تعاني صفقة قيمتها 27 مليار دولار بين شركة توتال الفرنسية والعراق من سلسلة تعقيدات، وسط خلافات على شروط يفترض بأي حكومة جديدة في البلاد البت بها وهو ما يتلاقى عنده عدد من المتابعين للشأن النفطي في البلاد.
يبدو أن جهود العراق لتعزيز إنتاجه من النفط والغاز الطبيعي، تواجه تعثرات، وسط حاجة البلاد لمداخيل مالية وزيادة في إنتاج الغاز المصاحب.
ففي بداية سبتمبر/أيلول الماضي، وقّعت وزارة النفط العراقية اتفاقًا مع شركة توتال إنرجي الفرنسية، يتضمن استثمارات بقيمة 27 مليار دولار في 4 مشروعات عملاقة، إلا أن الصفقة مهددة بالتوقف بسبب خلافات حول العقد الذي تعوّل عليه بغداد في جني أرباح بنحو 50 مليار دولار.
ويأتي العقد بالتزامن مع خروج عدد من شركات النفط الكبرى من البلاد، في مقدمتها إكسون موبيل الأميركية، وسط خلافات حول الشروط والمخاطر، تُضاف إليها التعقيدات السياسية التي تمنع تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس للبلاد.
موافقات حكومية
وكشفت ثلاثة مصادر عراقية من وزارة النقط العراقية ومن القطاع، أنَّ الوزارة لم تحصل على الموافقات على التفاصيل المالية للصفقة من جميع الإدارات الحكومية المطلوب موافقتها، وغرقت في خلافات منذ ذلك الحين.
وبعد الانتخابات البرلمانية تحتاج الصفقة الآن لموافقة الحكومة الجديدة، بما في ذلك وزير النفط ووزير المالية، إذ لن يتوليا منصبيهما قبل مارس/آذار على الأقل، وقالت وزارة البترول العراقية، إنَّها تتوقَّع استكمال الصفقة مع "توتال إنرجي" بعد ذلك.
وتعليقا على ما تقدم، رأى الخبير المالي العراقي، الدكتور صفوان قصي عبد الحليم، أنه من الواضح أن "العراق يحاول استثمار الغاز والنفط من خلال استثمارات شركة توتال بقيمة 27 مليار دولار.
وأكد في حديث لـ"جسور"، أنّ هذا العقد أُبرم فعلا مع الحكومة الحالية ووزارة النفط لكنه بالتأكيد يحتاج إلى مجموعة من الاتفاقيات المالية لوزارة المالية مع توتال وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى المضي بتخويل الحكومة الجديدة بكامل صلاحياتها، وعرض هذا الإتفاق أمام البرلمان العراقي بكل شفافية من أجل أن يكون إلزاما للحكومات المقبلة بأن هذا الاتفاق ساري المفعول".
وأضاف عبد الحليم: "سنتوقع أن يمضي هذا المشروع من خلال البرلمان المقبل، وفي حال وجود أي تعديل عليه أو أية ملاحظات فمن الممكن مراجعتها وبحثها مع الشركة، لافتا إلى أنّ عنصرا الجذب للإقتصاد العراقي هما الغاز والنفط خصوصا مع ارتفاع مؤشرات تقديرات الأسعار النفطية."
وفي السياق، بيّن عبد الحليم لـ"جسور"، أنه من الممكن مراجعة الحصص التي يتم إضفاء الاستثمارات من خلالها عن طريق عرض أكثر مرونة، خصوصا مع ارتفاع أسعار النفط بين شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي والفترة الحالية وتوقعات المستقبل، ومن المرجّح أن تتم دراسة الأبعاد المالية لهذا العقد من أجل إعطاء مساحة أوسع للطرفين بأن يضمنا حقوقهما في الاستثمار بطريقة منتظمة وملزمة للحكومات المقبلة.
توتال في العراق
العقد الذي وقّعته وزارة النفط مع شركة توتال يتضمّن 4 مشروعات عملاقة، ويتوقع العراق منه تحقيق أرباح خلال مدة العقد تصل إلى 95 مليار دولار، باحتساب سعر برميل النفط عند 50 دولاراً.
ويستهدف المشروع الأول تطوير حقل أرطاوي النفطي، البالغ إنتاجه المتاح 85 ألف برميل يوميًا، إلى ذروة إنتاج تصل إلى 210 آلاف برميل يوميا، وإدخال التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الفرق الفنية العراقية، وتوفير فرص عمل للمواطنين.
في حين يتضمّن المشروع الثاني إنشاء مجمّع غاز أرطاوي بسعة 600 مليون قدم مربعة قياسية، بغرض استثمار حرق الغاز من حقول النفط؛ ما يؤدي إلى تقليل استيراد الغاز من دول الجوار، وإنتاج كمية مكثفات تُقدَّر بـ12 ألف برميل يوميا، وإنتاج كمية من الغاز المسال تُقدَّر بـ3 آلاف طن يوميا للسوق المحلية.
كما يستهدف المشروع الثالث تجهیز ماء البحر المشترك -باستثناء جزء من شبكة الأنابيب بطاقة 5 ملايين برميل ماء يوميا، في المحطة المعالجة، وبطاقة تصميمية قدرها 7.5 مليون برميل مياه يوميا.
ويتضمّن المشروع الرابع إنشاء محطة توليد طاقة كهربائية تعتمد على الطاقة الشمسية، لإنتاج كهرباء بتكلفة أقلّ من 45% من تكلفة الإنتاج من المحطات الحالية، وبقدرة إجمالية تصل إلى 1000 میغاواط.
10 مليارات دولار
وتقول مصادر مطلعة، إنه بموجب مسودة الشروط، تعوّل "توتال" على الحصول على 10 مليارات دولار من الاستثمار الأولي لتمويل المشروع الأوسع نطاقاً عن طريق بيع النفط من حقل أرطاوي النفطي، وهو أحد المشروعات الأربعة في الاتفاق الأشمل.
ويضخ حقل أرطاوي بالفعل 85 ألف برميل يومياً، وبدلاً من أن تحصل "توتال" على حصتها منها، تذهب العائدات إلى خزانة الدولة.
وذكرت مصادر من قطاع النفط العراقي منخرطة في المفاوضات، أنه من المقرر أن تحصل "توتال" على 40% من مبيعات حقل أرطاوي، وهذه نسبة أعلى بكثير مما بين 10 و15% كما كان المستثمرون يحصلون عليها في مشروعات سابقة من خلال عقود الخدمة التقنية العراقية التي تعوض الشركات الأجنبية عن رأس المال، وتكاليف الإنتاج، وتدفع رسماً ثابتاً بالنفط الخام؛ وكلما زادت نسبة المشاركة في الإيرادات، زادت سرعة دفع مستحقات المستثمرين، وقلَّت المخاطر.
الموقف العراقي
وكانت وزارة النفط العراقية، قد أصدرت بيانات أخيراً، ردت فيها على عدد من الملاحظات حول الاتفاق مع توتال، موضحة أن الشركة الفرنسية عملت منذ سنوات عدة على تقديم الدعم التقني العالي للصناعة النفطية العراقية، وكانت الرائدة في مجال تقديم دراسات تطوير الحقول النفطية العملاقة في العراق خلال الأعوام الـ30 الماضية.
وأوضحت الوزارة، أن توتال تقدمت مع شركة لوك أويل، عام 2018، بدراسات لجمع وتكرير الغاز المحترق في المنطقة الجنوبية، ولم يتم المضي في المشروع بسبب الظروف السياسية للبلاد؛ وفي عام 2020، قدمت توتال مقترحاتها لبناء منشآت الغاز في الجنوب العراقي المحترق منذ عشرات السنين.
وكافح العراق لجذب استثمارات كبيرة جديدة إلى صناعة الطاقة منذ توقيع سلسلة من الصفقات التي أعقبت الغزو الأميركي منذ أكثر من عقد، إذ خفّضت الحكومة أهداف إنتاج النفط بشكل متكرر مع مغادرة شركات النفط الدولية التي وقّعت تلك الصفقات الأولية بسبب ضعف العائدات من اتفاقيات تقاسم الإيرادات.