ما إن أقرت الحكومة اللبنانية، وقبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، خطة التعافي الإقتصادي والمالي للنهوض بالقطاع المصرفي الذي شهد انهياراً كبيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، حتى أعلنت جمعية المصارف في بيان رفضها لها بحجة أنها كُتِبت بأموال المودعين وأموال المصارف، معلنةً وقوفها صفّاً واحداً مع المودعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها.
أما اقتراح جمعية المصارف إنشاء صندوق سيادي لإعادة أموال المودعين عبر تسييل ممتلكات الدولة فقوبل أيضاً بالرفض من قبل رابطة المودعين التي تصر على تحميل المصارف كامل المسؤولية في سلبها ودائعها.
ولطالما اتهمت جمعية المصارف الدولة اللبنانية بسرقة أموال المودعين بسبب تمنعها عن إعادة القروض التي استدانتها من المؤسسات المصرفية ما ساهم بإفلاس الأخيرة.
كما توجهت إلى المودعين بالقول إن الدولة ألغت ودائعهم "بـ "شخطة" قلم، متهمة إياها برفض خطتها البديلة والقاضية بإنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد إلى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد.
إلى ذلك، عاود الدولار الأميركي ارتفاعه الجنوني في السوق السوداء متجاوزاً عتبة الـ34 ألف ليرة لبنانية بعد استقرار دام لفترة وجيزة راوح سعر صرفه خلالها بين الـ22 و24 ألفاً.
المصارف فقط
تشدّد رابطة المودعين على أن علاقتها ليست مع الدولة بل مع المصارف حصرياً، كما يوضح في حديث لـ"جسور" العضو المؤسس للرابطة الصحافي هادي جعفر "حقنا لدى المصارف ويتوجب عليها أن تعيد لنا ودائعنا التي تسببت من خلال هندساتها المالية واستثماراتها الخاطئة بخسارتنا لها" مضيفاً أن "صندوق النقد والتسليف يلزم المصارف دفع مستحقاتها من أملاكها ومن أصولها وأرباحها كما أملاك وأصول وأرباح مجالس إداراتها".
ولفت إلى أن المصارف "عندما عمدت إلى إقراض الدولة على مدى سنوات كانت تعلم أن الأخيرة ليست سوى خزان فساد ومصدر لتهريب الأموال، ورغم ذلك لم تتوقف عن الاستثمار في الودائع".
وأوضح جعفر أن أعلى نسبة استثمار في الدين العام موجودة في القطاع المصرفي اللبناني عازياً السبب إلى "طمع المصارف في الفوائد المرتفعة التي كانت تقدمها الدولة لها" في حين أنه كان من المفترض استثمارها في مشاريع انتاجية، كما أردف.
من جهة ثانية انتقد خطة التعافي التي أقرتها الحكومة ورأى أنها أتت منقوصة وغفلت عن الكثير من النقاط الأساسية التي يجب البحث فيها "قبل الشروع بأي خطة تعاف يجب محاسبة المسؤولين عن الأزمة التي مررنا فيها من مصارف وغير مصارف" يشرح قائلاً.
المواجهة مستمرة
وكشف جعفر عن خطوات رابطة المودعين القديمة والجديدة في مواجهة المصارف ومن يدور في فلكها في الحكومات المتعاقبة.
وأشار إلى أن المواجهة حالياً ستكون من خلال البرلمان الجديد الذي يضم "كتلة من النواب معظمهم وقعوا على شرعة المودعين التي تقدمت بها الرابطة والتي تنص على رفض الصندوق السيادي" وأعلن عن قيامهم بتشكيل "جبهة مع النواب المنتخبين حديثاً ترفض منطق الصندوق السيادي لحماية المصارف وتعترف بأن حقوق المودعين يجب أن تكون محفوظة وبأن المصارف يجب أن تدفع الثمن وأن تحاسب" كما أكد أن "يدنا ممدودة لكل نائب يلتقي معنا على هذه المبادئ".
المواجهة الجديدة لا تلغي القديمة يتابع جعفر "إننا مستمرون في المواجهة التي بدأتها رابطة المودعين منذ عام 2019 من خلال الدعاوى القانونية بوجه المصارف إن في لبنان أو في المحافل الدولية وبالضغط عليها في الشارع وعبر الإعلام".
كما لم ينف جعفر نية الرابطة اللجوء إلى الشارع "إن عجز مجلس النواب أو حكومة تصريف الأعمال أو أي حكومة مقبلة على حماية مصالح المودعين" وأيضاً في حال "استمرت جمعية المصارف بأخذها المودعين رهائن رفضاً لخطة التعافي".
ارتفاع جنوني للدولار
مع معاودة الدولار الإرتفاع من جديد، أوضحت الخبيرة الاقتصادية ليال منصور لـ"جسور" أن الأمر "لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي بتاتاً بل توقعت وأعلنت الشهر الماضي أن الدولار سيعاود ارتفاعه".
وأشارت إلى وجود سببين خلف هذا الارتفاع "أولاً إنخفض تدخل البنك المركزي الذي رفع العشرة بعد عجزه عن الاستمرار في التدخل لتثبيت سعر الصرف" لافتةً بالتالي أن "انخفاض الدولار سابقاً كان وهمياً وموقتاً وما ارتفاعه تدريجياً منذ شهر إلا دليل على ذلك".
أما السبب الثاني لما يحصل مع الدولار فتعيده منصور إلى "التراجع الاقتصادي وسيره باتجاه مواز مع طبع الأموال بهدف ضخها للموظفين في القطاع العام كما الاستمرار في تمرير بعض صفقات الفساد".
وأكدت في الختام أن تشكيل حكومة جديدة ومجلس نيابي جديد لن يعالجا الأزمة "نحن لسنا في أوروبا أو أميركا كي تؤثر هذه المعايير السياسية إيجاباً على سعر صرف الدولار وفي بلد كلبنان لا أمل في نجاح أي خطة إقتصادية أو إصلاحية والدولار سيستمر في الإرتفاع".