئاسية الثلاثة، وكل الاحتمالات واردة.