لا يزال المشهد السياسي في العراق متلبداً ومكبلاً، رغم عودة الهدوء الحذر إلى شوارع العاصمة بغداد بعد سلسلة من المواجهات الدامية يومي 29 و30 أغسطس/ آب، امتدت إلى مدن أخرى واخترقت المنطقة الخضراء قبل أن ينسحب أنصار السيد مقتدى الصدر من الشارع بأمر من زعيمهم الذي كان أعلن قبل ساعات عزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية.
وبقي قرار المحكمة الدستورية بشأن حل البرلمان أو عدمه معلقاً إثر تأجيل جلسة لها كانت مقررة في الحادي والثلاثين من أغسطس/آب المنصرم إلى الأربعاء المقبل في السابع من سبتمبر/أيلول الحالي.
برلمان منتهية ولايته
ومع دخول العراق في شرنقة من المشاكل الدستورية، تواصلت "جسور" مع الخبير القانوني العراقي جمال الأسدي الذي أشار الى أن البرلمان الحالي انتهت ولايته اليوم في الثالث من سبتمبر/أيلول "الدستور العراقي في المادة 56 منه يحدد الدورة البرلمانية بأربع سنوات تقويمية تبدأ ببداية الجلسة لكنه لم يتحدث في أي مادة من مواده عن حل البرلمان بعد سنتين ثم إعادة انتخاب برلمان جديد مع 4 سنوات تقويمية جديدة".
وأضاف "البرلمان المنتخب حديثاً يكمل المدّة المتبقية للبرلمان السابق لذلك كان رأيي من الناحية الدستورية أنه برلمان تكميلي للبرلمان السابق، كونه حل نفسه قبل إكماله المدة الدستورية، ويجب أن تنتهي أعماله في الثالث من سبتمبر/أيلول 2022 أي اليوم"، وأردف "بالتالي يمكن إجراء أكثر من عملية انتخابية في الدورة البرلمانية الواحدة وليس بالضرورة إعادة الدورة البرلمانية مع كل انتخابات".
دور المحكمة الدستورية
ولفت الى أنه ومن الناحية الدستورية "لا يحق للمحكمة الاتحادية حل البرلمان لكن الدعوى وضعت أمامها وقررت تأجيل جلستها أسبوعاً للتدقيق في القرار" كما أوضح أن بإمكان المحكمة "إعلان المجلس الحالي مكملاً للسابق تنتهي ولايته في الثالث من سبتمبر/أيلول الحالي".
أما إن ارتأت رد دعوى حل البرلمان عليها في المقابل "فتح منافذ دستورية أخرى كأن تفرض على البرلمان عقد جلسة خلال ستين يوماً لحشر النواب في زاوية ضيقة وإلا تعتبرهم مسؤولين أمام أي تأخير".
أما في قراءته للواقع، لم ينفِ احتمال اتجاه المحكمة الدستورية إلى حلّ البرلمان لكنه أكدّ وجوب معالجة نقاط ثلاث قبل الشروع بذلك "أولاً، تعديل قانون الانتخابات، بناءً على قرار سابق للمحكمة أقر بتضمنه تجاوزات دستورية تفرض على مجلس النواب تعديلها، ثانياً، تغيير المفوضية العليا للانتخابات بعد أن تحولت إلى مصدر نزاع واختلاف بين القوى السياسية وثالثاً، تغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تتفق عليها القوى السياسية".
وفي حال تم تنفيذ هذا المسار أكد الاسدي أن "إجراء الانتخابات يصبح ممكناً بعد سنة أو سنة ونصف من الآن".
أما في حال ردت المحكمة الاتحادية دعوى حل البرلمان دون أن تضع حلولاً "يبقى الاتجاه نحو الاتفاق أو فرض القانون بالقوة" مستبعداً احتمال حدوث فوضى ومضيفاً "عملياً يجب فرض الحلول، عبر تشكيل حكومة انتقالية تقبل بها الأطراف يكون فيها رئيس الحكومة حكماً ما بين الأطراف، ويهيء لانتخابات جديدة وربما لنظام جديد مع تعديلات دستورية جديدة مرضية للأطراف كافة".
تخوّف من الوصاية
في المقابل، وبعد حث مجلس الأمن بقوة ، جميع الاطراف والجهات الفاعلة على الانخراط، من دون مزيد من التأخير، في حوار سلمي وبناء للمضي قدما في الاصلاحات ورسم طريق بنّاء للمضي قدم، يتخوّف رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية الدكتور عباس الجبوري في اتصال مع "جسور" من صدور قرارات تتعارض ومصلحة العراق "إن استمرت هذه الفوضى، يمكن أن يضعنا مجلس الأمن في البند الرابع ويدخلنا في الوصاية والبند السابع".
وتمنى على القوى العراقية المتصارعة "بدء حوار فيما بينها لحسم الأمور وتشكيل حكومة تقطع الطريق على أي قرار أممي باتجاه العراق".
تجاوز الصدر ممنوع
من ناحية أخرى، يعتبر الجبوري أن السيد مقتدى الصدر لم يخرج من المشهد العراق موضحاً "نقطة مهمة جداً" على حد قوله "البعض يعتقد أن السيد الصدر اعتزل سياسياً لكنه لم يعتزل دينياً وبشكل عقائدي باعتبار أن تياره يتعامل معه عقائدياً أكثر منه سياسياً كونه يمثل جمهوراً بمعظمه من مقلدي والد السيد الصدر".
وإذ شدد الجبوري على ضرورة احترام ما يمثله الصدر في الحياة السياسية، لفت إلى أن كتلاً سياسية "تسعى إلى تصفير المشاكل وبدء مرحلة جديدة، عبر عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس حكومة جديد إضافة إلى وضع آلية تشكل من خلالها حكومة شرعية تحل مكان حكومة تصريف الأعمال الحالية وتحدد مددتها على أن تكون مهمتها إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وإقرار قانون جديد للانتخابات وإقرار الموازنة وانتخاب مفوضية جديدة".
وأكد أن الجلسة لن تعقد سوى بموافقة الصدر "لا يمكن تجاوز السيد الصدر، باعتبار أنه شريك أساسي منذ عام 2003 حتى الآن وركن اساسي من أركان العملية السياسية".
قرار المحكمة الاتحادية
أمام العراق مسار آخر يتمثل بالمحكمة الدستورية، كما لفت الجبوري، مشيراً إلى احتمال اتجاهها نحو خيارات عدة "إن ذهبت إلى الخيار الدستوري وفق المادة 64، يكون لرئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان، لكن من شأن القرار أن يصطدم بواقع وجود رئيس جمهورية" تصريف أعمال".
بالتالي يبقى أمام المحكمة خيار آخر يحفظ وحدة البلاد "اتخاذ قرار حل البرلمان لأنه تقاعس عن أداء واجبه الدستوري خلال العشرة أشهر الماضية، وعجز عن انتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة".
أما في حال اتخذت المحكمة الدستورية خيار عدم حل البرلمان، يوضح الجبوري أنه "لا مفر من العودة إلى الآليات الدستورية التي تتطلب من الأفرقاء أن يعقدوا جلسة وينتخبوا رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء" متمنياً من "القوى السياسية أن تتدارك الأمور وتعقد جلسة تقدم فيها التنازلات لأجل مصلحة البلاد العليا".