في وقت تتعالى فيه الأصوات السياسية والشعبية مطالبة بإعادة سعر الدولار إلى ما كان عليه سابقاً، تعثرت الإجراءات الحكومية الأخيرة في العراق لوضع حد للارتفاع المتزايد في أسعار السلع الاستهلاكية ومواد البناء في السوق المحلية، والتي وصلت إلى معدلات قياسية، خصوصا المستوردة منها.
وفيما تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، بدأت قوى سياسية تتنافس على تقديم وعود بخفض الأسعار، ما اعتبره مراقبون مجرد "كلام سياسي".
في الإطار، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر إلى معاقبة كلّ من يحاول رفع الأسعار، وتعهدت الكتلة الصدرية بمراقبة السوق ودعم المنتج المحلي.
مقترحات قابلة للتنفيذ؟
وتعليقا على مقترحات الصدر للسيطرة على سعر الصرف والحدّ من الانعكاسات السلبية التي خلفها رفع قيمة العملة مقابل الدولار، رجّح الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي، نبيل جبار العلي، ان تكون "مقترحات الصدر قد جاءت على اثر الضغوطات الشعبية المطالبة بإعادة سعر الصرف، ومن الممكن وصفها بالحركة الاستباقية لسحب البساط من تحت الاطار التنسيقي الذي رفع شعار إعادة سعر الصرف قبيل الانتخابات الاخيرة وبات تغيير سعر الصرف من أبرز اهدافهم السياسية."
العلي، وفي حديث لـ"جسور"، رأى أن "المقترحات ستنفّذ من قبل البرلمان الذي يحظى الصدر بنفوذ فيه، عبر التمثيل النيابي لكتلته السياسية وكتل المتحالفين معه، الذين سيعملون على استجواب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي مع أقرب جلسة للمجلس، كما سيعمل البنك المركزي بحسب العلي، على اتخاذ خطوات عاجلة بشأن التعامل مع المصارف الاهلية التي ذكرها الصدر في رسالته الاخيرة ."
"انتصار للفقراء!"
ويُقدّر عضو غرفة تجارة بغداد علي الزبيدي نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 20 بالمئة والإنشائية كالإسمنت وحديد التسليح ومواد البناء الأخرى بأكثر من 30 بالمئة، عازيا ذلك إلى تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، وعدم سيطرة الحكومة على رفع الأسعار، وإضافة التاجر ما يدفعه من عمولات ورشاوى لنقاط التفتيش وموظفي التخليص في المنافذ على السعر النهائي للبضاعة.
ويضيف أن "هناك مسؤولية مشتركة بين التاجر والحكومة في ارتفاع الأسعار، الذي وصل أيضا إلى قطاع الأدوية والاستشفاء"، معتبرا أن "الوعود السياسية بخفض الأسعار، أو تغيير سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، لا تعدو كونها تصريحات سياسية".
وعلى ما يبدو، فإن الامور قد حسمت لصالح الفقراء باتجاه خفض سعر صرف الدولار، وإعادته الى سعره السابق او لسعر توازني آخر، ويمكن القول بحسب ما أفاد به العلي لـ"جسور" بأن الفقراء اقترب انتصارهم أخيرا في مواجهتهم للأحزاب السياسية .
وعن الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، أشار العلي، إلى أنّ "اقتصاد العراق ريعي ومعطل، يعتمد على عائدات النفط في تسديد ميزان المدفوعات، والانشطة الصناعية فيه شبه معدومة، وكذلك الحال مع الانشطة الزراعية، مضيفا أن الدولة تسيطر على اغلب الانشطة، وضعف كفاءة الجهاز الاداري للدولة وفقدانه التخطيط تسبب بتعطيل القطاع الخاص وخسارته واندثاره"، حسب تعبيره .
من المسؤول؟
ومن الناحية الافتراضية، يقول العلي إنّ "البنك المركزي العراقي يعد المسؤول الاول عن السياسات النقدية، التي تندرج قضية سعر الصرف ضمنها، الا انه ومن الناحية الواقعية، قد تكون بعض الاطراف الحكومية او السياسية صاحبة اليد في عملية رسم السياسات الاقتصادية ومنها سيطرتها على سعر الصرف، كما تؤكد الوقائع اثناء عملية تغيير سعر الصرف نهاية 2020، وعادة ما يكون التوظيف والتواطؤ السياسي هما المحرك الرئيس للقرارات الاقتصادية، لايجاد منافع من عمليات التغيير هذه" .
6 مقترحات
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر قدّم في وقت سابق، ستة مقترحات بشأن سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، من بينها استدعاء وزير المالية علي علاوي، ومحافظ البنك المركزي مصطفى غالب بشكل فوري.
وتضمنت مقترحات الصدر، "إيقاف تهريب العملة، والنظر في أمر بعض البنوك مثل (الشرق الأوسط، القابض، والأنصاري) العائدة لبعض الأشخاص المتحكمين بالعملة، وغيرها من المصارف الأهلية الأخرى، والتعامل بحزم مع المصارف العائدة لبعض الأحزاب المتحكمة في البلاد والعباد".
البرلمان يتحرك بشكل فوري
وبعد بيان الصدر، أعلنت هيئة رئاسة البرلمان العراقي، استدعاء محافظ البنك المركزي ووزير المالية بشكل فوري.
وقال الصدر في تغريدة عبر "تويتر"، إن الفائدة من ارتفاع أسعار صرف الدولار، لا يجب أن تكون على حساب الشعب والفقراء والمعدومين والمساكين.
وكانت النائبة عن التيار الصدري مها الدوري، قالت في تدوينة عبر موقع فيسبوك نهاية الشهر المنصرم، "سنخفض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي في الموازنة المالية لعام 2022"، من دون تفاصيل إضافية.
وفي مطلع شباط/ فبراير الحالي، أكد نائب محافظ البنك المركزي العراقي، عمار حمد خلف، أنه لا تغيير سيحصل في سعر صرف الدولار.
وأمام ما تقدّم، أكد عضو مجلس النواب، النائب أحمد الربيعي، وجود تأييد وتحرك لخفض أسعار الدولار، فيما دعا الى استثمار أسعار النفط وتوفير فرص عمل ملمحاً الى توجه جدي لدى الكثير من أعضاء البرلمان بخفض قيمة الدولار بعد ارتفاع الأسعار".
وعانى العراق ، من أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة اجتياح كورونا له، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط العالمية، الأمر الذي جعل البلاد على حافة الإفلاس.