ثلاثة أعوام على "ثورة تشرين" والعراق لم يعرف الهدوء بعد فالانسداد السياسي هو نفسه في ظل غياب بوادر الحلول للأزمات المتفاقمة.
وفي الذكرى الثالثة للثورة، عاد العراقيون الى الساحات لاستذكار التظاهرات الأكبر في تاريخ البلاد والتي انطلقت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
واليوم الوضع العام في العراق يتجه نحو مزيد من الإنسداد، بسبب التصعيد في اتخاذ القرارات السياسية وحتى العسكرية والأمنية منها يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في اتصال مع "جسور"، مشيرا الى أنّ "المنظومة السياسية تجاهلت زعيم التيار الصدري، السيّد مقتدى الصدر، ومضت في إكمال الإستحقاقات الدستورية والإنتخابية، لكن عمليا وكما يبدو فإنّ الأزمة في طريقها نحو التعقيد، وبالتالي الصدر لن يقف مكتوف الأيدي، خصوصا بعد أن أدرك أنه أكبر الخاسرين".
وكل هذا سيدفعنا بحسب البيدر، إلى مزيد من الأزمات المتداخلة نظرا لفقدان الثقة بين المنظومة السياسية ما سيفتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة في المرحلة المقبلة.
تجمّعات عفوية
وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، تظاهر أكثر من ألف شخص بشكل عفوي في شوارع بغداد والبصرة وكربلاء وجميع مدن الجنوب، الحركة التي عُرفت "ثورة تشرين" ضد الفساد ونفوذ الفصائل المسلحة المتهمة بالتبعية لدول إقليمية.
وانطلقت أول تظاهرة حاشدة ضد حكومة عادل عبد المهدي بعد نحو عام من تشكيلها إثر دعوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها أسوء حكومة بعد التغيير السياسي في العراق عام 2003 عملت على تقوية شوكة قوى اللادولة ضد مؤسسات الدولة.
لكن الأكثر خطورة من جراء هذا الواقع كانت حملة الاعتقالات التي طاولت المحتجين أثناء التظاهرات التي تم قمعها بوحشية، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 600 شخص وإصابة أكثر من 21000 آخرين، قمع أعقبته سلسلة اغتيالات طالت قادة الحركة الاحتجاجية والناشطين إلى جانب صحفيين ومحامين.
وسرعان ما تطور الوضع الميداني إلى صدامات عنيفة طيلة الأشهر التي تلت الاحتجاجات وتعمدت السلطة استخدام الرصاص الحي وقنابل الغاز الحارقة، ما أسفر عن سقوط ضحايا كثر وصَعّد من تحدي المتظاهرين للسلطة التي قتلت عدداً منهم واعتقلت آخرين واستخدمت القنص من أسطح المباني الحكومية، فيما اتهمت حكومة عادل عبد المهدي التي أسقطها الشارع العراقي طرفاً ثالثاً بقتل المحتجين وأبقت الباب مفتوحاً أمام استمرار التحركات في كل عام.
وعلى رغم كل ذلك، فإن ملف ضحايا الاحتجاجات بقي مفتوحاً حتى اليوم مع مطالبة منظمة العفو الدولية بالكف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين ودعوتها السلطات العراقية إلى إجراء التحقيقات اللازمة مع المتورطين بسقوط الضحايا.
إسقاط النظام
وفي 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2019، طالب المتظاهرون بـ"إسقاط النظام" عشية الذكرى الأولى لتولي حكومة عبد المهدي مهامها.
وخلال 48 ساعة قُتل ما لا يقل عن 63 شخصا، معظمهم في الجنوب، وفي 26 من الشهر نفسه، اتهمت الأمم المتحدة "جماعات مسلحة" بالسعي "لتخريب التظاهرات السلمية".
وبعد يومين، نزل آلاف التلاميذ إلى شوارع بغداد ومدن الجنوب، وتجاهل آلاف العراقيين حظر التجول في بغداد.
استهداف القنصليات
وتطور الموقف الاحتجاجي إلى أعلى درجاته عبر حرق القنصليات الإيرانية في النجف وكربلاء والبصرة، مما أحرج النظام السياسي الذي وجد في ذلك تحدياً لعبد المهدي، لكن إرادة المحتجين ازدادت وتغير الشعار من "نريد وطن" إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي القائم على القمع والسلاح المنفلت وتدخلت المرجعية الشيعية العليا المتمثلة في السيّد علي السيستاني الذي طلب استقالة حكومة عبد المهدي والعمل على إجراء انتخابات مبكرة مع حكومة موقتة لتصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي.
إستقالة الحكومة
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، دعا المرجع الأعلى السيد علي السيستاني مجلس النواب إلى سحب الثقة من الحكومة.
وبعد بضع ساعات، أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أنه يعتزم تقديم استقالته إلى مجلس النواب، فعمت مظاهر الفرح في ساحة التحرير (وسط بغداد).
وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول، وافق مجلس النواب العراقي على استقالة حكومة عبد المهدي، وأعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي توجهه بطلب إلى رئيس الجمهورية لتكليف رئيس جديد للوزراء.
تدخّل القضاء
وفي اليوم ذاته، وفي خطوة غير مسبوقة، أصدرت محكمة عراقية حكمًا بالإعدام بحق ضابط في الشرطة أدين بقتل متظاهرين في مدينة الكوت (جنوب بغداد).
كما أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق مذكرة قبض بحق القائد العسكري السابق في محافظة ذي قار الفريق جميل الشمري، الذي توجه إليه أصابع الاتهام بالوقوف وراء إصدار الأوامر التي تسببت في قتل متظاهرين بالمحافظة، وشدد المجلس على أنه سيقوم بمحاسبة المسؤولين عن قمع وقتل المحتجين.