بعدما سجّلت الليرة اللبنانية أدنى مستوياتها مقابل الدولار في السوق السوداء، وذلك في وقت تتعمق الأزمة السياسية في البلاد وسط انهيار اقتصادي مزمن، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانًا أعلن فيه انه "بناء على المادتين 75 و83 من قانون النقد والتسليف سيقوم مصرف لبنان ومن خلال منصة "SAYRAFA" ببيع الدولار الأميركي حصرًا إبتداء من يوم الثلاثاء المقبل، علمًا انه لن يكون شاريًا للدولار عبر المنصة من حينه وإلى إشعار آخر".
وأضاف انه وفق "ما نص عليه التعميم 161 يستمر دفع معاشات القطاع العام بالدولار الأميركي، ومن ناحية أخرى تستمر سحوبات ال 400$ لأصحاب الحسابات المصرفية".
وإثر هذا البيان، سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء انخفاضًا كبيرًا بأكثر من 3 آلاف ليرة حيث تراجع من 40500 الى 37000 ليرة.
وبحسب الباحث الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، فإنه "بعد صدور بيان مصرف لبنان، أصبحت مصلحة جميع الذين يملكون دولارات أن يبيعوها مقابل 40 ألف ليرة لبنانية لكل دولار، ثم شراء دولارات جديدة الثلاثاء وفق سعر منصة "صيرفة"، وهذا الأمر دفع الناس إلى وضع كمية دولارات كبيرة في السوق، ما أدى إلى تراجع سعر الصرف".
مشكلة هيكليّة
وقال عجاقة، في حديث لـ"جسور"، "هذه ليست المرة الأولى التي يتدخل فيها المصرف المركزي في السوق، لكن الأهم اليوم هو إن كان هذا التراجع سيُترجم بإنخفاض أسعار السلع أم لا، خصوصًا وان الرقابة معدومة في هذا الإطار، إلّا في ما خصّ أسعار المحروقات التي تُسعّر مباشرة من قبل وزارة الطاقة ووفق سعر الصرف في السوق السوداء".
وتابع: "مهمة مصرف لبنان أن يحافظ على مستوى النقد بشكل عام، وهو تدخل ليلجم تدهور سعر الصرف، لكن سبب اعتماد هذا التوقيت بالذات قد يكون في السياسة، والمشكلة الهيكلية الموجودة هي ان الاقتصاد العام يستهلك دولارات أكثر مما يُدخل".
وأشار عجاقة إلى "الحل هو بتفيذ إصلاحات جدية والتعاون مع صندوق النقد الدولي، ومواكبة انخفاض الدولار بسياسة حكومية نزيهة، وإجبار التجار على تخفيض أسعار السلع. أما على المدى المتوسط أو البعيد، فيجب عقد اتفاقية مع صندوق النقد، لكن للأسف هذا الموضوع لم يُبحث بعد".
"غرض سياسي"
من جهته، لفت المحلل السياسي والصحافي اللبناني، جوني منيّر، في حديث لـ"جسور"، إلى أن "حاكم مصرف لبنان، عندما أصدر البيان، كان يعلم أن سعر صرف الدولار سينخفض".
وقال: "برأيي أن ذلك سيكون مقدمة لخطوات أخرى مثل رفع سعر "اللولار" إلى 15 ألف ليرة لبنانية، كذلك الدولار الجمركي وغيره، بمعنى آخر أن هذه الخطوة ما جاءت إلّا في سياق مسار". كذلك لم يستبعد أن "يكون توقيت هذا البيان الذي جاء لغرض سياسي أو ربما سياسي".
قيود مشدّدة
ومنذ خريف 2019، تفرض المصارف اللبنانية قيودًا مشددة على سحب الودائع تزايدت شيئًا فشيئًا، حتى بات شبه مستحيل على المودعين التصرّف بأموالهم، خصوصًا تلك المودعة بالدولار.
ومنذ صيف عام 2019، خسرت الليرة قرابة 95% من قيمتها أمام الدولار، وتزامن ذلك مع أزمة سيولة حادة.
وتُعتبر الأزمة الاقتصادية المتمادية الأسوأ في تاريخ لبنان. وتترافق مع شلل سياسي يحول دون اتخاذ خطوات إصلاحية تحدّ من التدهور وتحسّن من نوعية حياة المواطنين الذين يعيش أكثر من ثمانين في المئة منهم تحت خط الفقر.