بعد أشهر من المفاوضات والمعارك الكلامية والصفقات العلنية والسرّية، نجح عبد اللطيف رشيد الذي خاض منافسة حامية مع الرئيس السابق برهم صالح، في كسب أغلبية أصوات النواب في برلمان العراق، ليصبح بذلك الرئيس الخامس للبلاد منذ عام 2003.
وبمجرد إعلان نتيجة التصويت الثانية وأداء عبد اللطيف رشيد القسم رئيسا عاشرا لبلاد الرافدين منذ الإطاحة بنظام العهد الملكي عام 1958، قام بتكليف محمد شياع السوداني مرشح قوى الإطار التنسيقي لمنصب رئاسة الوزراء، وأمام شياع 30 يوما من تاريخ تكليفه لاختيار كابينته الوزارية وطرحها للتصويت أمام البرلمان، ما يعني أنّ تاريخ عقد جلسة التصويت على حكومة العراق الجديدة داخل البرلمان ومنحها الثقة سيكون في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وبحسب مصادر "جسور"، فإن السوداني سيبدء حراكه تجاه قادة الكتل السياسية اعتباراً من يوم غد السبت، لبحث شكل وزارته التي وصفها في كلمة له، الخميس، بأنها "عازمة على إعادة هيبة الدولة".
انفراجة سياسية!
وجاء انتخاب رشيد بعد أن وافق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني على سحب مرشحه وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد من السباق الرئاسي ما أفسح المجال لانتخاب رئيس جديد بدلا من برهم صالح الذي ظل يحظى بدعم الاتحاد الوطني الكردستاني حتى اللحظة الأخيرة.
وفي هذا الشأن، تحدّث عضو الجمعية العراقية للعلوم السياسية، الدكتور عمار البهادلي، في اتصال مع "جسور"، مشيرا الى أنه ورغم كل المخاوف التي كانت سائدة من عدم انعقاد الجلسة، وعدم اكتمال النصاب الدستوري، انتُخب رئيس الجمهورية في الجولة الثانية رغم صعوبة الاشتراطات الدستورية التي حتّمت الوصول إلى أغلبية الثلثين أو على الأقل الأغلبية البسيطة في الجولة الثانية".
وبالتالي فإن هذه النتائج وفق البهادلي، تعني انفراجة في المشهد السياسي بعد الجمود الذي امتد لعام كامل منذ الانتخابات النيابية المبكّرة عام 2021، وهذا يعني أن الإنتظار الطويل الذي تحمل ثقله الشارع العراقي، ربما سينتهي بعد تشكيل الكابينة الوزارية المرتقبة للسوداني واستكمال الاستحقاقات الدستورية.
ويؤكد البهادلي، أنّ هذا الأمر سيضعف ويفنّد فرضية الذهاب الى انتخابات مبكّرة أخرى، خصوصا وأن هناك اتفاقا ما بين الكتل السياسية والفرقاء السياسيين في ظل ما يعرف بإئتلاف إدارة الدولة، وهناك أيضا طاولة حوار وطني بدأت تتقارب من خلالها الرؤى في ظل هذا التحالف الكبير، خصوصا أن الحكومة التي ستتشكل هي حكومة ما يعرف بحكومة الائتلافات المكوّنة من أحزاب سياسية عدة.
وفي السياق، رأى البهادلي، أنّ الخميس كان هناك كارنفال عراقي وطني سياسي دستوري، بمعنى أن القوى السياسية استطاعت أن تقول كلمتها في اللحظات الأخيرة رغم الانقسام تحت قبة البرلمان، قائلا: "ارتأت الإرادة السياسية أن تمضي الاستحقاقات الدستورية رغم التحفّظ بين الكتل السياسية، كالتيار الصدري وبعض أحزاب تشرين على مجريات العملية السياسية، وفي المحصّلة، هذا المنجز هو استكمال للمسار الديمقراطي وللاستحقاقات الدستورية بشكل عام، يختم البهادلي.
هل سينجح السوداني؟
من جهته، عدّ رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي، أنّ انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيسا للعراق فتح فصلا جديدا من فصول المستجدات السياسية التي يشهدها هذا البلد وسط تطلعات أبنائه لحقبة تغير واقعهم إلى الأفضل وترقب الأطراف المعنية لما ستتمخض عنه هذه الخطوة، لا سيما وأنها أزالت عقبة تسمية رئيس الحكومة، مشيرا إلى أنّ حكومة السوداني ستمضي سريعا إذ سيقدّم الكابينة الحكومية خلال 10 أيام في حد أقصى وليس خلال مهلة 30 يوما.
وأوضح التميمي، أنّ عملية اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء تمّت بسبب الضغوط الدولية الكبيرة، وتحديدا من السفارتين الأميركية والبريطانية في العراق، إضافة إلى الإحاطة التي قامت بها الممثلة الخاصة للأمين العام في العراق، جنين بلاسخارت عندما استُضيفت في مجلس الأمن قبل أكثر من أسبوع تقريبا، وشدّدت وقتها على ضرورة أن يتفق الساسة في العراق وإلا ستكون هناك حسابات أخرى.
"حكومة قوية"
وكان رئيس الوزراء المكلّف محمد شياع السوداني، وجّه في وقت سابق خطاباً للعراقيين قال فيه إنّه مستعد للتعاون مع الجميع من قوى سياسية ومكونات اجتماعية من أجل نجاح الحكومة، وأكد أنه يستهدف "تأليف حكومة قوية وعازمة على تنفيذ برامجها، من خلالِ تآزر القوى السياسية بترشيحِ شخصياتٍ كفؤة قادرة على إنجاز مسؤولياتها".
كما تعهد السوداني بـ"إجراء انتخابات محلية ونيابية، في أجواء حرة ونزيهة وفي ظل نظام انتخابي شفاف يطمئِنُ كلَّ المتنافسين".
أماّ رئيس الجمهورية المنتخب عبد اللطيف رشيد، فلم تصدر منه أي كلمة، واكتفى بتغريدة تعهّد فيها بالحفاظ على أمن وسلامة العراق وصون أرضه وكرامته، قبل أن يكلّف السوداني، بتشكيل حكومة جديدة.