تطل الانتخابات النيابة في لبنان هذا العام على وقع انهيار اقتصادي وعزلة سياسية عربية تسبب بها حزب الله . الاصطفافات رغم تعددها، عنوانها واحد "معركة كسر العظم" فالأحزاب السيادية تسعى إلى تحجيم حزب الله في مجلس النواب عبر تقليص عدد نوابه، ويسعى المجتمع المدني إلى اختراق الأحزاب، السيادية وتلك المحسوبة على الثنائي الشيعي.
أما معركة كسر العظم لدى حزب الله فإطارها مختلف، واللعبة الديمقراطية كما في كل مرة لا يسمح لها باختراق مناطق نفوذه، لكن اللافت هذه السنة التغيير في النهج الذي اتبعه لسنوات، إذ وسّع حزب الله من نطاق سيطرته ليفرض قراراته على تحالفات رموز سياسية لبنانية أبرزها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ممثل الطائفة الدرزية الأول في لبنان.
فبعد أن أعلن المرشح عن المقعد الشيعي في دائرة البقاع الغربي راشيا، الدكتور سامي ريشوني التحالف مع الحزب التقدمي الاجتماعي الذي يرأسه جنبلاط، عاد اليوم وأعلن انسحابه إثر تعرضه لضغوط كبيرة وتهديدات من قبل الثنائي الشيعي.
الخرق ممنوع
في الواقع، بات حزب الله يتخوف من تنامي الحركة الاعتراضية التي أنتجتها انتفاضة 17 تشرين، إذ تشير بعض الاحصاءات إلى إمكانية تسجيلها أكثر من خرق في دوائر عدة، لتحصد مقعدين في دوائر الجنوب واثنين في دائرة بعلبك الهرمل إضافة إلى احتمال حصولها على أحد مقاعد الشيعة في دائرة جبل لبنان الأولى والثالثة وذلك للمرة الأولى منذ انتخابات عام 2009.
من هنا يأتي التضييق على المرشح الشيعي ريشوني، بهدف ضرب سيطرة جنبلاط في منطقة نفوذه أولاً، وفي محاولة من حزب الله لإبراز رموز أخرى أقل تمثيلاً في الساحة الدرزية مثل وئام وهاب وطلال إرسلان إنما أكثر ولاءً له ولإيران وسوريا من خلفه، ما يسمح له بالتطبيع معهما وتوسيع قوة كتلته في المجلس النيابي.
ترهيب وتخوين
وعاني المرشحون الشيعة المعارضون من سطوة حزب الله في الانتخابات السابقة، وخصوصاً انتخابات عام 2018، إذ شهدت خلالها مناطق نفوذه بعض التحركات الانتخابية الخجولة لكن حزب الله كان لها بالمرصاد وبحسب الأمين العام المجلس الإسلامي العربي السيد محمد علي الحسيني "عمد حزب الله إلى عرقلة عمل المعارضين وتحركاتهم بشتى الطرق، مستخدماً التهديد بشكل سري للضغط عليهم أو إغرائهم ماديا، وذلك من أجل الانكفاء في مناطق نفوذه"
وأوضح أن المرشحين المعارضين اضطروا إلى عقد لقاءات في منازلهم أو في مطاعم على حسابهم الخاص لإعلان اللوائح والترشيحات بعد منعهم من استخدام الأماكن العامة مثل الحسينيات والنوادي" مضيفاً أن "الحزب عمد إلى إرسال عناصر أمنه لمراقبة تحركات المرشحين"
ولفت أيضاً إلى ما تعرض له المرشحون المعارضون في السابق من حملات تخوين إذ كان الحزب يوعز لمناصريه بضرورة عزل هؤلاء ونبذهم والامتناع عن بيعهم الأغراض والحاجيات من محلات البلدة أو القرية، بذريعة أنهم عملاء أو مشتبه في تعاملهم مع إسرائيل أو مع السفارات الأجنبية.
سطوة وتحكم
وانطلاقاّ من تجربته الخاصة، أشار المرشح السابق الى الانتخابات النيابية الإعلامي علي الأمين، في حديث لـ"جسور" عن تعرضه في انتخابات عام 2018، لاعتداء من قبل عناصر "حزب الله" في بلدته شقراء قضاء بنت جبيل بشكل علني من قبل مجموعة منظمة ومعروفة ومن دون أي وجه حق، "كانت بمثابة رسالة إلى الناخبين بأننا يمكن أن نفعل أي شيء ولن يجرؤ أحد على مساءلتنا وفعلاً لم يجرؤ أحد في الدولة اللبنانية على محاسبة المعتدين المعروفين حتى اليوم".
وأضاف "أن الانتخابات في مناطق نفوذ "حزب الله" أو ما يطلق عليها تسمية البيئة الحاضنة، هي أشبه بانتخابات في دار حرب، حيث أدنى الشروط الحقوقية والسياسية غير متوفرة وحيث لا سلطة فوق سلطة "حزب الله" ولا رأي غير رأيه ولا سلاح فوق سلاحه".
وكان رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" إبراهيم أمين السيد قد أعلن عن أن "الانتخابات النيابية هي بمثابة حرب (يوليو) تموز سياسية، لأنهم يريدون سلاحنا ومقاومتنا ومجتمعنا لكي تكون الكلمة في بلدنا لإسرائيل وأميركا".
ومع خروج التيار السني الأكثر تمثيلاً في المجلس النيابي، من المرجح أن يكون طموح حزب الله الاستيلاء على الأكثرية النيابية الممثلة من خلال الطوائف كافة للقبض على الحياة السياسة في لبنان ويوجهها كما يرغب من دون معارضة تذكر، في السنوات المقبلة.